|
دماء على كرسي الخلافة - 6-
علي مقلد
الحوار المتمدن-العدد: 5483 - 2017 / 4 / 6 - 15:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدماء التي تناثرت على أعتاب السلطة منذ العصور الأولى للإسلام ، كانت ولا تزال فوهة ملعونة ، خرج ويخرج منها شلالات العنف والدم والإرهاب، وفي اعتقادي أننا ما لم نردم "تلك الفجوة" بوعي حقيقي قائم على دراسة التاريخ بشكل محايد بعيد عن الإفراط والتفريط ، والتقديس والتسفيه ، سنظل في دائرة جهنمية مفرغة كلما قطعنا دابر جماعة إرهابية خرج من بقاياها ومن أفكارها ،فرع جديد يحمل سيف الكراهية للجميع ويعلن أنه يجاهد في سبيل إقامة "الخلافة الإسلامية". كنا توقفنا في المقال السابق ، عند معركة "النهروان" بين جيش علي بن أبي طالب ومجموعة منشقة عنه ،وكيف تقاتل الطرفان والدماء التي تخضبت بها الأرض على هامش الصراع الدموي المشتعل على السلطة ، وكيف تخلقت نطفة "الخوارج " من صلب الصراع القرشي القرشي ، على السلطة ، وها نحن نتحدث بتفاصيل عن تلك البذرة التي نبتت على أرض الصراع ،وما زالت تتشعب وتتكاثر حتى اليوم ، والناظر في تاريخ تلك الجماعة يجدها متشابهة إلى حد التطابق مع بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة ، مثل "داعش " والإخوان والسلفية الجهادية وأنصار بيت المقدس ، وكل هذه المسميات ، فالخوارج يقولون بكفر جميع البشر، عدا أتباعهم وأنصارهم ومؤيديهم ، ولذلك يستحلون دماء وأعراض كل البشر ، مثلما يفعل الإرهابيون في كل زمان ومكان ، يقولون إن معاركهم من أجل الله وهم طلاب سلطة ، فما أن يتمكنوا من فرض سيطرتهم على أية بقعة من الأرض ، ولو قرية صغيرة يعلنون فيها إقامة الخلافة ، وينصبون خليفة ويسبغون عليه كل الألقاب المقدسة ، هكذا كما فعلت "داعش " في العراق وسوريا ، و"حماس" في غزة ، وبوكو حرام في نيجيريا ، وكذلك حاول الإخوان في مصر أن يقتطعوا أية مساحة على الأرض ، ليعلنوها ولاية إسلامية، ويساوموا الشعب المصري على أرضه ، ويجدوا منصة تهبط عليها تمويلات الخارج كما حدث من إخوان سوريا وليبيا ، لكن من حسن حظ مصر أن الجماعة تعاني من تضخم في الغباء ، فاختارت "إشارة رابعة العدوية"، للتمركز والاعتصام ، كما أن "الخوارج" تعد أول جماعة ، تعلن أحقية أفرادها ، في القيام بمهام "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ، بالقوة وبحد السيف إن تتطلب الأمر ، كما أنهم متشددون في أداء الفرائض والسنن والشكل الخارجي للتدين ، مثل بقية الجماعات المتطرفة التي نعاصرها اليوم. إذن الخوارج هي فرقة إسلامية، تعد عند كثير من الباحثين المعاصرين هي العباءة الحقيقية التي خرجت منها كل جماعات الإرهاب الإسلامي المتقاتلة على السلطة ،ويشير البعض إلى " أنه لا توجد فرقة من فرق الإسلام سلكت طريق الثورة كما سلكته فرقة الخوارج، حتى لقد أصبحت ثوراتهم وانتفاضاتهم أشبه بـ "الثورة المستمرة " في الزمان والمنتشرة في المكان " فهم لا يعجبهم أي حاكم طالما لم يخرج من صلب جماعتهم مثل كل الجماعات المتطرفة ، قال عنهم أبو الحسن الأشعري مؤسس مذهب الأشاعرة أحد مكونات ما عرف فيما بعد "أهل السنة والجماعة" : إن اسم الخوارج يقع على تلك الطائفة التي خرجت على رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب ، وبيّن الأشعري أن خروجهم عليه هو العلة في تسميتهم بهذا الاسم، حيث قال: "والسبب الذي سموا له خوارج خروجهم على علي لما قبل بالتحكيم في موقعة صفين" ولهم ألقاب أخرى عرفوا بها ،مثل الحرورية والشراة والمارقة والمحكمة وهم يرضون بهذه الألقاب كلها إلا بالمارقة؛ فإنهم ينكرون أن يكونوا مارقين من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، كما أطلق الخوارج على أنفسهم أهل الإيمان، أو جماعة المؤمنين ... وهكذا كل الجماعات الإرهابية ترى نفسها على الصراط المستقيم وغيرها كافر . بالرغم من أن الخوارج كانوا من "القراء" أي حفظة القرآن ، وحاولوا في خطبهم وأشعارهم وشعاراتهم ، إيهام الناس بتقواهم وزهدهم في الحياة الدنيا ورغبتهم في الآخرة ، إلا أن ولعهم بالسلطة وقتالهم من أجلها، لمدة قرن كامل متواصل يكشف زيف كلامهم ، فبعد هزيمتهم في النهروان أمام جيش علي بن أبي طالب بشهرين تجددت ثورتهم فقاتلوا جيش علي ثانية في "الدَّسْكَرَة " بأرض خراسان وفي الشهر التالي لهزيمتهم في "الدسكرة " تجددت ثورتهم فقاتلوا جيش عليٍّ للمرة الثالثة عند (ماسبذان) بأرض فارس في وبعد هزيمة "ماسبذان" قادهم الأشهب بن بشر البجلي في خروج آخر في نفس العام، فحاربوا في "جرجرايا "على نهر دجلة، ثم إلى أبواب الكوفة، فحاربوا جيش علي بن أبي طالب ، وهُزِمُوا هناك، وبعد مقتل علي وتنازل ابنه الحسن لمعاوية بدأت حرب الخوارج ضد أهل الشام الموالين لمعاوية ، واستمرت ثوراتهم ضد دولة بني أمية ، ففي آخر شوال سنة 64هـ بدأت ثورتهم الكبرى بقيادة نافع بن الأزرق، وهي الثورة التي بدأت بكسر أبواب سجون البصرة- نفس ما فعله الإخوان في 28 يناير ،يا لسخرية التاريخ- وقد شارك الخوارج في كل الثورات التي استهدفت الدولة الأموية ، و رغم ذلك لم ينجح الخوارج في إقامة دولة مستقرة يستمر حكمهم فيها طويلاً ،حتى أنهم رغم مشاركتهم في إجهاد وإجهاض دولة بني أمية ، حتى حدث انهيارها السريع تحت ضربات "الثورة العباسية الدموية" في سنة 132هـ ؛ فالعباسيون قد قعدوا عن الثورة على الأمويين ، قرابة قرن بينما قضى الخوارج هذا القرن في الثورة المستمرة، ثم جاء القَعَدَةُ فقطفوا ثمار ما زرعه "الخوارج"، لكن تلك الجماعات مهما بلغ عنفها وأتباعها تبقى ، غير كفء لإدارة دول ، ولعل هذا تكرر كثيرا في التاريخ ، وقد رأينا كيف فشل الإخوان في إدارة الدولة المصرية رغم أنهم ظلوا نحو ثمانين عاما يخططون للوصول للسلطة .... مع مرور الزمان وتواصل الحروب تناثرت فرقة الخوارج كجماعة ومذهب موحد ، وبقيت أفكارها مثل بذور سامة ، تنبت كلما وجدت أرضية خصبة لنموها حتى الآن ،ففي كل الجماعات المتطرفة المنتشرة في ربوع الأرض ،نجد بصمات "الخوارج" واضحة جدا ، مهما ادعت تلك الجماعات غير ذلك. في المقال المقبل نواصل قصة الدماء المحرمة التي سالت من أجل كرس الخلافة
#علي_مقلد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دماء على كرسي الخلافة -5-
-
دماء على كرسي الخلافة 4
-
دماء على كرسي الخلافة – 3
-
دماء على كرسي الخلافة – 2
-
دماء علي كرسي الخلافة - 1
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|