أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - العلاقة والوجود: حول الفهم المادي والفهم المثالي















المزيد.....


العلاقة والوجود: حول الفهم المادي والفهم المثالي


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 5498 - 2017 / 4 / 21 - 15:10
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


العلاقة والوجود: حول الفهم المادي والفهم المثالي

الجدل والصيرورة

مادية الجدل

في التراكم الكمي


يُربَط الفهم المثالي بأولوية الفكرة، هكذا في تاريخ الفلسفة. لكن ما هو موقع العلاقة؟ والعلاقة تعني الرابط بين طرفين أو عدة أطراف موجودة في الواقع، حيث يجري اعتبار أنها هي "الوجود المادي"، أو أساس التحليل "المادي". ربما يظهر ذلك واضحاً لدى مهدي عامل، الذي ينطلق من أن التحليل المادي يقوم على فهم العلاقات.

هذه المسألة كانت مجال اختلافات في الماركسية، وخصوصاً الماركسية السوفيتية، حيث خضع تحديد مصطلح التكوين المجتمعي لتفارق بين أن يسمى: النمط الاقتصادي الاجتماعي، أو النمط الاجتماعي الاقتصادي. وكان واضحاً هنا الأولوية التي تُعطى للاقتصاد أو للعلاقات الاجتماعية. لقد كان السؤال حول أولوية العلاقة أو الوجود هو في أساس هذا النقاش، حيث تبدو العلاقة هي أساس الوجود.

وهذا يعيدنا الى نص إنجلز الذي اعتبر فيه ما أضافه ماركس في تاريخ الفكر، والذي كانت في أساس تحويل الجدل الهيغلي الذي كان مثالياً، إلى جدل مادي. يقول إنجلز " إن الإنتاج الإقتصادي، والبنية المجتمعية التي تنجم عنهُ بالضرورة، يشكِّلان، في كل عهد تاريخيّ، الأساس للتاريخ السياسي والفكري لهذا العهد، وبالتالي فهو التاريخ كله". وهي الفكرة التي أشار إليها كارل ماركس في مقدمة كتابه "إسهام في نقد الاقتصاد السياسي"، حيث يقول "تقوم بين الناس، في الإنتاج الاجتماعي لحياتهم، صلات معينة ضرورية مستقلة عن إرادتهم، وهي علاقات إنتاج تقابل درجة معينة من درجات نمو قواهم الإنتاجية المادية، ويؤلف مجموع هذه العلاقات الإنتاجية البنية الاقتصادية للمجتمع، وهي القاعدة المشخصة التي تقوم فوقها بنية حقوقية وسياسية، والتي تقابلها أشكال معينة من الوعي الاجتماعي".

ربما كانت الإشارة إلى "العلاقات الإنتاجية" التي هي "البنية الاقتصادية للمجتمع" هي أساس الوصول إلى نتيجة تقول بأولوية العلاقة، لكن لا بد من التوقف عند نص ماركس (قبل إنجلز) الذي يبدأ بالتأكيد على أن هذه العلاقة تقوم "في الإنتاج الاجتماعي"، أي في الوجود الاقتصادي، أي أن الوجود الاقتصادي هو الذي يقيم هذه العلاقة في المستوى الاقتصادي. ولا شك في أن تحديد إنجلز يكون أكثر دقة لأنه يبدأ في "الإنتاج الاقتصادي"، ومن ثم يشير إلى "البنية المجتمعية التي تنجم عنهُ بالضرورة "، وهي التي تتعلق بالطبقات. ماركس تحدث عن العلاقة في المستوى الاقتصادي، وإنجلز تحدث عن العلاقة في المستوى المجتمعي، لكن كلاهما يعتبر أن الإنتاج الاقتصادي هو المركز في فكرتهما. فالعلاقة هي نتيجة وجود اقتصادي، سواء كانت هذه العلاقة تتعلق بالمستوى الاقتصادي أو بالمستوى المجتمعي. فليس من علاقة بين البروليتاري والرأسمالي إلا بوجود المصنع، وأصلاً ليس من رأسمالي ولا بروليتاري بدون وجود المصنع وليس المال فقط. فالمصنع الذي ينشأ عن توظيف الرأسمال الذي يملكه الرأسمالي، هو الذي يفرض الحاجة لوجود العامل، ومن ثم هذا ما يؤسس لوجود العلاقة بين الرأسمالي والعامل.

بالتالي، بدون المصنع ليس من بروليتاري ولا رأسمالي، فالبروليتاري هو العامل في المصنع، والرأسمالي بالأساس هو الذي يوظّف ماله في الصناعة لكي يتحوّل إلى رأسمال ويصبح هو رأسمالياً، ولقد نشأت الرأسمالية أصلاً بعد اكتشاف الصناعة. ربما يكون هناك مالك الأرض والفلاح، وأيضاً لا بد من وجود الأرض أصلاً والأدوات التي تسمح لأن تتحوّل إلى وسيلة إنتاج. وربما يكون هناك التاجر الذي يعتمد على بيع إنتاج الأرض أو الصناعة. لكن وسيلة الإنتاج هي مركز نشوء نمط الإنتاج، حيث أنها منتج الفائض.

بهذا يكون الاقتصاد هو الأساس المادي الذي تقوم عليه العلاقات المجتمعية، "وهي القاعدة المشخصة التي تقوم فوقها بنية حقوقية وسياسية، والتي تقابلها أشكال معينة من الوعي الاجتماعي". وهنا تكمن مادية الجدل، ومادية الماركسية. فالاقتصاد هو "الوجود المادي"، التي تُنشئ علاقات في المستوى الاقتصادي، وفي مستوى الطبقات، وهذه كلها هي "المشخّص". فالمشخّص هو الوجود المادي والعلاقات التي تقوم على أساسه. وهو القاعدة المجتمعية التي تقوم عليها "بنية فوقية"، لهذا جرى اعتبار أنها البنية التحتية.

الآن، حين ننطلق من العلاقة كأساس دون "الأساس المادي الذي أنتجها"، نكون قد انتقلنا إلى المثالية، حيث يصبح الوجود المادي هو نتاج العلاقة، أو تحلّ العلاقة محلّ الوجود المادي الذي يتلاشى، فتصبح العلاقة معلقة في الهواء. فليس وجود البروليتاري هو الذي أوجد المصنع، ولم يتشكّل الرأسمال إلا بوجود الصناعة. وبالتالي نشأت العلاقة بين البروليتاري والرأسمالي عبر المصنع، وهي في الصراع الطبقي بينهما لا قيمة لها دون التحليل الاقتصادي الذي تكون الصناعة في مركزه. فالصراع بينهما يبدأ من استغلال جهد البروليتاري، وتحقيق فائض القيمة. وهذا يعني الحصول على أجر لا يسمح بعيش كريم، الأمر الذي يفجّر الاحتجاج. هذه هي العلاقة الاقتصادية التي تتحوّل إلى علاقة طبقية من خلال الانتقال من البروليتاري الى إلطبقة البروليتارية، لينتج عنها صراع الطبقات. هذا هو الشكل المتعلق بجزء من الصراع الطبقي، لكن يمكن لمس الأمر ذاته في مجمل البنية، حيث يكون الوجود المادي هو أساس نشوء العلاقة.

ولهذا لا يمكن تحديد نمط الإنتاج دون البدء من وسيلة الإنتاج والعمل (قوى الإنتاج) قبل تحديد الطبقات والتكوين المجتمعي. ولا شك في أن إشكالية تحديد أنماط الإنتاج في التاريخ العالمي نتجت عن عدم البدء من الوجود المادي هذا، وركزت على العلاقات، وما ينتج عن الوجود المادي (وفي الغالب كررت ما حدس به ماركس، دون محاولة تدقيقه عبر دراسة التاريخ، وأصلاً دون تدقيق المفاهيم والمصطلحات، ودون البدء من الأساس المادي). وهو الأمر الذي منع نشوء منظور مادي للتاريخ يعيد تأسيس مسار تطوره، فظل يتكرر ما "شلفه" ماركس وهو يحاول التأكيد على أن التاريخ يتطور وفق أنماط إنتاج تقوم على نمط الاقتصاد، حيث كان يريد التمثيل على ما يقول دون أن يكون قد درس التاريخ جيداً، ولهذا غلَّب حدسه أكثر مما أعطى رؤية علمية كما فعل وهو يبحث في النمط الرأسمالي. لقد انحكم فهم التاريخ بالتالي لمنظور مثالي، قام على تكرار نصوص لماركس بصفتها قوانين من جهة، وباستمرار الانطلاق من العلاقة وليس من الوجود من جهة أخرى.

وهذا المنطق يحكم فهم الحاضر كما يحكم فهم التاريخ، وبالتالي يمنع رؤية علمية لمسار الصراع. وإذا كانت العلاقة تتعلق بالمستوى الاقتصادي، أو فيما يتعلق بالطبقات، فإنها تتمحور أكثر في المستوى السياسي، حيث تظهر في علاقة أحزاب/ سلطة، أو كذلك في علاقة دولة/ عالم. وهو ما يظهر كذلك في العلاقة بين "أيديولوجيات"، أو طوائف، أو أحزاب فيما بينها. حتى الطبقات تتلاشى هنا، وليس الاقتصاد فحسب، وتصبح العلاقة السياسية هي الأساس. هنا ينتقل التحديد من الأساس الاقتصادي إلى الأساس السياسي، لكنه ينتقل كذلك إلى الأساس الأيديولوجي (الطوائف مثلاً كما يفعل مهدي عامل). وتصبح البنية الفوقية هي المحدِّد وليس البنية التحتية. فيجري قلب ماركس لكي يقف على رأسه بعد أن كان قد أوقف هيغل على قدميه.

الوجود هو الأساس وليس العلاقة سوى نتاج ذلك، والماركسية تبدأ من الوجود وليس من العلاقة. ولا شك أن البدء من العلاقة يعني العودة إلى المنظور المثالي. حيث أن العلاقة هي نتيجة الوجود المادي ولا يمكن أن تكون أساس هذا الوجود. وكل انطلاق من العلاقة كأساس يعني الانتقال إلى الفهم المثالي. هذا ما وقع به مهدي عامل، وتيارات ماركسية أخرى، حيث أصبح "الثقافوي" والسياسي هما أساس الرؤية وليس الوجود المادي. فالعلاقة تصبح علاقة "طوائف" أو تيارات أيديولوجية. وتصبح علاقة بين أحزاب، أو بين أحزاب والدولة، أو بين الدول. وهي هنا "ترتفع" من الاقتصادي (الذي بات متجاهلاً) إلى الأيديولوجي أو السياسي. لتصبح "البنية الفوقية" بأحد عنصريها أو بعنصريها معاً، هي أساس الوجود المادي، أي أساس وجود "البنية التحتية" (الاقتصاد والطبقات). بذلك جرى إيقاف ماركس على رأسه، دون أن يبقى الجدل حتى بشكله الهيغلي قائماً. وبهذا جرى تكريس المنطق الصوري كاملاً.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التكوين الاقتصادي والطبقات في النظام الرأسمالي (ملاحظات أولي ...
- بعد ست سنوات .. لماذا تعثرت الثورات العربية؟
- عن روسيا والإمبريالية
- الأمة/العالم: عالم أمم
- -الكتلة التاريخية- وغرامشي
- العفوية والوعي والبروليتاريا
- الرأسمالية.. أزمة مستمرة
- سورية: صراع من أجل روسيا مهيمنة
- إمبريالية بالتأكيد
- اليسار الممانع والثورات العربية وفقه النكاية السياسي
- روسيا المصمّمة على النصر في سورية
- الطائفية والعلوية السياسية وأشياء أخرى حول طبيعة النظام السو ...
- الطائفية والعلوية السياسية وأشياء أخرى … حول طبيعة النظام ال ...
- بعد خمس سنوات.. يجب استعادة الثورة السورية
- الثورة السورية من منظور طائفي
- -القاعدة- و-النصرة-
- التغول المالي في الرأسمالية ووضع الدولة
- أصدقاء سورية كأعداء
- التّمرين الإمبريالي الروسي في سورية
- شعب قرَّر التغيير


المزيد.....




- أوجلان يلقى السلاح
- فانس ذهب في رحلة تزلج فوجد المتظاهرين له بالمرصاد بسبب ما حد ...
- استطلاع ـ غالبية الألمان يؤيدون ائتلافا حكوميا بين المحافظين ...
- مفاجأة أوجلان.. هل تثبط استراتيجية إسرائيل
- آلاف المتظاهرين يخرجون في عدة مدن إسرائيلية للإفراج عن الرها ...
- بين ترحيب وتشكيك.. أكراد العراق منقسمون حول إعلان حزب العمال ...
- الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تجدد رفضها للمس ب ...
- أردوغان: على حزب العمال تنفيذ وعوده
- لماذا توقفت الحياة في تركيا للاستماع إلى بيان أوجلان؟
- “إحاطة” في مجلس النواب.. في اليوم الـ 153 من إضراب سويف


المزيد.....

- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي
- نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم ... / بندر نوري
- الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية / رزكار عقراوي
- نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل ... / بندر نوري
- الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور ... / فرانسوا فيركامن
- التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني ... / خورخي مارتن
- آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة / آلان وودز
- اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر. ... / بندر نوري
- نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - العلاقة والوجود: حول الفهم المادي والفهم المثالي