أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حاضر عن المتّهم














المزيد.....

حاضر عن المتّهم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5492 - 2017 / 4 / 15 - 16:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


=========
لا أشاهدُ التليفزيون. تمرُّ أيامٌ وأسابيعُ دون مشاهدة هذا الجهاز سارق الأعمار مُفخِّخ العقول. ولم أشعر أبدًا أنني أخسرُ شيئًا ذا بال من عدم تشغيل ذلك الصندوق، المُغلق أبدًا في بيتي. لكنني اكتشفتُ أن عالَمًا ثريًّا ومبهجًا قد فاتني أن أتابعه منذ سنوات. اسمه عالم "أحمد أمين".
تعرّفت عليه الأسبوع الماضي عبر لوحة جرافيكاتير رسمها له صديقي الكاتب والرسّام الساخر "فيليب فكري"، مع كلمة إشادة أثارت فضولي. فأن يكتبَ فنّانٌ ساخر عن فنانٍ ساخر، مُطوِّبًا إياه، بل مانحه لقب "موهوب بدرجة عبقري"، فذلك يعطي للأمر أبعادًا لابد من التوقّف عندها. فقرّرتُ البحث عن هذا الموهوب؛ علّ شيئًا خطيرًا قد فاتني. واكتشفتُ أنني بالفعل قد فاتني شيءٌ خطيرٌ ومحترمٌ.
لن أتكلّم في هذا المقال عن الشقّ الكوميدي، لأنه لا يحتاج إلى تطويبي وقد حصد من الجماهيرية الآن ما حصدَ، عن استحقاق. كوميديان يحتلّ اليوم مكانة متفرّدة في ساحة الكوميديا، عطفًا على أنه عازفٌ موسيقيّ، عطفًا على كونه صحفيًّا وكاتب سيناريو. لكن الأخطر من كل ما سبق هو أنه مثقفٌ "متأمِل". المتأمِلُ هو الشخصُ القادر على "ملاحظة" ما حوله من ظواهرَ مجتمعية وطفراتٍ سلوكية وأنماط بشرية، ثم القدرة على "تأمل" كل ما سبق. ثم فرزه وتحليله وفكّ شفراته وتذويب طلاسمه، ثم تصنيفه وأرشفته. بعد هذا تأتي مرحلة صهر ما سبق من أعراف صلبة وتقاليد راسخة في بوتقة العقل وإخضاعه للنقد. ثم بلورته وتصفيته وتنقيته وإعادة تجميعه. حتى تحين المرحلةُ العسرة: صفّ وجدولة ما سبق وإعادة تعريفه في "كلمات بسيطة”. ثم المرحلة الأخيرة الأصعب، وفيها يتجلّى دور الموهبة التي تميّز الفنّان عن الفيلسوف. كيف تكون تلك "الكلماتُ البسيطة" خفيفةَ الظل، بحيث تبرح خانة الحكمة الفجّة، لتدخل حقل الاسكتش الساخر.
أما سرُّ خطورة ما سبق، فهو أنه يرسم لنا سلوكاتنا التي نكررها كل يوم بعفوية ونمطية دون أن نفكّر فيها، بريشة النقد والنقض الساخرة. فيُجبرنا على أن نقف أمام مرآةٍ، تشبه مرآة ميدوزا، التي نرى فيها عيوبنا، ولكن ليس بأسلوب النصيحة الصادمة، بل بأسلوب المزاح المرح. فنضحك على أنفسنا ونحن نتأمل ما نفعل ونكرر كل يوم. ثم نحاول أن نُهذِّب من أنفسنا ونرتقي، ونُعدّل من طقوس نفعلها منذ طفولتنا كأنها مُسلّماتٍ وفروض مجتمعية لا مجال أبدًا إلى مجرد التفكير فيها، فضلا عن التفكير في إصلاحها.
أما العمل الذي أجبرني على كتابة هذا المقال، فهو ثمان دقائق قدّم خلالها "أحمد أمين" فيلمًا قصيرًا مونو-هيرو، أي فيلم الممثل الواحد. صدر هذا الفيلم وقت حكم الإخوان وتسيّد رموز التيار السلفي بازدواجيتهم وغلاظتهم ما جعل الناس تنفر من كل من يرتدون عباءة الدين. فجاء ذلك الفيلم ليُذكّر الناس بأن الإسلام بريء من أمراض تُجّاره، وليس عدلا أن نضع كل رجال الدين في سلّة واحدة، الصالح منهم والطالح. في تلك الأيام، تكوّنت في أذهان الناس صورة شوهاء عن الدين بسبب ما شهدنا من خطايا الإخوان ورموز التيار السلفي الذين تفنّنوا في رسم صورة مقيتة لرجل الدين المُنفّر، الذي يأمر الناس بالبرّ وينسى نفسه، لا سيّما بعد ضبط برلماني سلفي في وضع مشين مع منتقبة على الطريق الزراعي وغيرها مما فعل الإخوان من أكاذيب وخيانات ساهمت في تشويه صورة رجل الدين في الوعي العام. قدّم أحمد أمين شخصية أزهري مثقف بشوش الوجه يحكي للناس عن سماحة الإسلام واحتوائه كل البشر. وكيف كان الرسول الكريم يمازح زوجاتِه وأصدقاءه ويتسابق مع السيدة عائشة؛ فتسبقه مرّة ويسبقها مرّة. وأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن فظًّا ولا غليظ القلب، عكس الكثير من رجال الدين اليوم، للأسف. لاحظ الشيخُ الداعية انصراف الناس عن المساجد وقولهم إنهم لم يعودوا يثقون بذوي اللحى. فكتب لافتة تقول "الإسلام بريء من المُنفّرين" دار بها في الطرقات ليقرأها المارّة والسابلة. يبدأ الفيلم بآذان الفجر يصدح من مآذن القاهرة، والشوارع شبه خالية. يشاهد الشيخ في طريقه للمسجد سيارةً معطلّة، يتدلّى من مرآة صالونها صليبٌ خشبي. يقوم الشيخُ الطيب بدفعها، ثم يُلوّح لسائقها المسيحيّ الذي شكره ومضى. وينتهي الفيلم والشيخُ جالس وحيدًا في المسجد، حتى يدخل عليه طفلٌ صغير يجلس أمامه للتعلّم. وفي هذا إشارة إلى الغد المشرق الذي سيعود فيه الناسُ لسماحة الدين ونبذ العنف والطائفية التي لا تنمّ إلا عن نقص هائل في الإيمان. أما العبقرية فكانت في عنوان الفيلم: “حاضر عن المتهم". كأنما هذا الشيخ السمح، بما يقدمه للناس من محبة وبشاشة وإبراز رحمة الدين ورحابته، هو الحاضر مع المتهم البريء: "الإسلام"، ليقدّم دليلَ براءته، مما ألصقه به الارتزاقيون. تحية احترام لهذا الفنان المثقف.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مسيحي …. إلى وكلاء السماء
- مصر لم تجدل عيدان السعف!
- دموعي في كف الأبنودي
- سمير فريد … عصفور النقد النبيل
- الطفل الأحمق والطفلة الغبية
- محمد عناني … ذلك العظيم
- حاكموا: فقر خيال نجيب محفوظ!
- الأرنبُ الصغير … يا وزير التعليم!
- أمهاتٌ على أوراق الأدباء
- مَن يكره عيدَ الأم؟
- مصحفٌ من يد دميانة
- محمد عبد الوهاب طاووس الشرق
- تحية احترام للبابا تواضروس
- عزيزي ربنا …. ممكن أعرف عنوانك؟
- أطرقُ باب بيتٍ لا يعرفُ الحَزَن
- المعاصي سرُّ الغلاء .... يقول الإمام
- إنهم يصنعون المستقبل في الإمارات
- المرأةُ العفريت … المرأةُ الصقر
- المعاصي سرُّ الغلاء
- لستُ متسامحة دينيًّا


المزيد.....




- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حاضر عن المتّهم