أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سامي عبد العال - الإنسان كقِطَع غيارٍ















المزيد.....

الإنسان كقِطَع غيارٍ


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5494 - 2017 / 4 / 17 - 17:43
المحور: حقوق الانسان
    


في آونةٍ سابقةٍ ظهرت مصطلحات تُوصِّف حال الإنسان العربي مثل: " الانسان المقهور" 1981 و" الانسان المهدور" 2006 كما يطرح المفكر اللبناني مصطفى حجازي. وارتبط رصيدُها الدلالي بالجوانب النفسية والاجتماعية. إذ يحدث بالغ الأثر جراء قهر الواقع ودماره. فالتخلف ليس سمة برانية لكنه يعيد احكام قبضته على مقدرات المجتمع من الداخل. ويستعمل الإنسان كخرقةٍ باليةٍ فقدت جوهرها الثري. مما يُغرقه في أساليب دفاعية من الانكفاء على الذات والتماهي بالمتسلط والسيطرة الخرافية على المصير باللجوء إلى العنف.

لكن مؤخراً – مع الارهاب- ظهر ما أسميه "الإنسان المُقطَّع" إلى اجزاءٍ. ولئن كان الأول ظاهرة جانبية تابعة فالثاني الممزق يعدُّ وضعاً حدياً يقتل الكيان الجسدي نفسه. لأنَّه يتلاعب بطاقات الحياة والموت وهما أصل غرائز الكائن الحي. وعليه تقهقرت فكرة الإنسانية داخل المجتمع العربي إلى حدِ العدم طالما يتحول الناس إلى اكسسوارات عضوية organic accessories. وقد مارس تُجارُها دور سماسرة الأجساد على نطاق واسع.

وربما الأبعاد النفسية مقارنة بهذا الوضع تعتبر ترفاً. لأنَّها تفترض كائناً حساساً بينما يعمل الواقع الجديد على استئصال الحياة ذاتها. لقد انتهكت الاحداث تلك المساحة الوجودية الحرة لدى الفرد. فأن يعيش فذلك يمثل حقاً طبيعياً لا يُعتدى عليه كما نرى.

إذن الوجه الراهن لقضاياه: أنْه غدا قِطعاً بشرياً من اللحم الحي. تُبتاع وتُشترى فوراً عبر مناطق الصراع بالخريطة العربية إلى انحاء العالم. وإذا احطنا بالمسألة، فالإنسان- بهذا الشكل- ليس إلاّ يدين، ساقين، كبد، عنين، قرنيتين، قلب. أما باقي الجسد فيعتبر زيادةً. يُفصص ويُجزأ ويركّب في هيكل بشرى آخر لمن يريد. إنَّه مجرد كيس جلدي يفرَّغ من محتوياته بعوامل الصراع الدموي.

ورغم كون المسألة تائهة في دهاليز مافيا تجارة الاعضاء غير أنها تمتد إلى ما أوصل إنسان العرب والمسلمين إلى تلك الحالة. كل تقطيع للأعضاء يتم في ضوء خريطة تاريخية حياتية ما. ترسم بحدودها كيف تدهورت مكانة الإنسان؟! ولماذا انحط إلى مجرد تقنيات بشرية مفككة؟ وبإمكانها– وهنا المفارقة- كشف المشرط الديني أو السياسي الذي يجز الأجساد. بحيث يمكن القول مبدئياً إنَّ تصفيته واتخاذه قطّعاً هما الأسلوب الأخير لقمعه وانتهاك حياته. وأنّه لم يُعبأ كبدائل قابلة للتسويق إلاَّ بعدما كان دميةً في واقع بائس.

فمع المعارك الجهادية كان الضحايا يفرَّغون من أعضائهم تحت التنكيل. وذات الأمر حدث ضمن الصراعات الثورية الأخرى أثناء الربيع العربي. ومنذ اليوم الأول اصطاد تجار البشر اطفالاً وشباباً سوريين ومصريين وليبيين. وازدهرت تلك التجارة لا لشيء إلاَّ لأن إنساناً كاملَ الوجود والحرية لم يكن مهماً أصلاً في حياة العرب. ولم يأت الأمر مصادفة ففي دول كمصر شاع بين الفقراء والمحتاجين بيع الاعضاء لتغطية نفقات الحياة. وغدا الجسد هو الرصيد الحي لإنسان مطحون ليلاً ونهاراً دون الكفاف.

وللأسف استغل اثرياء الخليج الفقراء المصريين لتجديد اعضائهم وزوجاتهم أيضاً. فقدت بلاد الفراعنة مكانة انسانها في مخازن الخليج. وبات خطف الأطفال والصبية أمراً مكرراً ليكشف الناس بقاياهم في أحدى الشقق أو الخرابات المهجورة. هل اصبح الواقع العربي مأزوماً ولا يجد حلاً إلاَّ بطحن الاجساد؟!

هذا برغم أننا نمتلك ترسانة من النصوص والآيات والأحاديث والقصص المقدسة للتدليل على أن الله قد جعل الإنسان خليفة في الأرض. ووضعه سيدا للكون. وسخر له كافة الكائنات. وأباح له لحم البر والبحر. واعظم قدره ككائن فوق مرتبة الملائكة والجن والشياطين. ثم إنّ قتل نفس واحدة كمن قتل الناس جميعاً. وأنه لزوال الدنيا ومن عليها أهون عند الله من قتل نفس مؤمنة دون ذنب. وأن حرمة دمائه تساوي حربة البيت الحرام!!

جميع ذلك يتردد طوال الوقت إلاَّ أن الحياة العربية والاسلامية سارت عكسه تماماً. دمرت الاحداث تلك النصوص وأشارت دوماً إلى كونها بلا أهمية. لا قيمة للإنسان، لا مكانة للإنسان، لا حياة للإنسان، لا مستقبل للإنسان. والغرابة تأتي من تأخر هذا الوضع التشريحي(قطع الغيار). بينما كان متوقعاً تماماً ليس أثناء الاحداث هذه المرة لكن نتيجة جوانب تاريخية طويلة في المجتمعات العربية. حيث ظهر مع (قمع) عقل الانسان حين يريد ايماناً حراً بما يريد. ثم كان أنْ طُمس خيالة بتكميم الأفواه والافكار والابداع من خلال ملاحقة الكتاب واحراق مؤلفاتهم. وكان أيضاً بواسطة حيونة animalization الإنسان في زرائب أسمها الأنظمة السياسية. فيتم معاملته على أنه شهوات حيوانية تُعاقب بالحرمان المقصود وتُروض في المجال العام بإمكانية الاشباع من عدمه. ويجرى التلاعب بها لفقدانه القدرة على الفعل السياسي.

من ثم إذا كان الإنسان العربي قد غادر حريته، فهل كان للأوضاع الحياتية أن تقهره لترك جسده أيضاً؟ تبدو الاجابة بنعم المؤكدة يومياً. بالأدق غدا الإنسان مادةً تمضغه وتتفله الاحداث السياسية الحالية. لم يعد التمزق فكرياً بل زحف إلى كيانه كما أشرنا. وليس أقرب إلى ذلك من اختيار الارهاب الديني لتلك العملية تحديداً. ليسلخ، وينزع لحمه عن عظامه وتتلاعب الأقدام بجمجمته وتطهى أضلاعه وتعلق أشلاؤه. كل ذلك تمارسه الجماعات المتشددة والحكومات على السواء بدرجات متفاوتة وبأساليب مختلفة.

اختصاراً: أليس هذا هو مبحث الانسان الذي اختفى من التراث العربي كما يتصور محمد أركون؟ ألم تكن النهاية الدرامية حول جسده نتيجة طبيعية لانعدامه ابتداء؟ كيف حدث هذا التحول واصبح عنواناً للمأساة. وهل هناك شكل مستقبلي لهذا التلاشي والسلخ البشري؟

في الثقافة العربية تطورت مشكلة الإنسان باختلاف الظروف سياسياً واجتماعياً. لقد كانت مشكلته تتعلق بالوجود. وهل هو كائن مخلق كرَّمه الإله أم لا؟ ثم تساءل هذا الكائن حول نفسه في آفاق الدين. ذلك مع الفرق الإسلامية كالمعتزلة، الاشاعرة، الجهمية، الجبرية والشيعة. فظهرت قضايا حرية الارادة، العدل والإمامة، الثواب والعقاب، الإيمان والكفر، الحسن والقبح. ومن يقرأ كواليس المقولات سيعرف أنها لم تكن لتهدف استقلالاً نحو حياة إنسانية حرة. إنما جاءت على هامش السلطة والقهر باسم الدين والسلطان. بدليل أن الإنسان لم يستقل بحياته البته بعيداً عن قبضة كهان الدين ودجالي السياسة.

"الإنسان المُقطَّع" يعبر عن المصير أبلغ تعبير. ويرسل رسالة إلى سواه بأنه سيلقى النهاية نفسها. وأنه يجب اعادته إلى مكانته في ابداع وجوده وانشاء مجتمع مفتوح بلا وصاية. وتبدو الصورة نافذة على أكثر من مستوى.

أولا: هذا التحلُّل الكامل لجميع المعايير الإنسانية إزاء الآخرين. فالموت يتحدث بالمقام الأول. حرص الدواعش على تعميد أفكارهم بالدماء. ولا يتم التفرقة بين دين أو عقيدة أو ايديولوجيا.

ثانياً: التنكيل بالجسد هو الإحساس الأقوى في ايقاع الرعب. ومع أنه كان آلية الأنظمة الاستبدادية لكنه أصبح مشهداً مشتركاً في جميع الأحداث الربيعية.

ثالثاً: الانسان المقطع نمط من العيش المحقر إذا كان اختياراً لا مناص منه للتغلب على ظروف الحياة. وهذا أسوأ صور تدمير الإنسان وشعوره بالمهانة والذُل.

رابعاً: يتطابق الوضع السابق مع "الإنسان المغدور". هذا الذي غُدر به وجودياً وحياتياً. وتوقف به الحال كأجزاء آدمية متفرقة.

خامساً: إذا كان "الإنسان الغربي" قد وصل إلى كونه افتراضياً من خلال التقنيات المتطورة، فنظيره العربي غرق في دمائه.

سادساً: تجارة الاعضاء البشرية أصبحت "مؤسسات" لأسواق تنتشر داخل السياسة والدين والطب والاقتصاد.

سابعاً: لاهوت تقطيع الجسد كان له الأثر الأكبر في ممارسته بلا حدود. لأن القائم بتلك العملية يعتبرها جزءاً من الدين. وأنه لا تصح معتقداته دونما اهراق دماء الكفار وإبادة أجسادهم. كما أنه قد يستحل أي جسد طالما استطاع اصطياده في ميادين الجهاد.

ثامناً: ماذا ستكون "ماهية الإنسان" مستقبلاً وسط بيعه كقطع غيار. هل ينتقل من مجرد عبد إلى "مدخرات عضوية" لإصلاح أجساد مترفة. وبذلك تصبح فكرة الطبقات عضوية هي الأخرى تتأسس على اللحم الحي.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة المحميات الثقافية
- الاختلاف الديني
- تفجير كنائس المسلمين!!
- دولةٌ عابرةٌ للقارات
- نبيٌّ يبحثُ عن أتباعٍ
- خرابُ الإنسان
- ربيع الدماء: عن حفاري القبور!!
- لعنة الثورات: خطيئةٌ بلا غفران
- غسيل الاستبداد: كيف يتطهر الحكام!!
- لا نظرية حول المرأة
- سياسات البط
- وسواس المخدّة: المرأة والشيطان
- التكفير كحادثةِ قتلٍّ
- ربيع القُرود: المثقفون فوق الأشجار
- صوت المقدس
- مشكلة الدين والحقيقة
- نظرية الشر: هل ستموت داعش؟
- أسطورة ترامب ملكاً: هجرة التاريخ
- جرائم شرف
- القُدَّاس السياسي: تنصيب الإله المنتخَب


المزيد.....




- أزمة الجوع والتجويع الإسرائيلي الممنهج تتفاقم في غزة وبرنامج ...
- بين لهيب الحرب وصقيع الشتاء.. الجزيرة نت ترصد مآسي خيام النا ...
- في يومهم العالمي.. أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة ألهموا الع ...
- سويسرا تفكر في فرض قيود على وضع -أس- الذي يتمتع به اللاجئون ...
- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سامي عبد العال - الإنسان كقِطَع غيارٍ