مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5492 - 2017 / 4 / 15 - 16:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أن يلبس ترامب فجأة قميص المسيح , أن يتقمص هيئة مخلص ما , فهذا ليس حدثا استثنائيا .. هناك الكثير من الأمريكيين ممن يعتقدون بهذا فعلا .. بطريقة لا تختلف كثيرا عن تلك التي اعتقد بها ملايين العمال و البرجوازيين الصغار الألمان و الإيطاليين بهتلر و موسوليني ذات يوم .. الغريب أن يراد من السوريين أن يعتقدوا بشيء كهذا .. هذا أشبه بأن يحاول هتلر إقناع اليهود بأنه مخلصهم أو مسيحهم المنتظر .. لكن بالنسبة للسوريين فإن مثل هذا الأمر ليس جديدا تماما .. فعله آخرون قبل ترامب بوقت طويل من أمثال الجولاني و البغدادي و الشيشاني و أمراء و ملوك و سجانين و جلادين شتى : مجموعة ليست صغيرة من ترامبات مختلفين بل و متخاصمين إيديولوجيا و دينيا , تؤمن جميعها بنفس المقاربة الترامبية للوضع السوري : كراهية القاتل و المقتول في نفس الوقت .. أن يجد السوريون أنفسهم اليوم بين كيماوي الأسد و طائرات بوتين و الميليشيات الإيرانية و بين الأيقونات التلفزيونية لمسيحهم أو مخلصهم المزعوم : ترامب , النازي الأبيض الجديد , أو أعداؤه الإسلاميون بذقونهم الطويلة و لغتهم الدينية المبتذلة , هذه هي قمة السوريالية و الكوميديا السوداء اليوم .. أما المحاولات المختلفة لجعل كل ذلك أقل سوريالية أو كوميدية بالحديث عن الثورة السورية أو أطفال سورية أو حرية الشعب السوري الخ , فإنها تزيد الوضع سوريالية و كوميدية و تتحول فورا إلى محاولة رخيصة للتهريج , و تبلغ المأساة - المهزلة ذروتها عندما يصر هؤلاء على إضافة أوصاف تفخيمية مثل عظيم أو كبير لكل ما هو سوري , خاصة جماهير الموتى أو اليائسين .. كانت الثورة السورية قد انتقلت منذ وقت ليس بالقصير من الشوارع إلى شاشات الفضائيات و صفحات الجرائد المتنافسة , هناك فقط يتم و يمكن تداول كلمات مثل الشعب و الثورة و الحرية و ال...... كأنها أشياء موجودة بالفعل حتى اليوم .. أما في الواقع فلا توجد إلا قطعان من القتلة و الشبيحة تتنافس على حقها في قتل الضحية و استعبادها , عن طريق إقناع الضحية أنها هي مخلصها المنتظر , و عوضا عن أحلام الثوار الأوائل بما سموها حرية أصبحت أحلام السلطة وحدها هي التي تحرك "آخر الثوار" السوريين اليوم , أو في أفضل الأحوال : حنين رومانسي حزين لأيام الثورة الأولى .. أما الحقيقة فهي أن فكرة المخلص أو المسيح المنتظر هي أكثر الأفكار عقما و تفاهة بالنسبة لجمهور من ينتظرون خلاصهم على يد مسيح ما مثل ترامب أو الجولاني أو البغدادي , رغم أن هذه نكتة لا بأس بها أبدا
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟