أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي عبد العال - تفجير كنائس المسلمين!!















المزيد.....

تفجير كنائس المسلمين!!


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5487 - 2017 / 4 / 10 - 13:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



هل الموت يُميّز الناس حينما تُعْصَب عيناه؟! فالتفجيرات الأخيرة بمصر لم تفرق بين مسلم ومسيحي. وربما امتزاج الدماء لدليلٌّ على (رابطة الحياة) بصرف النظر عن ترصُد الارهاب. كم يفني العنف أصحابه الأفظاظ قبل مداهمته للآخرين. إذ يتوهمون ابتعادهم عن النيران بينما هم يمثلون الحطب الهش لإضرامها. لأنَّ عنواناً دينياً بعينه للقتل لا يترك أيَّ مخالفٍ مهما يكُن اعتقاده. إنَّ تفجيرات الانتحاريين مجنونة، لا تعترف بالمجتمع، ولا العقل، ولا الإنسان. وهي معبّأة بكم هائل من الكراهية السوداء تجاه المسيحيين قبل إطلاقها.

ألاَ يمكن لإرهابي (عقله داخل حذائه) أنْ يتراجع عن كراهيته للأديان الأخرى؟ ربما ما كانت لتُصفى الكراهية بهذه الخفة التي يصنعها الاسلاميون. إنَّهم - رغم أعمالهم الكارثية- يصنعون ايديولوجيا هلامية، ضبابية. باتت عقولُهم بلا أي وزن نسبي. لا خلفية نقدية، لا قدرة على التفكير الحر، لا منطق مفتوح للحوار والتواصل. فصارت الأدمغة حجرية تمتثل بأوامر السمع والطاعة لقياداتها. وقد أفرزوا جيلاً جديداً من أجيال الموت.

وليس هذا استثناء راهناً بل طوال تاريخ الاسلام السياسي تُظهِر اجيالُه تلوينات غريبة في هذا النفق المظلم. عناصر الجماعات الاسلامية يخضعون لعمليات غسيل أدمغة، جميع الأفكار والتصورات ملغمة بسفك الدماء وانتهاك الحياة. منذ يومهم الأول يفهمون أنهم في مهام مقدسة دونها القتل. وتصبح أعمال العنف هي التعبير المباشر عن الولاء. ليس للجماعة بل لله ولرسوله وللإسلام. وأن أي انحراف - كما يرددون- عن هذا المنهج الرباني إنما يعد خطيئةً لا تغتفر. حتى غدا الاسلام موازياً لمسيرة الجماعة واختزل في سحنات أفرادها وشيوخها.

إنَّ صورة الاسلام هي ما تحترق يومياً جراء جرائم كهذه. يتساءل الناس: ماذا فعل هؤلاء المسيحيون الأبرياء حتى يحصدهم الدمار؟ إنهم بمنطوق القرآن رهبان وقسيسون. ولا تخفى الإشارة الضمنية إلى وداعتهم وأخلاقياتهم النبيلة. فإذا كان الاعتقاد أساسياً للتصنيف فالإيمان خارج كل تصنيفٍ سطحي. الكنيسة تنتمي إلى الإله بالمقام الأول. والإله يستحيل تصنيفه وإلاَّ ما كانت لتتعدد الديانات. فهؤلاء الموتى المغدور بهم ذهبوا للعبادة لا للحرب. ولم يعتدوا على أحد لدرجة كونهم فارغي الوفاض من نوايا العنف. كيف يصبحون بين لحظةٍ وأخرى مضرجين بدمائهم؟!

لقد وقع ما وقع من ضحايا وأُريقت ما أريقت من دماءٍ لكن الضحية الأبرز: هم من خطط وحرَّض وأفتى باستباحة هذه الدماء. المسيحي المصري هو المسلم المصري، يقطعهما التاريخ بكل عصوره ويؤثر عليهما الظرف الاجتماعي. الآثار على الآثار، والأقدام حذو الأقدام والدين مختلط بالدين من خلال أجراس الكنائس وأصوات الآذان. أي مصري لا يخلو من هذا التماهي بين المعتقدات. إنْ لم يكن واقعاً حياً فتراثاً وثقافة. في دماغ المصريين ترقد طباق من الطقوس باختلافها. حتى قيل إنَّ أكثر شعوب الأرض تديناً هم هؤلاء المتحلقون حول شريط النيل!! عبارات التقديس الشعبي والمزارات لا تفرق. معجم الحياة اليومية مليء بكلمات مأخوذة من الموروثات الفرعونية والقبطية.

إنَّهم المصريون المتسلقون للحافلات العامة والقطارات والحاملون لفؤوس القدر بحثاً عن لقمة العيش والواقفون بطوابير الأفران انتظاراً لأرغفة الخبز. مصر أرض الإله في أبعادها الفرعونية قبل أنْ تكون أرضاً للمسلمين والمسيحيين أو سواهما. وكان الخبزُ الشمسي ينضج بعيون الإله(أتون) ليأكله المصريون معاً. ولذلك هي البلد الوحيد تقريباً الذي يطلق على الخبز اسم: العيش. فالخبز هو قرص الحياة الذهبي كما تمثل الشمس قرص الحرارة الدافئ. عين واحدة يرى المصريون من خلالها الآفاق البعيدة.

مصر رغم أنف جميع الأنظمة السياسية المتعاقبة رأسمال ثقافي عتيد. أودع فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون واللا دينيون مدخراتهم الإنسانية. وأن سلْخ هذا الجلد التاريخي الحي يعرى جسد المجتمع. ويجرِّف الحياة الممتدة بامتداد طمي النيل منذ آلاف السنوات. وارتفاع الكنائس بجوار المساجد لا يعلن جوار الأحجار أنما جوار الأرواح. وفي الوقت عينه يبرز ثراء المشاهد المتبادلة في المناسبات والأعياد.

لكن مع زحف التطرف الديني أصبح القتل علامة لكل فكر إرهابي. وغدت الجماعات والتنظيمات الاسلامية أدوات فاشلة إنسانياً مع الجرائم التي ترتكبها. وما أقبح المعايير التي يقيمون بناء عليها أفعالَّهم. فجذب الأنظار وإبادة المسيحيين والانخراط في الجهاد هي أبرز اللافتات. لكن أليس ذلك يكشف المسلمين بوجههم الدموي؟!

الكنائس توجد في أرض محاطة بأعداد غفيرة من المسلمين. على الأقل تعطيهم صوراً من التعايش ولو كان زائفاً. الحقيقة أنَّ الارهابين ليسوا وحدهم من أوصل الساحة المصرية إلى هذا الحال. إنَّهم أحد ممولي الاستبداد السياسي المطلوب لإدارة الشأن العام وتبرير إجراءات القمع الطائش. وهم- بحسب تلك المفارقة- يمرحون في خريطة زلقة بالفقر والجهل والتخلف وثقافة القطيع. وتلك المعطيات تضرب كافة التيارات الدينية والسياسية. والساحة ذاتها مهددة بانهيار بناءها الفكري إنْ وجد. كيف سيخرج أحدها سالماً من هذه الأجواء؟
في الواقع ما يفعله الاسلاميون إنما يلخص الحالة فقط. ولا يحُول دون انتشارها مع فئات أخرى لا علاقة لها بالتطرف الديني. فالجهل بأنسجة المجتمع المصري وأطيافه أخذ يضرب الوعي لدى الناس العاديين. جعله مثقوباً لا يشعر بضرورة التنوع في المجال العام. ومن ثم لم تأت فكرة محاربة المختلف من جانب دعاة إحياء الخلافة وتطبيق الشريعة والسلفية فقط، بل اتسعت رقعتها مع ارتفاع نسب العنف وضيق العيش. وكذا كان في مجال الدراما، والتعليم والصحة والعلاقات الاجتماعية.

وإذا قيل إنَّ ذلك قد يُفهم في السياسة فكيف يكون بتلك المجالات؟ هنا يجب ألاَّ نغفل أن الارهاب الديني لا يدور حول نفسه كأفعوان ضخم ملتف بشكل رخو. لقد نجح هذا الارهاب مع الظروف السياسية على التغلغل ضمن كافة القطاعات الخدمية. ونظراً لغياب الدولة المصرية منذ عهود سبقت كان الاسلاميون يقدمون "بدائل وظيفية" تتعلق بالأعمال الخيرية ومساعدة المحتاجين وإرسال الحملات الطبية. مما ربطهم بحركة الواقع اليومي في كافة المناحي. وأمدهم بقوائم الاحتياجات المهمة التي إنْ وفروها كانت كفيلةً بحصاد أصوات الناس الانتخابية. وقد استغل الاخوان هذا في انجاح مرشحيهم خلال عهدي السادات ومبارك. وعرفوا أنَّ الخدمات هي "السلة الفعلية" لأنشطة السياسة. وسار على الدرب ذاته جماعات أخرى مثل السلفية وأنصار السنة والدعاة الجدد.

أية انسانية ستموت عندما يغدو الدين قنبلة تنفجر في شركاء الحياة؟ لم تعد لتجدي فكرة المواطنة التي تتجاوز الاقصاء ما لم تكن هي والحياة شيئاً واحداً. ولا يوجد هناك أيُّ مبرر لإضافة مساحة التسامح وقبول التنوع إن لم تصبح مساحة للجميع. إنَّ قتل مسيحي واحد – وكذا أي صاحب ديانة أخري- يعيد عقارب الساعة إلى درجة القيامة لكل عناصر المجتمع. لأن الآخر مسؤولية لدى جميع الأفراد.
إنَّ نسيج الإنسانية قبل أي شيء آخر هو الأهم. فأنت حين تقتل إنما تقتل نفسك. لأن المقتول يجسد آلام الآخرين، يقطف حياتهم. كان يجب أنْ ينال حياة رحبةً لا نهاية مأساوية. فأنت تنتمي إليّ قبل أن انتمي إليك.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولةٌ عابرةٌ للقارات
- نبيٌّ يبحثُ عن أتباعٍ
- خرابُ الإنسان
- ربيع الدماء: عن حفاري القبور!!
- لعنة الثورات: خطيئةٌ بلا غفران
- غسيل الاستبداد: كيف يتطهر الحكام!!
- لا نظرية حول المرأة
- سياسات البط
- وسواس المخدّة: المرأة والشيطان
- التكفير كحادثةِ قتلٍّ
- ربيع القُرود: المثقفون فوق الأشجار
- صوت المقدس
- مشكلة الدين والحقيقة
- نظرية الشر: هل ستموت داعش؟
- أسطورة ترامب ملكاً: هجرة التاريخ
- جرائم شرف
- القُدَّاس السياسي: تنصيب الإله المنتخَب
- السياسة والجنس
- الدين، العولمة، الهوية: انسان بلا جذور
- مجتمع ما بعد الرضاعة


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي عبد العال - تفجير كنائس المسلمين!!