|
الديمقراطية السياسية
آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 5482 - 2017 / 4 / 5 - 15:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الديمقراطية، ليست كيانًا، قائمًا بذاته ولذاته، كما يتوهم الكثير. إنها أداة، أو وسيلة حكم، أو إدارة "عقلانية" للدولة، في دول محددة، بيدها الثروة والسلطة على المستوى العالمي. يمكننا، توصيفها، بالمنظومة الديمقراطية الاحتكارية، أو جسم سياسي يعمل في خدمة مشروع سياسي فوق وطني، وتتمحور حول السلطة في الدرجة الأولى. أي، لا يمكنها البقاء بمعزل عن حماية الدولة لها. وإذا، تخلت هذه الأخيرة عنها، ستبقى مجرد اسم لا قيمة له. الديمقراطية تأتي تحت السياسي، تحت فيئها، تحت الدولة، قوتها وفاعليتها، تأتي من حماية الدولة لها كما قلنا أعلاه. تستمر، لكون النخبة المالية والسلطة متمسكة بها. هذا لا يعني أن الديمقراطية ليس لها قيمة. قيمتها كونها فاعل سياسي، يعمل على تدوير السلطة، بين الفاعلين المهمين، لتعويم مصادر القوة. بمعنى قوتها ليست منها أو من داخلها، وأنما جاء لها من خارجها. أي ليست ذاتها من ذاتها، وجودها هو خادم للسياسي. بمعنى أنها ليست بمنائ عن النفوق، وليس لها ضمانة من ذاتها أن تبقى على أرض الواقع. فهي لا تملك قوة من ذاتها أو قوة موضوعية تحميها من التجاذبات أو التدمير. بمعنى، أن الديمقراطية، ليست جزءً من مهام الدولة، ومرتكزاتها، أنما دخيلة على الواقع. بوجود الدولة بركائزها، الاقتصاد والسياسة، تتحول الديمقراطية إلى شكل أو واجهة أو غطاء لتصريف الأعمال السياسية والاقتصادية. يثبت الواقع، أن تداول السلطة، يؤدي إلى تعزيز قبضتها، عبر المؤسسة والقوانين، لما فيهما من حمولات سياسية ثقيلة جدًا أكثر، بل، أقسى من الديكتاتورية المباشرة. إنها نمط حكم، أو شكل حكم، يمكن أن تنهار، فيما إذا كان هناك حاجة الدولة لتكسيرها وإلغاءها من الوجود. أضحت الديمقراطية، كلمة سحرية في القرن العشرين، يجري تداولها في أغلب الأوساط السياسية والاجتماعية دون تمحيص أو تنقيح أو أو تقييم دقيق لها. وأصبحت، ممر عفوي، لكثير من الشعوب، والمجتمعات الإنسانية، على الرقعة الجغرافية الواسعة، لهذا الكوكب الذي نعيش عليه. وبسبب بريقها، انهارت أنظمة، ودول، وأحلاف. وليرفع الغطاء، عن دول قوية، لتنزل القهقري إلى مواقع الدول الإقليمية، مكانة سياسية، واقتصادية، واستراتيجية. نتناول، مفهوم الديمقراطية، بالكثير من الإعجاب والتقدير والاحترام، كأنها نوع من المسلمات المقدسة. أي، أننا ننظر إليها على أن مضمونها إنساني متكامل. أي، غير سياسي. ومن النافل بالنسبة لهؤلاء، أن نحلل هذا المفهوم، ووضعه على المحك، أو محاولة دراسته، أو تقييمه، أو معرفة علاقته بالدولة والمجتمع. يمكننا طرح السؤال التالي بكثير من البراءة: لماذا جرى استخدام وتعزيز الديمقراطية في البلدان المركزية؟ ولماذا يقتصر أدائها على الجانب السياسي فقط؟ بمعنى، لماذا لم تحاول هذه الدول، الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا الغربية، وكندا واستراليا ونيوزيلاندا، التي تتبنى الديمقراطية كشكل أو وسيلة حكم، منذ عشرات العقود، أن تطور، أو محاولة، إدخال التعديل عليها بعد أن ترهل هذا المفهوم وشاخ؟ ولماذا، جرى استبعاد الديمقراطية الاجتماعية من التغلغل في العمق الاجتماعي في هذه البلدان؟ ولماذا تم اقتصار الديمقراطية على البعد السياسي فقط دون غيره؟ ولماذا، يحتكرها طرف واحد في العالم, هو الطرف الذي يملك التكنولوجيا الأحدث وعصر ما بعد الحداثة. إن الحاجة إلى تطوير الديمقراطية، ونزع الاحتكار عنها، وإدخال الاصلاحات السياسية على الواقع الدولي، بات من الضروريات الملحة في عالمنا المعاصر. لم يعد كافيًا، أن تبقى الديمقراطية السياسية واجهة، وكأنها، كلية القدرة، لا يسمح أن يتسرب أي شيء إلى بنيانها من الداخل أو الخارج. أو محاولة، إدخال تغييرات فيها، خوفًا، من فقدان الحظوة السياسية والاقتصادية التي يتمتعون بها، أو خوفًا من فقدان الهيمنة والسيطرة، على المناطق المهمشة في العالم. إن الديمقراطية السياسية، جعلت المواطنين متساويين، شكلًا أمام القانون، في خضوع تام لقانون السوق، وقيم السوق. إنها خادم للمؤسسة، هذا الصنم، خادم النخبة المالية والسلطة والقوة، الذي شيء الإنسان، وقزمه، وحوله إلى مجرد سلعة رخيصة. سلعة لا روح فيها ولا عقل. كيف يمكن أن تكون دولة ديمقراطية، وفيها جهاز مخابرات، هو الأقوى على مستوى العالم، قبضتها الأمنية، تطال دول كبيرة، ورؤوساء دول، وتزيح رؤوساء، وتتدخل في شؤون دول أخرى، وتساهم في الانقلابات العسكرية، وتتدخل عسكريًا في بلدان صغيرة، العراق وأفغانستان، كمثال. ومن داخل النظام الديمقراطي، صعد نجم الكثير من السفاحين، كهتلر، ومنظرين استراتيجيين يعملون على تفعيل القوة والسيطرة على المناطق الضعيفة، ككيسنجر وبريجنسكي وهنتكون ورامسفيلد ومكارثي. لقد، كرست، الدول الدول الديمقراطية، الأنظمة الاستبدادية في العالم الثالث منذ بعد الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم، وما زالوا، يدعمون بقاءهم. كلنا يذكر، عبد الحميد السراج، الذي قبض على الدولة السورية، في عز مجدها الديمقراطي، وحولها إلى دولة بوليسية، تأتمر بأمره. أدخل المثقفين والكتاب ورؤوساء الأحزاب إلى الأقبية والزنازين. ومارس أسوأ أساليب التعذيب. وجهز الأرضية المناسبة لترسيخ الدولة الأمنية القادم. واضعف الدولة من الداخل، ووضعها على طبق من ذهب، في خدمة الدولة الأمنية المصرية، بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، ومن جاء بعده. لهذا علينا التذكير، أن السلطة كمفهوم، لا تتماهى إلا مع ذاتها. بمعنى، لا تقبل لها شريك في الحكم من داخلها. وسؤالنا يطرح: إذا كانت الدولة نخبوية، لماذا قبلت بالديمقراطية السياسية، وادخلتها في شؤونها، وما الغاية من ذلك؟ هذا السؤال مهم وضروري. إن، نجاحات البلدان الديمقراطية، لا يعني أن لها قوة ذاتية تحميها من التقلبات السياسية الداخلية أو الخارجية. بوجود، المؤسسات النخبوية، ذات التعقيدات الذاتية، التي تسمح لها في ضبط المجتمع، بصرامة وقسوة، عبر قوانين نخبوية، تجعل الفرد، يمتثل مرغمًا، لما تريده منها بدقة متناهية، أو يكون مصيره العزل والتهميش. وهذه الديمقراطية، جاءت لحماية قطاع الأعمال، والبنوك، والشركات المحلية، والعابرة للحدود من أجل تدوير الاقتصاد بسرعة، وتحقيق عائدات مالية سريعة، تدر الضرائب العالية على الدولة. بوجود السلطة، تقبض على القرار الاقتصادي والسياسي، ستبقى الديمقراطية عارية من الحماية الفعلية. بل، ستبقى، كذبة كبيرة، إذا بقيت حكرا على النخبة المالية والقوة, وفي بلدان محددة ومحدودة. بشكل أوضح، لن تستقر الديمقراطية السياسية إذا لم تقترن بالديمقراطية الاجتماعية، وتمتد إلى بقية أطراف المعمورة، وتكون جزء من البناء الاجتماعي لجميع المجتمعات. وإلا، ستبقى مجرد غطاء لنشاط محتكري المال والسلطة، وتجار الحروب والقتل، خارج حدود دولهم. لا يمكن، أن تكون الديمقراطية، قيمة إنسانية، ما دامت متوحشة، خارج حدود بلادها.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية قبلة يهوذا
-
محنة اليسار
-
قراءة في رواية سيرة الانتهاك
-
الاغتراب في رواية
-
النظام الدولي بعد الحرب الكبرى
-
حكاية حنا يعقوب
-
الحرب الأهلية في رواية ذهب مع الريح
-
في مقر منظمة العفو الدولية
-
خبايا العولمة
-
جيلبريت سينويه وابن سينا
-
عدت والعود ليس أحمدُ 4
-
عدت والعود ليس أحمدُ 3
-
عدت والعود ليس أحمدُ 2
-
عدت والعود ليس أحمدُ
-
السلطنة العثمانية والجنوح نحو الغرب
-
الثورة والتواصل الاجتماعي
-
الخروج من المأزق الوطني
-
رسالة إلى صديقي
-
الملك السويدي إيريك الرابع عشر
-
الأرض المحرمة النهاية
المزيد.....
-
ماذا فعلت الصين لمعرفة ما إذا كانت أمريكا تراقب -تجسسها-؟ شا
...
-
السعودية.. الأمن العام يعلن القبض على مواطن ويمنيين في الريا
...
-
-صدمة عميقة-.. شاهد ما قاله نتنياهو بعد العثور على جثة الحاخ
...
-
بعد مقتل إسرائيلي بالدولة.. أنور قرقاش: الإمارات ستبقى دار ا
...
-
مصر.. تحرك رسمي ضد صفحات المسؤولين والمشاهير المزيفة بمواقع
...
-
إيران: سنجري محادثات نووية وإقليمية مع فرنسا وألمانيا وبريطا
...
-
مصر.. السيسي يؤكد فتح صفحة جديدة بعد شطب 716 شخصا من قوائم ا
...
-
من هم الغرباء في أعمال منال الضويان في بينالي فينيسيا ؟
-
غارة إسرائيلية على بلدة شمسطار تحصد أرواح 17 لبنانيا بينهم أ
...
-
طهران تعلن إجراء محادثات نووية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|