|
سفسطة أخوة الشعوب
ماجد ع محمد
الحوار المتمدن-العدد: 5481 - 2017 / 4 / 4 - 14:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عقب تبيان رئيس حزب الحرية الكردستاني PAK مصطفى أوزجليك سبب وموقف حزبه وحزب PSK لكلمة (لا) للتعديلات الدستورية في تركيا، وحيث كان من ضمن أسباب لاءاتهم ورفضهم للتعديلات الدستورية هو أنه بكل النقاط المتعلقة بالتعديلات الدستورية التي من المحتمل أن تعرض على الاستفتاء لإقرارها بشكل نهاني في الشهر الجاري، والتي بموجبها سيتم لإقرار نظام رئاسي في الحكم يمنح الرئيس رجب طيب أردوغان صلاحيات رئاسية واسعة، فقال أوزجليك أنه فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية لم يتم ذكر الكرد فيها مطلقاً، ولا شملتهم أية نقطة منها مع أنهم من الأصحاب الحقيقيين لتراب الدولة التركية، ولا تم مناقشة أية جهة كردية بأي نقاطٍ منها، فوضّح أوزجليك إذن سبب قولهم لـ: (لا) للتعديلات الدستورية في الكونفرانس الخاص بتلك المناسة والذي انعقد بعد ظهر يوم الأحد في فندق "هل هوتيل" في تقسيم بمدينة اسطنبول التركية. ولكن ما لفت انتباهي هو رأي حزب الشعوب الديمقراطية وموقفهم من التعديلات الدستورية نفسها والذي أورده أوزجليك في سياق كلمته قائلاً: أن الحزب المذكور حيال تلك التعديلات يقول: "نقول لا من أجل الجمهورية الديمقراطية، ولا من أجل الشعب الديمقراطي، ومن أجل الأخوة والتعايش المشترك بين شعوب تركيا نقول لا" حقيقة هذا الموقف الضبابي الذي أشبه ما يكون بتفسير الماء بالماء لم يذكرني إلا بفلسفة السفسطايين، أو الكهان في سجعهم الذي كان يركز فقط على طريقة أداء الكلام من دون إعطاء أدنى اهتمامٍ لمضمونه. فبالرغم من أن السفسطائيون كانوا قد وجدوا في بلاد الإغريق قبل الميلاد، إلا أن شعوب منطقتنا لا تزال تستعين بالجانب التمويهي لفلسفتهم تلك، وخاصة تلك الأحزاب السياسية التي لا أهداف استراتيجية أو رؤى واضحة وعلنية لديها، وتاريخياً معروف أن سقراط كان أحد أهم أقطاب الفلسفة الاغريقية ممن تصدى لهم بقوة في حينه، وذلك بسبب خطورة الآراء التي كانوا يشيعونها بين الناس، إذ أن السفسطائيون كطائفة من المعلمين المتجولين في عهد الإغريق كانوا قد احترفوا مهنة تعليم الناس لطُرق القولِ وفنون الكلام، ومن ضمن آرائهم أن على المرء أن يتحاذق في فن الإقناع، لكي يستطيع أن يجذب الغير إلى جانبه في مجال الجدل والخصام، أو يؤثر في الحكام ليحكموا حسب ما تقتضيه مصلحته الخاصة، وذلك سواءً أكان حقاً أم باطلاً، على مبدأ( التجارة شطارة) أو (ساعة لك وساعة لربك) ووفق زمننا هذا هو تحويل قاعدة الغش والتدليس والخداع والنفاق من عملٍ مذمومٍ مستحقرٍ مدانْ إلى اسلوبِ عملٍ محمود. ومع أن السفسطائيون حسب الدارسين قد خدموا الفكري البشري من خلال قولهم: إن "الإنسان مقياس كل شيء" موجهين الأنظار بذلك نحو دراسة الإنسان كمحور كوني من كل النواحي، إلا أن أصحاب السفسطات السياسية الراهنة يبدو أن لا غاية مرجوة لديهم غير تضليل الإنسان والمساهمة في تشويه وعيه، وذلك باعتبار أن المبتدعين الحاليين حالهم حال الكثير من الشعراء، الذين على المرء أن لا يأخذ بآرائهم محمل الجد، باعتبار أنها غير واضحة المرامي والغايات والمعاني، وعلى المرء أن يتعامل مع ما يكتبونه فقط كنوع من أنواع الفنون القولية التي تجلب المتعة للسامع أوان القراءة أو الاستماع فحسب، ولا يُرقي ما يقولونه إلى مستوى النظرية أو القاعدة أو الحكمة. إذ من بين الديباجات التي غالباً ما كانت الأقرب إلى السفسطائية من الحق والمنطق، هي الشعارات التي رفعها حزب العمال الكردستاني وروافده في كل من تركيا وسوريا وحيثُ تواجدت فروعهم التنظيمية، واعتمادهم منذ الظهور الأول لهم على كلمات غير قادرة على التطبيق على أرض الواقع كحال الرجل الذي تراه في الاشتباكات بالحجارة، لا يهم إلاّ برفع ما كان كبيراً من الحجارة التي هي أصلاً لا تنفع للقتال بها، باعتبار أن من يود رمي الحجرِ يحمل ما كان قادراً على القبض عليه بالكف الواحدة وليس تطويق الصخرة للايهام بأنه يسعى لحملها واستخدامها في الرشق المتبادل بالحجارة، وهو حقيقة شرط مَن لا يريد أن يفعل أي شيء، ولكنه مصرٌ على إيهام عترته بأنه قادر على فعل كل شيء، وحيث اليوم وبعد أن استُهلك مصطلح التحرير والتوحيد راحوا يعتصمون بشعارٍ قديمٍ جديد ألا وهو (اخوة الشعوب)، وهو للاستمرار ربما بإيهام أنصارهم بأنهم يناضلون من أجل شيء لا هم يعرفون الجدوى منه ولا الشعب يعرف. وفي هذا الخصوص كثيراً ما كنت أتذكر تلك العبارة التي كان يركز عليها السياسي الكردي صلاح بدرالدين سكرتير حزب الاتحاد الشعبي الكردي، إذ كان الرجل حريصاً على تداول شعار (الأخوة العربية الكردية) لعدة سنوات في أغلب الكتابات والندوات والنشرات الحزبية، وكنت أتساءل بيني وبين نفسي ياترى هل ثمة حزب عربي واحد رفع مثل هذا الشعار يوماً؟ أو تبناه تنظيم من التنظيمات العربية، وهل ثمة دولة عربية تعطي أهمية ولو ضئيلة لمثل هذا الشعار؟ وهل ثمة رهط من المثقفين أو الكتاب أو الفنانين العرب اقتنع بمثل هذا الشعار؟ أم أنه شعارٌ لم يرفعه إلا متسولو الأخوة!؟. وهاهي اليوم منظومة حزب العمال الكردستاني بفروعها وروافدها ترفع ذلك الشعار بمناسبة وبدونها، وطبعاً من غير أن يعطي الآخر المُستجدى منه الأخوة أية قيمة للشعار المذكور، بل وغدا ذلك الشعار كجملة (الأمة الديمقراطية) لازمة موسيقية ترافق الأقانيم الأوجلانية كأسم (آبو) وهي على كل حال سفسطة جديدة تستخدمها المنظومة الأوجلانية للاستمرار في تضليل الناس إلى أجلٍ غير مسمى، لأننا نتصور بأن لأخوة الشعوب شروط ومعايير ومقومات، وهي حالياً غير متوفرة بين الكرد والشعوب المجاورة، وربما لا تتوفر تلك المقومات في المدى المنظور، وذلك باعتبار أن الأخوة بين الشعوب ليست كلمة تقال، إنما قانونياً لا تقوم إلا بناءً على ما جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك ما جاء في مبادئ الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون التي قدمها للكونغرس الأمريكي في 1918، والمؤلفة من 14 مبدأ للسلم، وحيث جاء في البند الثاني عشر منه "إعطاء الشعوب الأخرى في تركيا حق تقرير المصير". وفي الختام نقول بأن كلمة الأخوة لا تقال قط لمن كان يرى نفسه عبداً والآخر سيّد، ولا لِمَن كان سيّداً والآخر عبداً له، لأن مَن كان بمثابة العبد فيما يصر أحدهم القول له: بأنه سيجعله أخاً للسيدِ، وذلك إرضاءً لمن كانوا من ملة السيد وخداعاً لملة العبيدِ، هو عملياً يكذب على العبدِ والسيّد معاً، فيكذب على السيّد، لأنه من خلال هذا الشعار الوهمي يحاول انتزاع شيءٍ ما والاستحواذ على شيءٍ يخصه هو من السيدِ على حساب العبدِ، ويكذب على العبدِ لأن ما من اخوة تاريخية حصلت بين عبدٍ وسيد، إنما قبل ديباجة الأخوة وخداع العبدِ بها، على العبدِ أن ينعتق أولاً ومن ثم يقرر هو إن كان يود أن يكون بمثابة الأخ لسيده أم لا، أما والعبدُ لا يزال حاملاً في رقبته نير العبودية، وبدلاً من السعي لتحريره من ذلك النير، يأتي من يضلله بهذه البهارات القولية السفسطائية، فمعناه أنه ينوي جعل حالة العبودية القائمة ثقافة لدى مَن كان بمقام العبدِ، بحيث يرضى بها، يستسيغها، يتأقلم معها، ولا يفكر قط بالانعتاق من سطوة وجبروت هذا السيّد، إنما بوده أن يجعله كائناً مازوخياً يستطيب مناخ الدونيةِ، ويستلذُ بالعبودية إلى أبد الآبدين.
#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيامند حاجو: تحولت ميليشيات PYD إلى ذراع أمني لنظام البعث في
...
-
ولاءُ الكلابِ والشعب للسلطة (2)
-
ولاءُ الكلابِ والشعب للسلطة (1)
-
نوروز الإمارات بعيداً عن مناطحات الأحزاب
-
شرعية ولا شرعية الإدارة الذاتية
-
آذار وحال الوعي قبل الثورة وبعدها
-
في مرمى الخط الثالث
-
ما بين شنكال ومنبج
-
السياسي الكردي بين التهور والموضوعية
-
لا تزال الدول الكبرى متفقة فيما بينها على استمرار الحرب في س
...
-
عنايت ديكو: لا تزال الدول الكبرى متفقة فيما بينها على استمرا
...
-
(E N K S) وتجربة المعارضة العراقية
-
اختيار الأسد نكايةً
-
كاميران حاج عبدو: يبدي مخاوفه من إعادة إنتاج النظام بسبب است
...
-
إيران وإسرائيل العاشرة
-
عفرين بدلاً من الباب والرقة
-
كاميران حاج عبدو:غياب P Y D عن الأستانا عائد لتخلي حلفائه عن
...
-
السموم العابرة للحدود
-
مُستحمراً كالبُلهاء
-
عزاء صائد الدواعش
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|