أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - ابراهيم ابراش - المثقفون والمبدعون لا يتقاعدون














المزيد.....

المثقفون والمبدعون لا يتقاعدون


ابراهيم ابراش

الحوار المتمدن-العدد: 5500 - 2017 / 4 / 23 - 23:49
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


مع أن التقاعد والتأمين والمعاشات مكتسب جاء تتويجا لنضال العاملين ومكافأة لهم في نهاية سنوات عملهم ، حيث يضمن الراتب التقاعدي الحياة الكريمة للموظف في الكِبر دون أن يذل نفسه لأحد أو يصبح عالة على أحد . إلا أن موضوع التقاعد للموظفين في القطاعين العام والخاص يثير جدلا كبيرا ليس من حيث القوانين المنظمة له وحقوق المتقاعد ، فهذه أمور تتطور وتتغير مع الزمن وتختلف من بلد لآخر ، بل تأثير التقاعد على حياة المتقاعد النفسية والعائلية والاجتماعية ، وإلى أي حد ينطبق نظام التقاعد وفلسفته على المثقفين بكل شرائحهم .
يبدو أن للأمر علاقة بثقافة المجتمع الذي يعيش فيه المتقاعد ، وطبيعة العمل الذي كان يشغله. ففي المجتمعات المتقدمة فإن التقاعد معناه نهاية مرحلة من عمر الموظف اتسمت بانتظام نمط حياته في عمل محدد والروتين ،وبدء مرحلة جديدة يتحرر فيها من روتين العمل ليستكشف ويتمتع بحياة جديدة متحررة من الروتين والخضوع لأوامر رب العمل ، فيزور أماكن لم يزرها من قبل أو يتفرغ للكتابة والقراءة أو يؤسس مشروعه الخاص في حرفة أو مجال يُبدع فيه ،كما أن الدولة أو المؤسسة التي كان يشتغل فيها توفر للمتقاعدين فضاءات وأنشطة متعددة ليُشغلوا وقتهم الخ .
أما في مجتمعات الجنوب وخصوصا المجتمعات العربية فإن غالبية المتقاعدين ينظرون إلى التقاعد كعقوبة ليس فقط من حيث ضآلة الراتب التقاعدي فقط بل لغياب الفرص والإمكانيات ليشغلوا وقتهم أو يتمتعون بالحياة ، فالدولة أو المؤسسة التي كان يشتغل فيها المتقاعد تقطع صلتها به بعد التقاعد ، فتتحول حياة المتقاعد إلى نكد وإحباط بحيث يفقد ثقته بنفسه ويعتقد أنه أصبح مُهمَلا ولا قيمة له في الحياة ، فيما كان العمل يُشعره أنه إنسان له قيمة ومهم في المجتمع . مع التقاعد فإن الوقت الذي كان يقضيه في العمل يضطر ليقضيه داخل البيت ،الأمر الذي يؤدي في كثير من الحالات لأن يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في الأمور التي تخص الزوجة أو الأولاد وحتى الجيران ، أو يقضي وقته في المقاهي والمتنزهات العامة إن توفرت وفي هذه الحالة أيضا تصبح حياته مملة فيزداد بؤسا وإحباطا .
بالتأكيد ،لا يمكن تعميم الأمر على الجميع ، فالاعتبارات المادية للمتقاعد وعائلته تلعب دورا في نمط وطبيعة حياته بعد التقاعد ، كما أن الأمر يختلف حسب المستوى الثقافي للمتقاعد ، فالمتعلمون ومن يتمتعون بمستوى ثقافي متقدم يمكنهم ملء الوقت بالقراءة والكتابة والتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ،وتجديد علاقاتهم الاجتماعية مع الأهل والجيران والأصدقاء ، كما أن الثقافة والوعي تجعل المتقاعد أكثر قدرة على التكيف مع الحالة الجديدة .
ما أود معالجته في هذه المقالة ليس التقاعد بحد ذاته ولكن مدى انطباق مفهوم التقاعد على (المثقفين) ، وهل ما ينطبق على الموظفين العاديين ينسحب على المثقفين من كُتاب وأدباء وأكاديميين ؟ وهل هناك سن محددة يمكن اعتمادها لتقاعد المثقف ؟ .قبل وقت قصير شاهدت برنامجا تلفزيونيا استضاف أحد الأدباء العراقيين ، وسألتْ مقدمة البرنامج الضيف عن أعماله الأدبية التي كانت كثيرة ومتميزة وناقشته في بعضها ، ثم سألته : بعد هذا المشوار الطويل هل وصلت لنهاية المطاف وآن لك أن تتقاعد ؟ فأجاب بكل ثقة ، لقد انهيت السبعينية الأولى من حياتي وبدأت السبعينية الثانية وهناك مشاريع أدبية سأعمل عليها مستقبلا !! .
كانت إجابة رائعة وعميقة ، فالمثقف أو المفكر سواء الذي يعمل حرا أو في مجال وظيفة بأجر لا يتقاعد ما دام عقله يعمل ، فوصوله إلى سن الستين أو السبعين لا تعني نهاية مشواره بل معناه أنه وصل لقمة نضجه العقلي وقدرته على العطاء الفكري ،وأن يتقاعد من عمل وظيفي روتيني فهذا يمنحه الوقت للتفرغ للكتابة في قضايا ومواضيع لم يكن روتين العمل يمنحه الوقت للقيام بها ،أو طبيعة عمله وضوابطه الوظيفية وربما السياسية كانت تشكل عائقا أمام الكتابة فيها .
في المجتمعات والجامعات المتقدمة فإن المثقفين المبدعين والأكاديميين لا يتقاعدون كغيرهم من الموظفين الإداريين بعد بلوغهم السن القانوني للتقاعد .ذلك أن المثقف يشتغل بعقله وليس بجسده ،فرأس مال المثقف والمفكر والأكاديمي هو فكره وعقله وقدرته على الانجاز ، ولا يوجد سن محددة لقدرة العقل على العطاء والإبداع ، وبالتالي فإن بلوغه السن القانوني الذي يطبق على الموظفين الإداريين لا يعني نهاية عمله ودوره في الحياة بل تغير طبيعته ،فمثلا في كثير من الجامعات يصل سن التقاعد للسبعين أو يكون مفتوحا ،إلا من رغب في التقاعد أو كانت حالته الصحية لا تسمح له بالعمل ،وفي بعض الجامعات يتم توجيه الأكاديميين بعد وصولهم للسن القانوني للتقاعد للأشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه أو للعمل في مؤسسات ومراكز بحثية تابعة للجامعة أو للدولة أو تخصيص منح مجزية للتفرغ للكتابة في مجال تخصصهم وبما يخدم المصلحة الوطنية .
هناك جانب آخر من الموضوع يستحضر علاقة المثقف بالسلطة ،وهي علاقة ملتبسة وبالرغم من كثرة ما كُتب عنها إلا أنها ما زالت محل جدل ونقاش ، فالمثقف الذي تجبره متطلبات الحياة على أن يصبح موظفا رسميا يتقاضى راتبا من السلطة ،فإن الوظيفة كثيرا ما تقيد قدرته على ممارسة دوره كمثقف يُفترض ألا يخضع لحسابات السلطة ومتطلباتها ، فيضطر خلال سنوات عمله الوظيفي لأن يؤجل كثيرا من أعماله حتى لا يتصادم أو يشتبك مع السلطة والمتطلبات الوظيفية ،وعندما يتقاعد يحاول تعويض ما فات فيصحح مساره ويعود لممارسه دوره الحقيقي كمثقف عضوي حر ، وعليه يكون تقاعده الوظيفي نقطة انطلاق لحياة جديدة من الإبداع .
ملاحظة اخيرة ،ينظر البعض للمثقف الذي يمالئ السلطة حفاظا على وظيفته بأنه منافق وانتهازي الخ ، وهذا حكم جائر إن تم تعميمه وصحيح إن تم تخصيصه على البعض انطلاقا من مسيرتهم الحياتية ،فبعض المثقفين في ظل تعقيدات الحياة الحديثة وكثرة متطلباتها يضطر للعمل كموظف حكومي ويتجنب الاشتباك الحاد مع السلطة ،ولنا عودة للموضوع .
[email protected]



#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما زال في الإمكان تدارك الأمر
- الرواتب كاداة لتصفية حالة التحرر الوطني وتكريس الانقسام
- قرارات قمة عمان تخفي اكثر مما تُفصح
- مثقفون بدون ثقافة : مثقفو الشتائم والإحباط
- لقاء ما بعد الصدمة بين ترامب وابو مازن
- الهروب نحو الحل الإقليمي لن يحل المشكلة
- في خفايا العلاقات المصرية الفلسطينية
- الدولة الفلسطينية ليست منة أو منحة من أحد
- تهافت مقولة عبقرية اليهود والغرب وتخلف العرب
- تصفية حالة التحرر الوطني قبل إنهاء الاحتلال
- كفى مكابرة ، فقد أنكشف المستور
- ترامب وسياسة حافة الهاوية
- تحديات الهوية والثقافة الوطنية ودور الشباب في الحفاظ عليهما
- السلام : هذا المصطلح المراوغ
- مؤتمر باريس : أهميته في انعقاده وليس في مخرجاته
- اجتماع اللجنة التحضيرية في بيروت كان دون اتوقعات
- اجتماع اللجنة التحضيرية في بيروت كان دون التوقعات
- انتصرت الرواية الفلسطينية فمتى سيتغير الواقع ؟
- حركة فتح بين استحقاق التحرر الوطني والرهان على حل الدولتين
- الاستيطان أكثر خطورة من الاحتلال


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - ابراهيم ابراش - المثقفون والمبدعون لا يتقاعدون