|
كاهن المملكة
عبد المجيد السخيري
الحوار المتمدن-العدد: 5494 - 2017 / 4 / 17 - 22:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس هناك بالنسبة لنا ما يستحق أن يبذل له جهد من التحليل أو التخمين بشأن تشكيل الحكومات في ظل نظام حكم مطلق تدار فيه شؤون الحكم بمنطق معلوم قوامه المزاج والأعراف السلطانية، رغم وجود دستور مكتوب، وأسلوب تقليدي في إدارة علاقات السلطة يقوم بالأساس على البطش والترهيب (العصا) في مواجهة الأعداء الذين يقفون على أرضية واضحة في الصراع وفي موقع نقيض لمصالح الطبقات التي يمثلها النظام القائم، خصوصا الفئة المسيطرة منها، وعلى الاستمالة والترغيب والاستقطاب(الجزرة) بالنسبة لأولئك الذين يتحركون من أجل مصالح صغيرة وضيقة أو شخصية من المذبذبين والانتهازيين والوصوليين وهم على أشكال متنوعة ومتبدلة بحسب الظروف وموازين القوى إلى درجة يصعب على أي كان أن يضع قائمة واضحة ومغلقة لهؤلاء. فالحكومات في المغرب كانت دائما مجرد واجهة للقصر للظهور بمظهر نظام حكم عصري وديمقراطي، فضلا أنها وسيلة متقدمة لإرشاء النخب وشراء الذمم وتكريس تبعية الأحزاب بوصفها أدوات للخدمة والتقرب من السلطان في نهاية المطاف، حتى لو تعلق الأمر بأحزاب نشأت في ظروف طبيعية كما هو شأن أحزاب "الحركة الوطنية" التي انتهت إلى لعب نفس الأدوار التي كانت تعيبها على من كانت تنعتها بأحزاب الإدارة، أي تلك الأحزاب المصطنعة والمفبركة من قبل الأجهزة الأمنية المتسلطة ومن هندسة الاستخبارات. ما يهمنا في هذا المقام هو لفت الانتباه إلى استمرار "كاهن المملكة" في مهامه على رأس ما يسمى بوزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، المعروف بأنه منتسب للزاوية البودتشيشية ومن "فقرائها"، وهي إحدى أكبر الزوايا الحليفة للقصر وأكثرها استفادة من هباته وعنايته وإعلامه. وكان المذكور قد تم استقدامه من قبل القصر في إطار "رؤية جديدة" لتدبير ما يعرف بالشأن الديني تزامنا مع زحف الحركات الدينية السياسية وبروز الظاهرة الجهادية بالداخل التي أطلق عليها الاعلام اسم "السلفية الجهادية"، بعدما كانت أنوية هذا الاتجاه المتطرف والعنيف قد حظيت بدعم النظام وأجهزته الأمنية لسحق اليسار الراديكالي، خاصة داخل الجامعات، في عهد الحسن الثاني، إضافة إلى الدعم السخي المالي والإعلامي لبعض دول الخليج وفي مقدمتها العربية السعودية الحليف الاستراتيجي للملكية في المغرب. فقد انتهت اللعبة مع التنظيمات السلفية والحركية بتراجع اليسار وتحقق الهدف الرئيس من رعايتها ودعمها وتجنيد أفرادها للتحرش بمناضلي ومناضلات اليسار، وحان الدور من جديد على الجماعات الصوفية وبعث الطرقية والزوايا لتقوم بمهمة محاصرة المد الجهادي المنفلت من عقاله، بعدما صارت له امتدادات دولية وتشابكات إقليمية عصية عن التحكم الأحادي، دون أن ينفي ذلك استمرار الصلات الخفية للأجهزة الأمنية والاستخباراتية بعدد من تنظيمات الجماعات الإسلاموية، اختراقا أو تحالفا. الأمر يتعلق هنا بلعبة تناوب على أداء دور تحجيم العدو أو المنافس على الشرعية الدينية بحسب الظروف السياسية المستجدة وحركة الصراعات الطبقية وتشكيلة القوى الفاعلة فيها. فحين كان اليسار في المواجهة وشعر النظام بأنه يتجذر أو قد يوسع نشاطاته في مواقع حساسة من الصراع على السلطة، أطلق العنان للجماعات الدينية المدججة بخطاب تكفيري وقتالي للقيام بدورها في استئصال جذوة اليسار والهجوم المدعوم على مواقعه في الجامعات بالخصوص، بينما كانت الجمعيات الدعوية في الخلف تتلقى الأموال بسخاء غير مسبوق في الداخل ومن الخارج لتجنيد المزيد من الأعضاء والحركيين والدفع بهم إلى ساحات المواجهة مع اليسار الطلابي في أوج تألقه وتمدده، وتهيئ الأجواء للانقضاض على المواقع التي يخليها تحت الضربات القاصمة أو الضعف. ومع أفول نجم هذا الأخير وتراجع قوته فعليا ورمزيا لم يجد النظام بُدّا من التخلي عن توظيفه للاتجاهات الحركية في الاسلام السياسي بعدما رأى أنها تقوت ما يكفي وبالتالي ستصبح خطرا عليه مع مرور الوقت، فسارع إلى الانقلاب عليها بينما وجدت هي الأخرى أن وظيفتها انتهت وحان وقت كسب الثمار. طبعا لا تجري الأمور بهذه البساطة، ذلك أن علاقة الأنظمة بهذه الحركات تشوبها محاذير وتتعدد استراتيجيات إدارة هذه العلاقة في الواقع، فهي علاقة معقدة تتداخل فيها عوامل وظروف تخضع لإعادة التقييم المستمر وترتيب المصالح والأولويات وغيرها. ومن هنا فإن توظيف النظام للتصوف الطرقي والزوايا وتنشيط الموروث الديني في صورته البدعية والطقوسية( مواسم وملتقيات دولية ..) سيتخذ في الظاهر شكل تعزيز الشرعية الدينية لما يعرف بإمارة المؤمنين في مواجهة الأخطار التي تتهددها من منافسين فعليين أو مفترضين لن تقبل بهم الملكية في الحقل الديني مثلما لا تقبل بمنافسين حقيقيين في الحقل الحزبي، ومن ذلك الحركات السابقة التي رعتها وسهرت على نموها قبل أن تنقلب عليها مع تغيير قواعد اللعبة في ظل شروط دولية جديدة، علاوة على ما يسوق في الخطاب الإعلامي عن المد الشيعي الذي لا يقل خطرا في نظر السلطة الملكية عن أخطار الجهادية السنية. ومن الملفت أن علاقة الملكية في المغرب بالزوايا عريقة ووطيدة، وتاريخ هذه العلاقة حافل بالوقائع المثيرة والأسرار، كما هو حافل بالتجاذبات والتوترات في بعض الفترات التاريخية، خاصة الاستعمارية منها. ولعل التهميش الذي طالها في عهد الملك السابق دليل على تحول العلاقة بين الطرفين لحاجة موضوعية وجد القصر أنه يقضيها بشكل أفضل بتجنيد واستمالة التيارات الدينية المسيّسة بعدما لم يعد ممكنا تحقيقها من خلال نشاط الزوايا والطرقية وبركة الأولياء والأضرحة، بينما اقتضت الضرورة العودة من جديد لبعث الموروث الصوفي وتنشيط مواسمه ومؤسساته المهيكلة والاحتفاء برموزه لكبح جماح الحركات الدينية السياسية مع بروز الخطر الجهادي وتحسبا لانفلاته من الرقابة والتحكم. والرهان كان واضحا: إخراج اسلام شكلي غير مٌسيّس لمواجهة اسلام حركي مقاتل. وفي هذا الاطار بالذات عملت الأجهزة الإيديولوجية بمعية الأجهزة الأمنية على ترويض عدد لا يستهان به من أفراد الجماعات المتعاونة سابقا وإدماجهم بشكل رسمي في اللعبة، بموازاة الترويج لخطاب تحديث الاسلام من خلال أقلام مأجورة دخل أغلبها جبة الوزير البودتشيشي، كبير كهنة المغرب الجدد! ومن هنا يكون الإبقاء على هذا الأخير في مكانه إشارة قوية إلى استمرار هذه السياسة إلى حين أن تظهر بوادر تحول في العلاقة مع الزوايا ليعيد التاريخ نفسه في الشكل الذي سيرتضيه إن فعل، مهزلة أو مأساة كما قال ماركس.
#عبد_المجيد_السخيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لجنة الحراك الشعبي بآيت يطفت/بلاغ إلى الرأي العام الشعبي
-
يسار الملك
-
والآن ماذا سنفعل بدون كرة القدم؟
-
دورات تكوينية في التواصل السايسي والترافع وميزانية النوع
-
راهنية ماركس*
-
ماركس اليوم*
-
عدد خاص لمجلة نوافذ حول: راهنية كارل ماركس
-
بلاغ وبيان للجمعية المغربية لحقوق الانسان -فرع العرائش/شمال
...
-
بلاغ وبيان للجمعية المغربية لحقوق الانسان -فرع العرائش/شمال
...
-
-الحق في الحياة-:تقرير حول أشغال مائدة مستديرة
-
صحوة الصين بين الماركسية وعالم الرأسمال
-
موقع دائرة بني بوفراح في مشروع الحسيمة منارة المتوسط- تقرير
...
-
الحب في زمن التسليع*
-
بوجميع: إيقونة غيوانية من زمن الرصاص
-
تمثيلية النساء بالهيئات والمؤسسات المنتخبة المحلية والوطنية:
...
-
نموذج للقانون الأساسي والنظام الداخلي للنادي الحقوقي(الجزء ا
...
-
تأسيس وهيكلة نوادي حقوق الانسان والتربية على المواطنة: الجزء
...
-
تأسيس وتنشيط النوادي التربوية لحقوق الانسان والتربية على الم
...
-
السلوك الانتخابي والحملة الانتخابية في ضوء المرجعية الدستوري
...
-
دورة تكوينية تقييمية في أفق الانتخابات الجماعية والجهوية(تقر
...
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|