|
الله في فكر الخيام 9/ 25
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 5496 - 2017 / 4 / 19 - 23:08
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
اسئلة الوجود يقول الخيام: لبست ثوب العيش لم أستشـــر وحرت فيه بين شتى الفكــــــر وسوف أنضو الثوب عني ولم أدرك لماذا جئت أين المقـــــر وهذه الابيات تذكرني بالشاعر ايليا ابو ماضي وقصيدته (الطلاسم) والتي يقول فيها: جئتُ، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيتُ ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيـتُ وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيتُ كيف جئت؟ كيــــف أبصرت طريقي؟ لست أدري! مقدمة ابيات الخيام تمثل عدداً من الأسئلة الفلسفية حول الوجود، وحول الحياة وكيف بدأت وإلى أين تسير، وماذا ستكون النهاية ومن أين جاء البشر. وهي أسئلة أنطولوجية محيرة منذ آماد بعيدة، وقد أرّقت الفلاسفة والشعراء والمفكرين منذ القدم والى يومنا هذا، وكلٌ قال رأيه ودلى بدلوه. والشاعر ان يقول: انني قد اتيت الى هذا العالم (الدنيا) ولم يستشرني احد حول مسألة مجيئي اليه، وبقيت اصارع شتى التقلبات والافكار والاطر، فضلا عن المحن والآلام والخطوب، وتأخذ بي الاهواء والافكار، وانا حائر لا ادري ايها اقرب الى الصواب؛ بعدها اقضي فترة قصيرة في هذه الحياة وانا حائر لا استقر على رأي، ثم لا البث ان اخلع ثوب الحياة (اموت) وانا لم ادرك بعد لم جئت الى حياتي هذه ولم عشتها حائرا مترددا، وهذا مصيري الذي سوف الاقيه، ولا يوجد مخرج لي منه، فاين المفر؟، اين المهرب، لا ادري كما قال ايضا الشاعر ابو ماضي؟. وعلى اعتبار ان شاعرنا الخيام ايضا هو فيلسوفا فمن حقه ان يطرح مثل هذه الاسئلة الوجودية، وقد يكون لديه الجواب الشاف؛ لكنه يريد ان يذكرنا بها-اي الاسئلة- ويطلب منا ان نجد لها الاجوبة المقنعة، لنجيب بها انفسنا، لا ان نطلبها من غيرنا، فهذا من باب(ذكّر لعل الذكرى). وابو ماضي قصيدته ايضا فلسفية وتتضمن المعنى عينها، والتساؤلات ذاتها، وقد رد على قصيدته (الطلاسم) اكثر من شاعر، لكن تبقى القصيدة خالدة ومتقوقعة بمنحاها الفلسفي. ويمكن اضافة بعض الاسئلة الاخرى الى اسئلة الخيام وهي ايضا بحاجة الى اجوبة فلسفية مقنعة تنتشلنا من فوضى الافكار التي تعصف بأذهاننا. ومنها: - هل الله موجود حقا، واذا كان موجودا لماذا لا يتدخل بالقضايا الصعبة التي يصعب حلها من قبل البشر؟. - هل هناك حياة بعد الموت، واذا كان الجواب بـ"نعم" ما هو الدليل العقلي، وليس انقلي؟. - هل يمكن تجربة شيء بموضوعية؟. - ما هو النظام الاخلاقي الذي يصلح للجميع ويستوعبهم في آن؟. - هل نمتلك ارادة حرة مطلقا؟. وجهة نظر الاسلاميين حول الوجود الاسلاميون يقولون: إنّ العلّة من خلق الإنسان والفلسفة الحقيقيّة لوجوده هي ما عبّر عنها القرآن بقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات: 56، وعليه فانّ غرض الخلقة هو كون الخلق عابدين لله، لا كون الله معبوداً!. ويقولون: "وبهذا يتبيّن أنّ الغرض من الخلقة: العبادة التي يكون غرضها معرفة الله والخلوص له، فإذا كان الإنسان يسعى إلى العبادة، والعبادة تسعى به إلى معرفة الله والخلوص له، فقد وصل الإنسان إلى الكمال وهو العلّة من الخلقة، وهذه الغاية تحصل في الكون؛ لأنّ بعض المخلوقين يعبدون الله وبعبادته يصلون إلى معرفته والخلوص له فقد حصلت الغاية من سرّ الخلقة والعلّة لها". يعني ان الغاية من وجودنا هي لكي نعبد الله ونشكره على نعمة وجودنا، بعد ان كنا لا شيء، وقد خلقنا من تراب فصرنا بشراً سوي نتعلم ونرى ونسمع، وزودنا بعقل نميز به الاشياء، بعكس بقية المخلوقات تماماً.
سارتر واسئلة الوجود الفيلسوف والروائي الفرنسي جان بول سارتر (21 يونيو 1905 باريس - 15 أبريل 1980 باريس) طرح في كتابه (الوجود والعدم) العديد من الاسئلة واجاب عليها في ذات الوقت. وسارتر يرى ان الوجود مشروع من اجل الماهية والجوهر، والانسان يحاول دائماً ان يحقق ذاته عن طريق تحقيق امكانياته. فالوجود حرية، بمعنى ان الانسان يعيش دوما في موقف وجودي وهو الذي يحدد موقفه بالاختيار الحر. ويعتقد ان بين الانسان وبين تحقيق ذاته مسافة طويلة جدا لا يصل اليها ابداً حتى يصل الى الموت. فالعدم داخل في نسيج الوجود، والوجود الانساني مهدد بالسقوط في العدم في كل ساعة وفي كل لحظة طالما هو مقيد بأسئلة الوجود. فسارتر هو القائل: • الوجود يسبق ويحكم الجوهر. • الإنسان محكوم عليه أن يكون حرا، لأنه ذات مرة ألقي في العالم، وهو مسؤول عن كل ما يفعل. • لا يمكنني أن أجعل الحرية هدفي ما لم يتساوى الآخرين أمام هدفي. • الإنسان مسؤول مسؤولية كاملة عن طبيعته واختياراته. • الحرية هي ما تفعله مع ما تم فعله بك. • الوجود هو، الوجود بحد ذاته، الوجود هو ما هو كائن. • الجحيم هي الناس الآخرين. • الحياة تبدأ من اليأس. • المعركة الخاسرة هي المعركة التي يعتقد المرء أنه خسرها. • الحياة لا معنى لها لحظة يتفكك وهم الخلود. • الوجودي يقول فورا ان الانسان هو الكرب. • نحن لا نعرف ما نريد ونحن مسؤولون عن ما نحن عليه وهذا هو الواقع. • علينا أن نتصرف بعيدا عن العاطفة قبل أن نشعر بشيء. • ماذا يهمني من المشتري؟ العدالة هي قضية الإنسان، وليست في حاجة إلى إله لتدريسها . • أنا لا أؤمن بالله؛ وجوده قد تم دحضه بالعلم، ولكن في معسكرات الاعتقال تعلمت أن أؤمن بالرجال. • كل البشر هم أنبياء والا الله غير موجود. اذن ملخص نظرية سارتر حول الوجود: أن الوجود ليس فقط غير ضروري، لكنه أيضا سخف وكلام باطل. لذلك، وجود الإنسان سخف في هذا العالم السخيف، ووجوده عبث محظ لا طائل منه. وعليه لا فائدة من الماضي وإنما على الفرد دائما أن يطمح نحو تحقيق ذاته في المستقبل: فالنظرية سارتر تؤمن بإمكانية التغيير وتحقيق الذات في المستقبل، وترفض أن يعيش الانسان نادماً على أفعال ارتكبت في الماضي. وهذا المبحث ينقلنا الى التحري في اقبية الانطولوجيا، والغوص في اعماقها لنرتشف مائها الزلال. ما هي الانطولوجية؟ جاء في الموسوعة العربية: الأنطولوجية Ontology أو علم الوجود، أحد مباحث الفلسفة، وهو العلم الذي يدرس الوجود بذاته، الوجود بما هو موجود، مستقلاً عن أشكاله الخاصة، ويُعنى بالأمور العامة التي لا تختص بقسم من أقسام الوجود، الواجب والجوهر والعرض، بل تعمم على جميع الموجودات من حيث هي كذلك، وبهذا المعنى فإن علم الوجود معادل للميتافيزيقا أو ما بعد الطبيعة metaphysique. فهو نسق من التعريفات الكلية التأملية في نظرية الوجود عامة. وكان أرسطو في القرن الرابع ق.م، أول من أدخل مفهوماً عن مثل هذه النظرية التي عنى بها العلم حول أعم قوانين الوجود «علم الوجود بما هو موجود». (الموسوعة العربية مجلد 22 باب الوجود). ثم حصل هناك انشقاق لدى الفلاسفة، او فلنقل مشكلة، تعتبر من "أشهر المشكلات التي توارثها الفلاسفة شرقاً وغرباً، ونعني مشكلة العلاقة بين الوجود والماهية، فبتأثيرٍ من أرسطو جعل ابن سينا للماهية منزلة أعلى من منزلة الوجود في نظامه الفكري. ويدرك المرء وفق تصور ابن سينا، ماهية المثلث دونما حاجة إلى تحققه في الخارج. فإذا حصل أمام المرء شكل هندسي أو صورة حسية تجسده، فهذا يعني أن هذا الوجود المضاف إليه زائد على الماهية. وينفي ابن سينا على مستوى وجود الله أو «الواجب الوجود» أن تسبق الماهية الوجود، ذلك أن هذه القسمة لا تصح إلا على الموجودات المحسوسة، أما على صعيد الذات الإلهية فالوجود عين الماهية". (المصدر السابق).
الوجود عند ابن سينا يعتبر ابن سينا فيلسوف الوجود وبصورة خاصة في القرون الوسطى، إذ اراد كأرسطو من قبل ان يدرس الوجود بما هو موجود بعلم خاص هو الميتافيزيقا والعلم الالهي الذي يعرفه بأنه (العلم الذي يبحث في الوجود المطلق وينتهي في التفصيل الى العلوم الجزئية). معتمدا كذلك على ما قاله الفارابي من قبله في (الوجود المطلق) او (واجب الوجود). وعلى ضوء ذلك جاءت الآراء الكثيرة حول مفهوم الوجود وطبيعته والتي تشكل تأثيرا كبيراً في افكار العصور الوسطى، اذ كان المدرسيون والفلاسفة المسلمون يميزون بين وجود الله ووجود سائر الكائنات، ويرون ان لفظ (الوجود) مشكل اي لا يدل على صفة بدرجة واحدة، فالوجود في الجوهر اقوى منه في العرض، والوجود في الله اقوى منه في الإنسان، وربما لا نهاية له من الدرجات، ذلك ان وجود الله وجود بذاته، وهو عين ما قاله صدر التألهين، والذي يعرف بملا صدرا، وسار على منواله محمد حسين الطباطبائي صاحب "بداية الحكمة" و "نهاية الحكمة". يقول ابن سينا في كتابه الإشارات: "تأمل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الأول ووحدانيته، وبراءته من السمات، إلى تأمل لغير نفس الوجود، ولم يحتج إلى اعتبار من خلقه وفعله، وإن كان ذلك دليلاً عليه، لكن هذا الباب أوثق وأشرف، أي إذا اعتبرنا حال الوجود، فشهد به الوجود من حيث هو وجود، وهو يشهد بعد ذلك على سائر ما بعده في الوجود، وإلى مثل هذا، أشير في الكتاب الإلهي: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" ثم يقول: "أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد" (الإشارات، طبع الحلبي القسم الثالث ما بعد الطبيعة، ص 79 ـ 80). ويوجز ابن سينا إثبات واجب الوجود عن طريقتين: -النظر في هذه العالم والارتقاء منه إلى ما فوقه أو ما قبلة. - النظر في فكرة الذات الإلهية نفسها والاستشهاد بها على وجود العلم. خلاصة: هذه بعض من الاجوبة لأسئلة الخيام التي طرحها، وفي نفسه عطش لظمأ الجواب، وقد رأينا اجوبة الفلاسفة لها، ونقول ان الخيام لم يكن وجوديا بالمعنى اشار اليه سارتر، لكنه وجودي بالمعنى الذي يريده الفارابي وابن سينا ومن سار على نهجهم. وتساؤلاته كانت عقلية منطقية تدل على دراية وعمق بمعاني البعد الفلسفي للحياة.
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الله في فكر عمر الخيام8 /25
-
الله في فكر عمر الخيام7 /25
-
الله في فكر عمر الخيام6/ 25
-
الله في فكر عمر الخيام5/ 25
-
الله في فكر عمر الخيام 4/ 25
-
الله في فكر عمر الخيام 3/25
-
الله في فكر عمر الخيام2/ 25
-
السيكولوجي قاسم حسين صالح.. شاعر شعبي!(1)
-
هل فعلاً الانسان مجهول؟
-
الغجر في العراق نبذة مختصرة
-
الله في فكر الخيام 1/ 25
-
المرأة في فكر الطباطبائي/ الخلاصة
-
المرأة في فكر الطباطبائي(5)
-
المرأة في فكر الطباطبائي (4)
-
المرأة في فكر الطباطبائي/2
-
المرأة في فكر الطباطبائي/3
-
المرأة في فكر الطباطبائي/1
-
ام اولادي تهددني بالقتل!
-
صفنة مطي!
-
طهريني بخطاياكِ
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|