|
في ليبيا احتفاءً برمضان.. تحالف الفُجّار، صيارفة وتجار يُؤجِّجُون حرائق الأسعار
فاضل عزيز
الحوار المتمدن-العدد: 5483 - 2017 / 4 / 6 - 00:35
المحور:
المجتمع المدني
عقب انهيار المشروع الاشتراكي الارتجالي الفوضوي للنظام السابق في إدارة التجارة بعد إلغائه لهذه المهنة وتشريد فئة التجار المحترفين وتعطيل كل التشريعات والقوانين والهياكل الإدارية التي كانت تدير هذه المهنة وتنظمها بفاعلية عبر العصور، أطلق هذا النظام مع نهاية عقد الثمانينات وبداية عقد التسعينات أيدي تجار لا ضمير لهم وجماعات وأفراد لا علاقة لهم بمهنة التجارة للسيطرة على التجارة من جديد مقابل ولائهم له .
هذه الشريحة التي احتكرت الاتجار في أهم فروع التجارة، تتكون في الغالب من تحالف يضم لصوص المال العام الذين كانوا يديرون شركات التسويق الحكومية، وتجار سابقين منعدمي الضمير تسيطر عليهم حالة توحش ونهم للمال لا يردعها أي وازع أخلاقي، استغلوا حالة الفراغ الإداري وغياب أدوات تنفيذ القانون أو عدم فاعليتها في اختراق منظومات مراقبة الأسعار والسيطرة عليها والتلاعب بأسعار السلع الأساسية التي تدعمها الدولة، ثم استعادة سيطرتهم على استيراد هذه السلع بالتحالف مع مراكز قوة في الدولة تتعيش على الرشاوى والاختلاس، حتى تغوَّلت هذه الطبقة وأصبحت تقايض علنا ولاءها المعنوي للنظام باحتكارها وإدارتها السيئة والجشعة لصفقات استيراد وسخة لسلع غذائية وأدوية وغيرها مخالفة للمواصفات، وفرض أسعار لها في السوق لا تراعي النظم القانونية للأسعار ولا دخل المواطن..
لمعت أسماء لتجار قدماء استعادوا مكانهم من جديد في السوق ولكن بروح جشعة حد التوحش لم يعهدها المواطن، وأسماء جديدة ظهرت لتحتكر حقوق وتوكيلات توريد بضائع مهمة للسوق، كما ظهرت وإن بشكل محدود وغير صريح مع بداية الألفية الثالثة طبقة تجار العملة التي احتكرها في البداية تجار الذهب، لتتطور فيما بعد الى سوق معلن يحتكره سماسرة عملة منعدمي الضمير مرتبطين بمافيات المصارف الفاسدة.. هذه الشرائح الثلاثة من تجار سابقين وتجار محدثين وسماسرة العملة استطاعوا ومن خلال تحالف غير معلن بينهم وبين خلايا الفساد في مؤسسات الدولة وبالتناغم مع سياساتها الاقتصادية المربكة أن يديروا محرقة الأسعار، وأن يلتهموا أي زيادة في رواتب الموظفين ويحولونها الى حساباتهم، ليبقى الموظف والمواطن دائما رهينة لديهم يمارسون عليه كل أنواع الفاقة والتجويع والحرمان.
احتفاء بشهر الصيام شهر رمضان الكريم الذي فرض فيه الخالق سبحانه وتعالى على عباده الصوم لحماية أرواحهم من مرض الجشع والنهم، ولغرس فضيلة الرحمة ومساعدة المحتاجين في نفوسهم، هذا الشهر يُعد الفُجَّار من كبار الموردين وتجار العملة اليوم لتأجيج حرائق الأسعار في كل المواد الضرورية التي يحتاجها الصائم في إعداد وجبة الإفطار، وذلك في انتهاك فاجر ومقيت لتلك القيم الإنسانية النبيلة التي أراد الخالق غرسها في النفوس من خلال معانات الصوم. ها نحن نلمس كل صباح منذ ظهور هلال شهر شعبان في الافق ارتفاعا صاروخيا في أسعار المواد الغذائية المختلفة يتطور بمعدل ساعتين في اليوم بعد أن كان يتم بمعدل اسابيع او أيام..
ويسهم تجار العملة وسماسرتها اليوم ومنذ أن اكتسبوا نوعا من التغطية القانونية التي تشرعن لجرائمهم ولا تحمي المواطن من شرورهم ، وبالتنسيق مع أصحاب شركات الاستيراد المتغولة، ومافيات المصارف الفاسدين بإدارة أبشع وأوجع أنواع نهب واستنزاف موارد المواطن وإنهاك مداخيله بالتلاعب بأسعار العملات الصعبة في السوق برفعها وخفضها بطريقة متدرجة أحيانا وجنونية أحيانا أخرى، بما يمكنهم من احتواء ونهب أي موارد جديدة يحققها المواطن سواء كانت على هيئة زيادة في الرواتب أو تحسن في دخل أصحاب المهن والحرف المختلفة. هذا التحالف القذر هو الذي يدير اليوم وبروح شريرة وعدوانية كارثة محرقة الأسعار التي تجتاح السوق الليبي وبدأت تفرض على شريحة واسعة من المواطنين حالة جوع خطيرة بدأت بوادر آثارها تظهر على هيئة أمراض صحية واجتماعية وأخلاقية تنذر بانهيار خطير على كل المستويات. وتمثل ظواهر انتشار الأمراض المرتبطة بسوء التغذية، وتفكك الروابط الاجتماعية، وانهيار بناء الأسرة، وانتشار ظاهرة التسول والسرقة والحرابة والاختلاس و الرشوة والتجارة الربوية والجريمة المنظمة وانهيار الخدمات الإدارية في كل القطاعات الخدمية بالدولة، وسيطرة عصابات مسلحة على قطاعات واسعة ومؤسسات خدمية وتقاسمها للنفوذ على البلاد، كلها تمثل جانبا من الصورة البائسة والمشوهة التي وصلت لها ليبيا اليوم على يد هذا التحالف القذر بالتنسيق مع العصابات القبلية والعرقية والجهوية والجماعات المسلحة التابعة لأحزاب الإسلام السياسي التي وفرت المناخ المناسب لنشوء هذا التحالف الإجرامي .
و قد وفر غياب مؤسسات مجتمع مدني نشطة وفاعلة على الساحة الوطنية، أجواء مثالية ومشجعة لتمادي هذا التحالف القذر و ساعده في اقتراف المزيد من الجرائم وتأجيج حرائق الأسعار في السوق، وإثقال كاهل المواطن المنهك بالمزيد من الأعباء ودفعه للجوء الى طرق مخالفة للقوانين لسد العجز في دخله الناتج عن الارتفاع الجنوني والمتواصل في الأسعار.. وقد أفرز هذا الوضع البائس وانعدام فرص الحصول على وظائف في مؤسسات الدولة بعد تحول فبراير ظاهرة جديدة بين أوساط الشباب الليبي وهي ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر البحر، حيث بدأت جماعات من الشباب الليبي في مقتبل العمر بينهم مؤهلين تأهيلا عاليا في العبور الى الساحل الجنوبي لأوروبا من خلال ما يعرف بظاهرة "الحرق" على أمل الحصول على فرصة عمل حيث يقضي بعضهم غرقا وغذاء لهوام البحر، ويصل آخرون الى معسكرات الإيواء التي يقيمها الاتحاد الأوروبي للمهاجرين في انتظار إعادتهم الى بلادهم او استغلالهم في أعمال متدنية يرفضها الأوروبيون .
إن انعدام الوعي بسلاح المقاطعة والعصيان بين مختلف شرائح المواطنين سواء في المدن أو الأرياف كوسيلة لكبح جرائم تحالف فجار التجارة وسماسرة العملة والعصابات المسلحة، أعطى هذا التحالف القذر قوة إضافية ساعدته على تصعيد وتيرة جشعه وإجرامه والمجاهرة بها في تحد سافر لكل القيم والأخلاق التي كانت الى وقت قريب تشكل رادعا ذاتيا لكل الليبيين . سلاح المقاطعة والعصيان الذي لو وجدت منظمات مجتمع مدني فاعلة تديره بحنكة واحتراف و وعي وطني كان يمكن أن يكون سلاحا رادعا يخفف من جشع وتغول هذا الثلاثي القذر ويجعله يعيد حساباته في كل خطوة يخطوها للاستحواذ على مداخيل الأفراد. هذا السلاح أثبتت العديد من شعوب العالم في العصر الحديث فاعليته في ردع جشع التجار والسماسرة، حيث تدعوا منظمات المجتمع المدني بعد دراسة وبحث وتدقيق لبواعث ارتفاع أسعار أي سلعة بشكل مغال فيه المواطنين الى مقاطعتها والاستغناء عنها ، فتتكدس في الأسواق مما يضطر الجهات المنتجة لها الى تخفيض سعرها لتفادي خسائر فادحة نتيجة تكدسها في السوق، وقد أدى هذا السلاح، أي سلاح المقاطعة في أكثر من حالة الى تفكك تحالفات قذرة كانت تستهدف الإثراء على حساب المتسوقين..
ما أحوجنا اليوم في ليبيا وأمام ظاهرة التغول والتوحش والإجرام التي وصل لها هذا التحالف الإجرامي في عبثه بثروات البلاد ونهبه لموارد ودخول المواطنين البسطاء الذين أضحوا على أبواب مجاعة حقيقية تنذر بموجات هجرة ونزوح جماعي لقبائل ومدن بكاملها نحو دول الجوار أو الفناء بفعل الجوع والأمراض والجريمة المنظمة، ما أحوجنا اليوم إلى قيام منظمات مجتمع مدني حقيقية، تواجه بفاعلية وتفكك عبر سلاح المقاطعة والعصيان المدني هذا التحالف القذر من تجار الفجور وسماسرة العملات ورؤساء العصابات الإجرامية، وتردعهم عن التمادي في تخريب اقتصاد الوطن والعبث بحياة المواطنين وقوتهم ومستقبل الأجيال القادمة.. انتهى
#فاضل_عزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طرابلس ليبيا.. مَسْرَحَةُ الرّعب..
-
من الخطأ إلى الخطيئة.. 17 فبراير كحالة..
-
عندما تتحول المنابر الى مؤسسات للتضليل..
-
ليبيا..روهنغا على الأبواب..
-
انقذوا حقوق السجناء في ليبيا..
-
قراءة في مشروع دستور ليبيا الجديد (2/... )
-
قراءة في مشروع الدستور الليبي الجديد ( 1/...)
-
الغنوشي.. بريق السلطة يخرجه من دائرة العقل..
-
أضربه على التبن، ينسى الشعير..
-
هذيان عبر الهايكو
-
بل عشيق!
-
(4) بل أقول..
-
(3) نعم تستطعين
-
(2) احلمي عشق زاد
-
غردي عشق زاد..
-
الجشع يجتاح قطاع الطبابة في ليبيا
-
أمريكا والغرب كمناهض للديمقراطية في المنطقة العربية
-
-ثوار- الآفة التي تهدد بزوال ليبيا
-
الأصولية العدو الأخطر على الدين ..
-
الهراطقة يغتصبون المنابر في ليبيا
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|