ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 5500 - 2017 / 4 / 23 - 23:50
المحور:
سيرة ذاتية
كنا عائدين من طرطوس إلى اللاذقية بسيارة «سوزوكي» بعد يومٍ مضنٍ من العمل الشاق بمجال «الديكورات الإسمنتية». وقد اضطررتُ إلى العمل مع هذه الورشة إلى جانب وظيفتي، بسبب الضائقة المالية التي أتخبّط فيها أسوةً بغالبية الشعب السوري. لدى وصولنا إلى إحدى محطات الوقود للتزوّد بالبنزين، وإذ برجلٍ كهلٍ تركت عليه الحياة آثار عمرٍ من الخيبات المتتالية، يقترب منّا. كانت عيناه تنطقان بالضراعة والتوسّل. وطلب برجاء من رفيقي السائق أن يعمل معه معروفاً ويقطر سيارته الـ «بيك أب» المعطّلة والمركونة على جانب الطريق وجرّها إلى اللاذقية. تردّد رفيقي في بداية الأمر. ولكن أمام توسّلات الرجل الكهل وتبيانه لحالة الفقر التي تلمّ به، قَبِلَ المساعدة.
وبعد أن ربط حبلاً ما بين السيارتين، انطلقنا. وخلال الطريق سألتُ رفيقي (الفقير أيضاً):
- كم ستأخذ أجرة جرّ السيارة؟
أجاب بعد لحظات من الصمت وهو ساهم بحزن:
- طلبتُ منه عشرة آلاف ليرة. لكنه قال بأنه لا يملك سوى ثلاثة آلاف..
لدى بلوغنا اللاذقية، سارع الرجل الكهل ومدّ يده إلى جيبه وأخرج الثلاثة آلاف ليرة وهو يكيل لنا عبارات الشكر والامتنان. فما كان من رفيقي إلا وقد وضع راحتيه على كتفَي الكهل وقال له:
- أعدْ نقودك إلى جيبك يا أخي! نحن الفقراء يجب نتضامن ونتآزر مع بعضنا. يكفيك عطل السيارة وما ستتكبّده من نفقات. لقد أسديتُ لك هذه الخدمة هكذا لوجه الله، ولا أبتغي منك شيئاً سوى الدعاء لخلاص بلدنا من هذه الكارثة التي تعصف به.
نظر الكهل إلى وجه رفيقي بعينين تتراقصان بالسعادة غير مصدّق، وسرعان ما ضمّه إلى صدره، وصاح بصوتٍ متهدّجٍ والذي كان على شفا دمعة:
- يا ألله ما أطيب شعبنا! يا ألله ما أروعه! نعم، إن الحياة ملأى بالخيّرين النشامى.. نعم إن بلدنا زاخر بالأنبياء..
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟