أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف بن الغِياثِية - في الحاجة إلى إعادة تشكيل القِيَم من أسسها الحَقّة















المزيد.....

في الحاجة إلى إعادة تشكيل القِيَم من أسسها الحَقّة


يوسف بن الغِياثِية

الحوار المتمدن-العدد: 1439 - 2006 / 1 / 23 - 09:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"ثمة أمور عندي غير قابلة للنقاش، منها الإيمان"، بهذه الجملة صدّر المهندس الباحث محمد شحرور مقالا حول الإصلاح الديني . وليس من مهامنا ولا من اهتمامنا أن
نعرض ما جاء في مقاله ذاك. ولكن، سنحاول مقاربة موضوع تشكيل أسس القيم والذي بات موضوعا مُلِحّـا في مجتمعاتنا وخاصة منها المجتمع المغربي، الذي يعرف دينامية ملحوظة على الرغم من تشكيك المشككين، ونفي الغالين.
والسؤال الذي بات يعزز سلسلة الإشكاليات المتراكمة هو : هل أشكال التدين الجديدة توحي بتغير في العقلية الإسلامية أم أن هذه الأشكال كرست فقط الأزمة وعَمَّقتها ؟ وهل انحسر الخطاب الديني ؟ ولمـاذا ؟
إن الجواب عن هذه الأسئلة يستدعي منا وقفات وتأملات عميقة وليس أجوبة مباشرة أو تحليلا مرتجلا. وسنحاول أن نتتبع خطوات هذه الدينامية التي أشرنا إليها، محاولين التنبيه إلى أهمية اعتماد منظومة قيم جديدة بدلا من تغيير العناوين كما هي الحال الآن.
ويبدو أن الدينامية التي تحدثنا عنها لا تسير وفق الاتجاه الصحيح، لأنها لم تعتمد أسسا جديدة للإقلاع. إذ لو كان الأمر يتعلق بتجديد المبنى لهان الأمر ؛ بيد أن الأمر يتطلب تجديد القواعد والاتجاه نحو العنصر الغائب منذ أمد بعيد وهو الإنسان. والدين الذي لا يجيب عن انشغالات الإنسان لا يستحق أن يُأْبَـه له (ولعلنا نقصد به التدين وليس الدين في أصله وجوهره من حيث كونه فطريا.). وإذا كان كثير من المسلمين مجمعين على أهمية الدين الذي يتبعونه، ويُجمِعون على أن "الإسلام هو الحـل"، بل ومنهم من يُوظِّف مثل هذا الشعار الغريب في حملاته الانتخابية فإن الوضع الحالي لا يعني المأمول في شيء. وليس هذا من قبيل التشاؤم أو العدمية، بل هو من قبيل التنبيه إلى أن المسألة تهم المعني بالأمر مباشرة وهو الإنسان. وكل تغييب لهذا الإنسان إنما هو اجترار لتجارب فاشلة ماضية منذ انحسار إنسان مابعد الموحدين على حد تعبير الفيلسوف المغاربي مالك بن نبي - رحمه الله -
إن ما نقصده في هذا الصدد حين تحدثنا عن الإنسان باعتباره معنيا مباشرا هو منظومة القيم التي وجب الاعتماد عليها من أجل صنع حضارة جديدة بواسطة إنسان متجدد. فالحضارة تتطلب زمنا وترابا وإنسانا ؛ هذا فضلا عن متعال غيبي. ويمكن أن نتفق إن شئنا على اقتراح منظومة قيمية نتحاكم إليها. ولحد الآن لم يتم الالتفات بالشكل المطلوب إلى إصلاح القيم التي يؤمن بها هذا الإنسان. وربما فُهِم من قولنا إصلاح الدين الإسلامي. وجوابنا هو نعم. لكن، من أية زاوية يُطرح الموضوع ؟
إن اللاشعور الجمعي يكاد يفصح عن أن سبب تخلف المسلمين هو الإسلام، فالواقع قد وُفِّق في إثبات فشل الطروحات المسماة علمانية وكذا المسماة إسلامية في إخراج المسلمين أفرادا وجماعات من التراجع الحضاري في مقابل الأمم الأخرى الصاعدة من آسيا أو أمريكا اللاتينية. إلا أن هذه الحقيقة سرعان ما يُتغاضى عنها بالالتفاف ودفن الرؤوس في الرمال. والاستنجاد بإسلام بشري تاريخي والإصرار على الحنين إليه واستنساخ تجربته وهو المستحيل بعينه. لكن، ما طبيعة الإسلام المسؤول عن هذا التخلف ؟ لو دققنا النظر وأجدنا الاستماع إلى بعضنا البعض لتبين ما نقصد إليه بغير لُبس. ولما قلنا إن الإسلام مسؤول عن تراجعنا هل يعني ذلك أن نرتمي في أحضان منظومة قيم جديدة مغايرة لما نحن عليه، ومن ذلك المنظومة الغربية ؟ الجواب هو كلا ثم كلا ! تلزمنا، إذن، شجاعة كبيرة للاعتراف بأن منظومة القيم التي بين أيدينا نحن من أصابها بالإفلاس وليس غيرنا، وأننا في حاجة إلى منظومة قيم جديدة. غير أننا لسنا بحاجة إلى أية منظومة ومن أية جهة. فنحن هم الكفيلون وحدنا بإنشاء منظومة قيمنا بكل ثقة في النفس وإيجاد الوسائل الكفيلة بتثبيتها والاجتهاد لإقامة الاستخلاف الذي جعلنا الله - تعالى - مكلفين بإنجازه والعمل على إعطائه ما يلزم من زمن وإنسان وتراب ؛ ودون أن ننغلق على أنفسنا أو أن نبقى من غير تفاعل إيجابي مع الوافد.
إننا لما استدعينا اللاشعور الجمعي فلأننا رأينا من السلوك اليومي للأفراد والجماعات كونها تدعي أن "الحـل هو الإسلام" في حين تتوسل بممارسات هي أقرب إلى البشرية منها إلى الآدمية في كثير من الأحيان. فالمجتمع ينهج استراتيجيات احترابية حتى يسوغ كل ممارسة من ممارساته أو تقليدا من تقاليده. وهذا شيء مستفز للسؤال إذا كان كل فرد أو جماعة تدعي لنفسها الانتساب إلى دين معين أو منظومة قيم معينة ثم تبني حياتها على غير ما تدعيه وتصرح به، أليس المسؤول عن هذا الخلل هو تلك المنظومة نفسها أو ذاك الدين نفسه ؟ ولا نرى من هذه الزاوية أي تجرإ على الدين بقدر ما هو تساؤل كثيرا ما يواجهنا به الناس ممن ليسوا على ديننا ولا يتبنون منظومة قيمنا من الغربيين وغيرهم. وهو ما دفعنا إلى الرجوع إلى الذات وإعادة طرحه بكل جدية والنظر في ردود الأفعال التي يمكن أن تجلبها هذه الجرأة ولو أننا لا ندعي لأنفسنا السبق أو الريادة في طرحه علما بأنه سؤال طُرِح من قبل.
إننا إذ ننبه إلى هذا الاحتمال فلكي نستنهض المعنيين أفرادا وجماعات لكي يضطلعوا بمسؤولياتهم الحضارية المخولة لهم وحتى يندفعوا إلى واجباتهم بدون خَوَر أو هوادة لاحترام الإنسان. فقبل أن ننجز طريقا "إسفلتيا" لمرور الآلات - مثلا - وجب أن ننجز الرصيف لمرور الراجلين أولا في احترام للإنسان وإعطائه ما يستحق من تكريم قبل أن نكرم الآلات.
وربما دعا الخوف من البقاء عرضة للعراء أمام ما يأتينا من الخارج وخاصة على مستوى القيم هو ما يدفع الكثيرين إلى التشبث بالماضي وقيمه. وفي هذا السياق، نود أن نوضح شيئا أساسيا وهو أننا لا ندعو إلى لعن الماضي الحضاري للأمة وكأنه كله ظلام. ليس هذا من شيم العدول. فالدعوة التي نشدد عليها هي أن نطرح بكل شجاعة ما كان مظلما في تراثنا ونواجهه لكي نتصالح مع ذواتنا ونخرج من هذه الازدواجية من قبيل (شريعة في مقابل قانون وضعي مثلا) فالشريعة نفسها قانون وضعي. ذلك أن قدسية المصدر لا تبرر بحال قدسية الأحكام والاجتهادات التي يستنبطها الفقهاء والحكام - وهم بشر مثلنا، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق - وعليه فنظرتنا إلى هذا الأمر نظرة جديدة ستحرر طاقات اقتصادية واجتماعية نحن في أمس الحاجة إليها. وإلا لاعتبرنا أن الخصومة الدائرة بين الأبناك المسماة ربوية وتلك المسماة إسلامية ما هي إلا ذات طبيعة مادية واقتصادية محض لأن المنافسة هي على الزبائن وتقوية الأرصدة وليس على شيء آخـر ولو عاكس هذا ما نراه فوق السطح مثل رأس "الآيسبيرغ" (Iceberg) في مقابل ما بقي مغمورا.
وإذا عدنا إلى أشكال التدين الجديدة، فاختصارا، نقول إنها تلميع جديد للقطيعية التي لم تتخلص منها الأمة منذ قرون. فقيم المواطنة لم تترسخ بفعل الأشكال القديمة ولا نرى لشمسها بزوغا فيما يُرى من الأيام والعقود القادمة. إذ ما زال الحديث عن قيم الرعوية سائدا ومن ثم، فلن يحس الإنسان بقيمته الفردية في ظل أدبيات الرعوية التي نهى عنها القرءان بشدة . وعليه ففي ظل القيم الرعوية بدل النظر لن يكون هناك أي تكريس للمواطنة ولن يمَكَّن لقيمها التي تنبني على الحرية واحترام الكرامة الإنسانية. ونرى أن المسؤول عن مثل هذه الانحرافات التي طال أمدها هو ما نسميه "توسيع خريطـة الوحـي". فمنذ أن تم هذا الأمر لم تستطع الأمة أن تخرج من فخ الفقه والمنطق الأرسطي الذي كبل عقلها ولم يمكن لاجتهادات كثيرة أن ترى النور بدعاوى كثيرة، مثل الخروج عن السلف، الزندقة... وما إلى ذلك من شتى النعوت والتصنيفات التي خضع لها المخالفون ودُمِغوا بها.
إن الإسلام الذي نقصده مسؤولا عن تخلف الأمة ليس هو ما تضمنه القرءان الكريم باعتباره معادلا كونيا بل هو ذاك الإسلام التاريخي الذي أثخن الأمة جراحا وشد وثاق عقلها وحريتها وكرامتها بفعل سلط هنا وهناك، ذاك الإسلام الذي اتخذه هؤلاء وأولئك وظيفة للاحتراب وكسب مزيد من الامتيازات واستعمل في حرب المواقع الحساسة في تهميش لقضايا الأمة الحقيقية. وعليه، فأشكال التدين الجديد لن تفلح في الإجابة عن تساؤلات شريحة عريضة من الشباب خاصة. بل إنها بدأت تأخذ منحيين بعد الحوادث الإرهابية(التي لا يتحمل فيها القرءان المسؤولية بقدر ما تتحمل فيها مصادر أخرى رُقِّيَت مرتقى الوحي وهيمنت عليه وقضت عليه على حد تعابير من يتبنون ذلك).
المنحى الأول : الاتجـاه الراديكالي. وهذا، بفعل اليأس وغياب المعنى في الحياة وانسداد الآفاق الاجتماعية من تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة وحرية التعبير... لا يرى في غاية الوجود غير استلام تذكرة إلى الجنة حيث ما لذ وطاب من شهي الطعام وحوريات يُرى مخ عظامهن من سبعين لباسا كما تبشر بذلك خيالات المفسرين. ولا يختلف خيال هؤلاء الشباب الضحايا والذين يوقعون بأعمالهم الإجرامية تلك ضحايا آخرين من أبناء أوطانهم عن إنسان ميسور يقضي أجازاته في "الباهاماس" حيث الجنان الأرضية والنساء من شتى الألوان والأعراق. إذن، فهذا يستطيع وذاك مضطر لكي يحقق هو الآخر حلمه في عيش كريم ومرفه أن يفجر نفسه "مُنقَتِلا" ومقدِّما نفسه على أنه شهيد أو استشهادي. وتحت هذا المنحى يندرج أيضا على طرف النقيض التيارات "الفنية" التي يحمل لواءها "الفيديو كليب"، فالجسد هو القاسم المشترك بين هذين الطرفين. أضف إلى ذلك الاحتجاج على الأوضاع بالتعبير الجسدي، فباطن الأمور يتجاوز التحليل السطحي والحكم الأخلاقي الجاهز ضد هؤلاء وأولئك .
المنحى الثاني : الاتجـاه الصوفي. ليس لنا اعتراض على حرية اختيار الأشخاص لتيارات انتمائهم، لكن مآلات ما نشهد من مقدماته وتسابق الكثيرين وتزاحمهم على البيت الجديد وهو الانتماء إلى طريقة من الطرق الصوفية طمعا في "مرضاة الرب" ؛ ولو أننا وددنا أن نعلم أي رب تُرجى مرضاته ! لن يُبِـين غير تحول من بيت سلفي لا زال يرزح تحت نيره العقل الإسلامي كله في غالبه، كسبا لامتيازات كان يوفرها حماته إلى بيت جديد كما قلنا. إذن، فأزمة المضمون تبقى قائمة، والسؤال يبقى هو هل أشكال التدين القديم منها أو المتجدد العائد سينقذنا من آلام التاريخ التي ما زالت تسكننا وتهيمن على لاشعورنا. نقول إنه بدون إعادة الاعتبار للإنسان وتحريره من مقولة : "الصلاة مع علي أخشع، ومتابعة معاوية أشبع."، فلا أتباع علي خشعوا، ولا أتباع معاوية شبعوا.
إنه بدون إعادة الوحي (القرءان) إلى نصابه، واعتماد الحرية قيمة مطلقة غير مساوَم عليها لا نرى مخرجا سليما وسلميا أيضا من عنق الزجاجة التي طال انحباس الأمة فيها. وهذا هو إصلاح الإسلام الذي نرمي إليه وهو ما جاءت به حاكمية الكتاب ولم تُساوِم عليه.



#يوسف_بن_الغِياثِية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي ...
- طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف بن الغِياثِية - في الحاجة إلى إعادة تشكيل القِيَم من أسسها الحَقّة