|
في ذكرى الاحتلال والسقوط
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 5489 - 2017 / 4 / 12 - 09:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ذكرى الاحتلال والسقوط اسماعيل شاكر الرفاعي 1من3 هذا يوم مفصلي في تاريخ العراق وتاريخ المنطقة ، يوم ابتدا به تاريخ جديد للعراق ولعموم منطقة الشرق الأوسط ، على أنقاض مرحلة ، كان نظام صدام حسين رمزاً كبيراً لها في شعاراته ومفاهيمه وفِي طريقة اشتغال اليات نظامه السياسي . ابتدأت هذه المرحلة بنجاح الانقلاب العسكري الذي قاده جمال عبد الناصر عام 1952 في مصر ، فسقوط نظام صدام اسدل الستار على هذه المرحلة التي حاول البعث بقيامه بانقلاب عسكري عام 1968 تجديدها ونفخ الروح فيها ، بعد ان خبا وهجها اثر الهزيمة الشاملة التي مني بها نظام ناصر امام اسراءيل عام 1967 . تميزت هذه المرحلة التي يمكن تسميتها : بمرحلة أنظمة مجالس قيادة الثورات العربية عن المرحلة السابقة لها : مرحلة ما بعد الحرب العالمية الاولى ، بإنتاج شعار حماسي تهييجي تعبوي ، قاعدته الاجتماعية من الفلاحين ومن سكنة البلدات والقصبات والمدن الذين تسود البطالة والامية معظمهم ، وتزاول الأقلية منهم أنشطة تجارية بسيطة ، فهم جميعاً ينتمون الى حقبة في التاريخ سابقة على الحقبة الجديدة فيه : حقبة الثورة الصناعية التي أصبحت قيادتها بيد طبقات مدينية ؛ جديد حضورها في التاريخ ، وجديدة هي الروءية والروءيا التي تقود وتوجه بها مسار حركة احداث التاريخ التي بدأت بكتابتها . واجه زعماء هذه المرحلة العربية مسار الأحداث الجديد بالشعارات ، وأفرغوا ( عبقريتهم ) بصياغات بلاغية في محاولاتهم للتأثير على مسار الأحداث العالمية ، نظر اليها قادة قطار الأحداث : الموءسسين لوضع دولي جديد على ان تأثيرها عليهم لا يتجاوز تأثير : الصرخة أو الاحتجاج أو الهجاء لمسار قطار عالمي خلفهم يراوحون وراءه ، ويستعيدون بينهم حكاية تجديد موروث الاسلاف ، ويختصمون على طريقة تلك الاستعادة . وسبب خصامهم المستمر يعود الى ان ما كانوا يطمحون الى بعثه لم يكن سوى بنية لا سند لها في الحاصر اضافة الى كونها متناقضة في ذاتها : فهي من جانب دعت الى وحدة الجماعة الدينية الجديدة بالتقوى والحسنى ، ومن جانب اخر لم تتحقق هذه الوحدة في اي عصر من عصور التاريخ الاسلامي الا بالسيف ، وهذا ما تسبب بوجود فجوة باعدت بين شعارات الزعماء العرب في استعادة الأصول وبين روح العصر الذي خرجوا فيه ، اذ ان الدولة التي جاءت بها القوة العالمية الجديدة وتريد تعميم نموذجها عالمياً ، هي دولة لا زعامة فيها للفرد بل للبرنامج ، وهو برنامج متغير يعاد النظر فيه بين فترة واُخرى ، ويختلف في مقاصده بين تيار سياسي وآخر ، في حين ان شعار استعادة الأصول هو في حد ذاته اعادة صياغة لمفهوم الزعيم - أمير الموءمنين أو الخليفة المقدس الذي لا تجوز مساءلته والذي يحكم مدى الحياة . يعزز هذا التناقض بين الأصول التي يراد استعادتها وبناء دولة الوحدة في ضوء منها وبين نموذج دولة القوة الجديدة في التاريخ ، ان تلك الأصول لا تقر بتوزع ولاء الجماعة ( الأمة بالمعنى الديني للولاء وليس بالمعنى السياسي الحديث لمعنى الأمة ) على اكثر من زعيم ، وقد ضرب الصحابة بمداد من دم سيوفهم في معارك الفتنة الكبرى مثالاً على ذلك ( بمعنى ان الصحابة وليس سواهم هم من اصل الأصول ثم جاء التنظير لاقرار مبدأ الغلبة بالسيف لاحقاً ) اذ فوضوا السيف في ان يكون الحكم النهائي في تقرير مصير تعددية الزعامات ، رغم صيحة ؛ الله اكبر التي كانت تنطلق من كل معسكرات الصحابة المتقاتلين على الخلافة والقيادة السياسية ، وكل منهم يعزز من قوته ومن شرعية طموحه في الخلافة بالقدرة على تأويل النص الديني القراني وما يستحضره من احاديث نبوية لصالحه . انتهت حروب الفتنة الكبرى بزعامة واحدة كانت من نصيب العاءلة الأموية ، الا ان مرحلة الزعماء العرب المعاصرة لم تنته بزعامة واحدة ، لان شعارات الزعماء ركزت على الخارج منذ البدء ، ولَم يكن الداخل ( التنمية والتحديث وبناء دولة الموءسسات الديمقراطية ) يهم الزعامات في شيء ، هذا الداخل الذي من دون العبور به بوابة التحديث العصري لن تحوز الزعامات ولا شعوبها قوة أبداً ، بعد ان نقلت الحضارة الصناعية القوة من ميدان المزيد من تملك الارض بالفتوحات وتأسيس الإمبراطوريات الى ميدان المزيد من المختبرات والبحوث العلمية ، المنتجة للمزيد من الاختراعات وابتكار الاَلات التي جعلت إمكانية فتح العالم بأسره إمكانية سهلة التحقيق امام أوربا الصاعدة . فكيف يتحقق طموح الزعماء العرب في اعادة الحياة لعالم من المفاهيم السياسية تضمها منظومة فكرية ، ان كانت قد صلحت يوماً لان تكون الغطاء الأيدلوجي لحضارة محددة هي الحضارة العربية الاسلامية ، فهي لا تصلح الْيَوْمَ بعد ان غيرت الحضارة الصناعية الجديدة أسس قيام الدول انطلاقاً من منظومة قيمية وفكرية واخلاقية وسياسية ، ومن زاوية نظر جديدة الى الكون والحياة والى دور الانسان فيها ؟ اهم معالم هذه الدولة الجديدة ؛ تحررها من هيمنة المقدس عليها ، فلا حاكمها يدعي ذلك ، ولم يعد السيف هو الحكم بل صندوق الاقتراع . ثم ان الحضارة العربية الاسلامية التي دامت لقرون ، لم تكن في بنيتها وفِي طريقة اشتغال آليات إمبراطوريتها شذوذاً عن القاعدة التاريخية لنشوء وانطفاء الحضارات في تاريخ البشرية الزراعي ، فهي لا تختلف عن الحضارات السابقة عليها من حيث طريقة إدارة الشأن العام لمحكوميها بهيكل دولتي يتربع على عرشه خليفة له مواصفات الملوك السابقين واللاحقين له : يمثل الله في الارض فهو ناءبه في تطبيق شريعته ، وينتمي مثلهم لعاءلة حباها الله بالقداسة ( ومن هنا تستقي شرعيتها في وراثة الحكم ) وكان مثلهم يرزق من يشاء ويحرم الرزق عمن يشاء ، واستفادت دولة الحضارة العربية الاسلامية من طريقة جباية الضرايب التي كانت تعمل بها الحضارات السابقة عليها ، اما ضريبة الرأس والجزية المفروضة على أهل الذمة من الديانات الاخرى والذين يجب ان يدفعوها وهم صاغرون فأظنها عربية إسلامية خالصة . وكان للحضارات السابقة على الحضارة العربية الاسلامية جيوشها أيضاً ، وكانت هذه الجيوش تعتمد في غزوها لاراضي الشعوب الاخرى مفاهيم وأغطية ايدلوجية لا تختلف في معناها عن معنى الجهاد الاسلامي في تحرير الشعوب والامم مما يخوضون فيه من غواية شيطانية ، وقد تشابهت جميعها في ان نتيجة غطاءها الأيدلوجي ذاك قد تكشفت غاياتها ، فما كان الا غطاء للاستيلاء على ارضهم الزراعية وتحويلهم الى أقنان يعملون ويكدحون لصالحها ، والويل للشعوب والأقوام اذا حاولت صد جيوشهاومقاومتها . لهذا السبب فشلت الزعامات العربية في امتلاك الاداة والمفهوم الصالح لتصفية اثار مرحلة الاستعمار اذ لم يكونوا جاهزين لمنازلتها وتصفية اثارها ، فكانت قراراتهم تتسم بالفجاجة والسطحية والارتجال ، ويغلب عليها طابع الجهل بالتحول الكبير في تاريخ العالم الذي انتقلت فيه القوة والسيادة من الذوات المقدسة التي كانت تحكم باسم الله الى شعوبهم عبر مؤسسة البرلمان ، في حين بدأ الزعماء العرب بايدولوجيا مبتورة ، أوحوا من خلالها ، لقاعدتهم الاجتماعية بأنهم ممثلون لمرحلة شبيهة بالمرحلة القومية في التاريخ الأوربي : مرحلة توحيد الامم . والحق انهم كانو قد أعادوا قراءة الفترة القومية الأوربية بعيون مصابة بداء الحنين الى ماضي اسلافهم الذين نسجوا حكايتهم في زمن كانت فيه القوى العظمى ( البيزنطية والفارسية ) لا حضور ولا تأثير مباشر لها على ما يجري من احداث في الحجاز وفِي شبه الجزيرة ، لقد كان الجهل او التغاضي او تغليب الأماني والعواطف الذاتية على الحقائق الموضوعية الدامغة هو ما خلفه الزعماء وراءهم من رصيد ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قسوة الجمهوري : ترمب و( قسوة ) عامر بدر حسون
-
عبد الباري عطوان وفضيحة ادانة السلوك الفردي
-
تآكل هيبة الخضراء كسلطة
-
تسليع (النضال)
-
الفلوجة .... الى -عامر بدر حسون
-
احتجاجات في بغداد ترجمة اسماعيل شاكر الرفاعي
-
بين الثورة والأصلاح
-
جورج طرابيشي
-
عن السيرة الذاتية للدكتور صلاح نيازي
-
ليس رثاء / الى محسن الخفاجي
-
المالكي والتحدي الطائفي
-
المالكي وحكم التاريخ / 1
-
مدن عراقية أم سناجق عثمانية
-
تحت قبة البرلمان العراقي
-
عن المعارضة
-
لغط جديد وتشرذم جديد
-
عن الخلق والدهشة في رواية - فرانكشتاين في بغداد -
-
الدعاية الانتخابية / 6 ... العبور من الديني الى الدنيوي
-
الدعاية الانتخابية / 5 ... التغيير
-
السارد والعالم
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|