|
الزعامة الدرزية .. خيار جنبلاط أم قدره ؟؟
أنيس يحيى
الحوار المتمدن-العدد: 1439 - 2006 / 1 / 23 - 09:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لا أعتقد أن أحداً في لبنان يسعى الى الحرب الاهلية ، فالجميع يدركون الكلفة الباهظة التي تستلزمها هذه الحرب . إلا أنني لن اصدّق أحداً اذا قال يوماً أنه تفاجأ بهذه الحرب ، أو أنه وجد نفسه دون ارادةٍ منه في وسطها . فالحرب مثل أي أمر آخر ، تحتاج إلى مناخٍ ملائم تنمو وسطه ، وعند اكتمال شروط هذا النمو ، فان الحرب لا تحتاج إلى أحداثٍ كبرى لتنفجر . بل أن واقعة قد تبدو تافهة بذاتها ، قادرة على اشعال مثل هه الحرب . لقد شهد الاسبوع الأخير في لبنان هيجاناً سياسياً ملفتاً . تمثّل بالموقف الذي أطلقه السيد وليد جنبلاط حيال التجاذب الكبير الذي تشهده الساحة السياسية . لقد أطلق جنبلاط جملة مواقف سياسية واضحة من النظام في سوريا ومن حزب الله ومن السلاح الفلسطيني فوق الاراضي اللبنانية . هذه المواقف وإن بدت ذات مرامٍ متباعدة ، إلا أنها في الواقع ذات بُعد واحد ، يتمثل في المعوقات التي تمنع قيام دولة لبنانية قادرة على الامساك بقراراتها الوطنية . هل كان الواقع السياسي في لبنان يحتاج الى هذه الجرأة ، أو ما هو أبعد منها ، التي أطلقها وليد جنبلاط ؟ بكلام آخر ، هذ يحق لطرف سياسي مثل وليد جنبلاط ، أو لمن هو في حجمه أن يحدث هذا الهيجان في الساحة اللبنانية ؟ الاجابة تستدعي شيئاً من التأمل في كلّ من الواقع السياسي في لبنان من جهة ، وتستدعي ايضاً احاطة بشخصية وليد جنبلاط التي ارتضى لنفسه الوصول الى حيث هو . فمن جهة الواقع السياسي اللبناني ، أقول نعم . هذا الواقع وصل الى المكان الذي يحتاج فيه إلى كلام مباشر ، أو لنقل استفزازي . الجميع في لبنان ، والمتتبعون للحالة اللبنانية يدركون أن البلد سائر في اتجاهين متعاكسين ؛ واحد يعلن أصحابه أنهم في حلف استراتيجي مع سوريا ومن هم وراءها . وانهم مستعدون للدفاع عنها في كل المجالات . وآخر ، يعلن اصحابه أنهم مهددون من النظام في سوريا ، وينادون بالتالي باسقاط هذا النظام . إن اصحاب هذين الاتجاهين يعملون بجد للوصول الى أهدافهم . لكن عملهم هذا كان يتم ، قبل مواقف جنبلاط الأخيرة بشيء من الممالأة والمجاملة . وكأن كل فريق منهم ينتظر استكمال عدته قبل الوصول الى المواجهة العلنية . إن كلام جنبلاط أخرج ما كان مكنوناً ومكبوتاً الى الواجهة . وجعله بالتالي مادة للكلام بين الفريقين بعيداً عن التكاذب والتدليس . فجنبلاط أعلن بوضوح ، ووراءه من يقف موقفه ، بانه ضد احتفاظ حزب الله بسلاحه الى ما لا نهاية . بالأحرى حدد بدقة مهمة هذا السلاح ، وهي تحرير الاراضي اللبنانية . وأضاف أن الأراضي اللبنانية قد أصبحت محررة بالكامل وفقاً للشرعية الدولية . أما التذرّع بمزارع شبعا ، فان جنبلاط طاللب حزبَ الله ، وبوضوح أيضاً باستحصال وثيقة من حليفه السوري تؤكد لبنانية مزارع شبعا ، وإلا على اللبنانيين انتظار تطبيق القرار الدولي رقم 242 للبت في هوية تلك المزارع . كلام في منتهى الوضوح والدقة . وما أجاب به حزب الله كان في منتهى الوضوح والدقة أيضاً . وقد عبّر عن ذلك الكثيرون من قيادات حزب الله حتى أطل الامين العام للحزب عبر احدى الشاشات وحدد أهداف السلاح الذي يمتلكه الحزب . فالهدف استراتيجي ، ويتمثلل بالاحتفاظ بالسلاح تحسباً من اعتداءات اسرائيلية . واستشهد الامين العام بالانتهاكات اليومية والمتنوعة التي تقوم بها اسرائيل . هذا يعني ، أن على حزب الله البقاء على جهوزية قتالية للتصدي لهذه الاعتداءات طالما بقي لبنان في حالة عداء مع الدولة العبرية . وهو بالتالي مشروع حرب لا نهاية لأفقه ، ومَن سار من الاطراف اللبنانية خلف هذه المقولة كان حليفاً لحزب الله ، ومَن رفض الانجرار كان عليه تحمل تبعات الاتهامات التي تلصق به تهمة العمل في مشروع غربي ؛ اميركي فرنسي بالتحديد لجر لبنان ومن ثم المنطقة الى مواقع مغايرة لمصالحها . واصبح أيضاً الحديث عن مزارع شبعا ، والالتباس في هويتها مسألة غير ذي قيمة ؛ فالسيد نصرالله أعلن في احدى خطبه الجماهيرية بأن من أهداف سلاح الحزب تحرير القرى السبعة وصولاً إلى تحرير القدس . هل من نجاحات مرجوة من الحوار الذي يدعو اليه امين عام حزب الله ، الأطراف اللبنانية حول سلاح الحزب ، بعد أن أعلن السيد نصرالله مؤخراً بأن سلاح الحزب هو " عرض " حامليه ؟ واستطرد موضحاً مكانة العرض عند الشرقيين عامة والمسلمين خاصة . السؤال الثاني : هل يحق لوليد جنبلاط أن يحدث هذا الهيجان في الساحة اللبنانية ؟ لعل جنبلاط يحاول ازالة الالتباس حول شخصه ودوره وقيادته . فالبعض يقول أن جنبلاط قامة وطنية كبيرة ، وهذا يسمح له تناول الموضوعات على اختلافها . ويرى البعض الاخر أن جنبلاط غير قادر على تجاوز المصالح الدرزية الضيقة ، وانه يهتم بالتفاصيل الصغيرة للحد من بروز شخصيات درزية تطمح إلى لعب أدوار على الساحة الدرزية ، وكأن جنبلاط غير مطمئن الى قدرته على النفاذ الى الساحة الوطنية إلا من آحادية زعامته على الدروز . لا شك أن جنبلاط شخصية فاعلة في الحالة الوطنية ، إن لجهة ما يحمله من تراث في هذا المجال ، وإن لجهة تداخل مصالح الجماعات اللبنانية التي هي بمجملها طائفية ومذهبية .لكن اطلالة جنبلاط على المشهد تبقى ملتبسة دائماً ، وكأنه لا يدرك استحالة الجمع بين المغالاة في تمثيل الدروز وبين الادعاء بزعامة وطنية . قد يقول البعض أن جنبلاط ليس فريداً بين الزعامات اللبنانية ؛ فجميعها طائفية ومذهبية ، وجميعها تخفق عند ادعائها بالزعامة الوطنية . هذا صحيح ، ولان جميع هذه الزعامات ساهمت طيلة سنوات طويلة في المغالاة في تمثيل جماعاتها ، أصبح المشهد السياسي مفتقراً إلى قيادة يلتف من حولها اللبنانيون باطمئنان من الانزلاق الى المهاوي الطائفية والمذهبية المعيقة لقيام دولة تظلل الجميع . وبالتالي يفشل وليد جنبلاط في التعالي على المصالح المذهبية ، ويكثر كلام المشككين في قدرة جنبلاط على لعب دور جامع للبنانيين ، ليبقونه ممثلاً لشريحة طائفية قليلة العدد ، ألا وهي الدروز . خاصة وان جنبلاط سعى لاطلاق مواقفه الأخيرة التي أحدثت هياجاً في الساحة السياسية ، وسط جماهير درزية احتشدت حوله وكأنها تؤكد تقدّم زعامة جنبلاط الدرزية على ما يشتهي محبو جنبلاط من دور وطني . لسنا في موقع تقديم النصح لوليد جنبلاط حول كيفية بناء زعامته الوطنية التي نظنه خاطئاً اذا ادّعى امتلاكها ، رغم قناعتنا بأن لديه من الانفتاح والأفكار العلمانية ما يؤهله لذلك . تبقى المسافة بين الخيار والقدر شاسعة . غير أن البعض يدّعي امكانية المساهمة في صنع الاقدار .. عند هؤلاء تتضاءل المسافات وتصبح الكلمات دون معنى متراصفة في جوار بعضها البعض .
#أنيس_يحيى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد الحليم خدام يقدّم ال- نقوط - قبل موعد العرس
-
هنالك أودعتُ أسلحةَ الضحيّة
-
ألوانٌ كلها حمراء
-
لبنان الوطن .. هل مازال مشروعاً قيد التجربة ؟؟
-
أنا لا يُوحى إلي
-
أيها الأمريكيون .. لماذا تركبون سيارات الهامر Hammerعند إثار
...
-
أيها الأمريكيون .. - تحريركم - لنا أصبح يخيفنا ..فالتدمير تا
...
-
نشأة اسرائيل تعبير عن معاناة الشعبين ؛ الفلسطيني واليهودي
-
المسيحيون وضيق الأمكنة في أرض العرب
-
العراق .. إذا غادره الجيش الأمريكي غداً !!
-
لا تستكمل فصول الحكاية .. عُد إلى بدايتها
-
كراهيتنا لأمريكا .. هل هي بمجملها مبررة ؟؟
-
حيث دفنا ملِكاً
-
أمريكا والشارع العربي .... - - كلام على مقربةٍ من مقالة الدك
...
-
تعليقٌ على مقالة الشاعر سعدي يوسف - المنتفجي .. رئيساً
المزيد.....
-
أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
-
إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا
...
-
إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات
...
-
المحكمة الإدارية الفرنسية تؤكد صحة قرار الجزائر في قضية المؤ
...
-
عباس يرسل برقية للسيسي بشأن تهجير الفلسطينيين.. ماذا فيها؟
-
إدانة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق بوب مينينديز بالسجن 11
...
-
باكستاني يقتل ابنته لنشرها فيديوهات على -تيك توك-
-
طبيب نفسي: يوجد في سوريا من 1 إلى 3 ملايين مريض نفسي
-
الولايات المتحدة: أوامر بترحيل المئات من مواطني الدول المغار
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|