|
دماء على كرسي الخلافة -5-
علي مقلد
الحوار المتمدن-العدد: 5481 - 2017 / 4 / 4 - 14:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مثل شجرة خبيثة، تناثرت بذورها في أرض الثقافة الإسلامية منذ مئات السنين، لكنها لا تزال تطرح إرهابيين ومجرمين وقتلة ، يرفعون شعارات براقة، وهم أبعد ما يكونون عنها، إنها شجرة الخوارج التي نبتت وأينعت وترعرعت في غبار المعارك التي خاضها الرعيل الأول من المسلمين من أجل السلطة "كرسي الخلافة"، تلك الشجرة الملعونة هي أساس كل الجماعات الإرهابية التي ظهرت في التاريخ الإسلامي، نفس التشدد والتزمت والتطرف والإرهاب، هؤلاء الذين يصومون النهار ويقومون الليل ويتشددون في صغائر الأمور، لكنهم في طريق البحث عن السلطة وإقامة "دولة الخلافة " - وفق مفهومهم - يرتكبون كل الموبقات من قتل وقطع رقاب وبقر بطون وتغريق وتحريق للمخالفين لهم، وإن كانوا من نفس الدين ويشاركونهم نفس الملة والشعائر، وما "داعش" و"بيت المقدس" و"القاعدة" والإخوان والسلفيين والجهاديين إلا أبناء شرعيين، ولدوا من رحم الخوارج، وإن حملوا مسميات مغايرة، وإن ادعوا غير ذلك ، فأفعالهم واحدة وإجرامهم متطابق .
كنا قد وقفنا في المقال السابق عند هدنة التحكيم، تلك التي وافق عليها الطرفان المتصارعان على السلطة، الخليفة الرابع علي بن أبي طالب والأمير المتمرد معاوية بن أبي سفيان، عقب انتهاء "معركة صفين" والتي أسفرت حسب بعض الروايات عن مقُتل نحو سبعين ألف مسلم، منهم خمسة وأربعون ألفاً من جيش معاوية، وخمسة وعشرون ألفاً من جيش علي، وها نحن نصل إلى شلال جديد يتفجر بالدم، ويتمثل في "معركة النهروان" والتي شهدت ميلاد قوة جديدة في الصراع على السلطة خارج دائرة الصرع القرشي القرشي، والقول بأن منصب الخليفة ليس حكراً على القرشيين، بل مشاعا لكافة المسلمين شرط التقوى، إنها "جماعة الخوارج" التي تعتبر بحق العباءة التي خرجت منها كل جماعات الإسلام السياسي على طول التاريخ الإسلامي، جماعات تمارس القتل والنهب والسلب وانتهاك الأعراض للوصول إلى "تحكيم شرع الله وإقامة الخلافة الإسلامية" .. يا لها من مفارقة.
أثناء عودة جيش علي من الحدود العراقية السورية، إلى دار الخلافة في الكوفة، تبلورت مجموعة رافضة لهدنة التحكيم ، وأخذوا يلومون علياً لقبوله بالهدنة، ومن ثم دخلوا في نقاش حاد بينهم وبين المؤيدين لعلي لدرجة التشابك بالسياط والشتائم فلما وصل الجيش إلى الكوفة انحاز الخوارج إلى قرية يقال لها حروراء قريبة من الكوفة، ولذلك يطلق على الخوارج أو بعض فرقهم "الحرورية"، وكانت أول مجموعة انشقت عن جيش علي بن أبي طالب تضم حوالي اثني عشر ألفًا، وقد نصّبوا عليهم أميرًا للقتال وآخر للصلاة، وأعلنوا العداء لرفقاء سلاحهم بالأمس واستعدوا لمنازلة جيش علي باعتباره جيشا لا يمثل الإسلام.. هكذا ولدت الفكرة، فكل فريق متطرف لا يرى أحداً يمثل السماء سواه وجماعته.
في البداية حاول الإمام علي إعادتهم إلى جادة الصواب، أملا منه في وقف نزيف الدماء، وبالفعل أرسل إليهم رسلاً كان منهم عبد الله بن عباس، الذي أدار حواراً طويلاً عن عودة قرابة الستة آلاف من الخوارج إلى بيوتهم أو إلى جيش علي، لكن الباقين بدءوا في فرض سيطرتهم على منطقة، وراحوا يمارسون سطوتهم وسيطرتهم ويجبرون الناس على مبايعتهم على غرار ما تفعله كل الجماعات الإرهابية المسلحة في كل مكان وزمان، هكذا كان الخوارج وقد بدءوا في سفك الدماء المحرمة، ولعل أول حادث بشع لهم كان مقتل عبد الله بن خباب بن الأرت، وهو ابن أحد الصحابةالسابقين في الإسلام وكان النبي عليه الصلاة والسلام يفرش لخباب رداءه ويقول :(أهلاً بمن أوصاني بهم ربي) ، لكن الإرهابيين لا يرقبوا في أحد إلا ولا ذمة، فكل الناس عندهم كفرة مارقون، يستحون أبشع أنواع القتل ،وهو ما فعلوه مع عبد الله بن خباب حيث قاموا بقطع رقبته وبقر بطن زوجته الحامل – هكذا تفعل داعش ومن على شاكلتها، إنهم ذرية ملعونة بعضها من بعض، ذرية كفرت بكل القيم الإنسانية وتلبستها شياطين الإجرام، ولما زاد عنف الخوارج، وبدءوا في إثارة الرعب بين الناس من ناحية واستهداف أنصار علي من ناحية أخرى، حدثت المعركة الأولى لهذه الفرقة في العام 38 هجرية، ورغم قلة عددهم لكنهم قاموا بما يشبه العملية الانتحارية، فقد كانوا نحو ألف مقاتل وجيش عليا جيش جرار ويمتلك السلطة، لكنه الخروج رفعوا شعار "لا حكم إلا لله... الرواح الرواح إلى الجنة"، وقذفوا بأنفسهم إلى حرب غير متكافئة فأجهز عليهم جيش علي، فلم يتركهم إلا بين قتيل وجريح لدرجة أن بعض الروايات تقول أنه لم ينج من المعركة سوى عشرة أفراد فروا بأنفسهم من لهيب الحرب، لكن تساهل علي بن أبي طالب في عدم ملاحقة الخوارج أغراهم بالتكاثر والانتشار فيما بعد وكونوا جماعات متشظية وعنقودية تسببت في سفك دماء المسلمين وغير المسلمين وأشاعت في الأرض الفساد،ولعل من أخطاء الخليفة الرابع أنه قال لأصحابه لا تقاتلوا الخوارج من بعدي وقال قولته المشهورة "ليس من طلب الحق فأخطأه – يقصد الخوارج- كمن طلب الباطل فأدركه – يقصد معاوية- ولعل بن أبي طالب كان يرى في ترك الخوارج مغنما حيث كان يتوقع أنهم سيقاتلون الأمويين كما يقاتلونه ،لكن فات علي أن من ربى ثعبانا في حضنه يوما ما سيلدغه. بيد أن بعض من الباحثين يرى أن الخوارج رغم تطرفهم وتشددهم ، إنهم من الزهاد والعباد ،وأن ثورتهم كانت خالصة لله تعالى، ولم يكن للدنيا في تفكيرهم أي نصيب،وذلك بسبب شعاراتهم وأحاديثهم عن الآخرة وأن جهادهم إنما هو لله وليس لأجل الدنيا ، لكن المتصفح لتاريخهم بعين مدققة ، يرى أن الدنيا كانت تستأثر على جانب كبير من تفكيرهم، كما أنهم خلطوا عصبيتهم القبلية ومفاهيمهم الجاهلية بمفاهيم الإسلام ، كما تفعل كل الجماعات الإرهابية ،كذلك السلطة والثروة لم تكن بعيدة عن تفكير الخوارج كما هي الحال لدى داعش والإخوان والسلفيين ، فمجرمي الخوارج كانوا يرتكبون الجرائم وموبقات في حق الأبرياء حتى النساء والأطفال، حتى قبل معركة النهروان أي قبل أن يضعوا لأنفسهم منهجاً عقائدياً يبيح لهم تلك الجرائم ،ويرى بعض المؤرخين والباحثين أن من جملة ما نقموه على علي بن أبي طالب أنه لم يقسم بينهم السبي في حرب الجمل، كما قسم بينهم الغنائم ، كما أنهم كانوا أيضا مغالون لدرجة الكذب على الدين نفسه فقد حكى أحد المنشقين عنهم ، أنهم كانوا إذا هووا أمراً صيروه حديثاً ،كما أن قادة الخوارج لا يطبقون التعاليم المشددة على المقاتلين البواسل في صفوفهم ،فقد ورد أن نجدة الخارجي أحد غلاة الخوارج كان أتباعه لم يعاقب رجلاً كان يشرب الخمر في معسكره، بحجة أنه شديد النكاية على العدو، كما أن عبيدة بن هلال كان مولعا بامرأة حداد وعلى علاقة محرمة بها فلما فشا أمره بين الناس ، احتال قطري بن الفجأة الذي اختاره الخوارج خليفة للمسلمين في المنطقة التي يسيطرون عليها ، لتبرئة الزاني حتى لا ينهار التنظيم وتشوه دولة الخلافة التي أعلنوها وأوهموا الناس بعدالة قضيتهم وأنهم على الصراط المستقيم ، وغيرهم مارق عن الدين ... هو نفس المنهج ونفس الطريقة التي يسير عليها خوارج العصر من إخوان وداوعش وسلفيين وجهاديين ، شعارهم الدين وهدفهم السلطة والثروة ولو ارتكبوا من أجل ذلك كل الجرائم . في المقال القادم نتوقف عند فكر الخوارج وعلاقته بالجماعات الإرهابية في الوقت المعاصر، وكيف كانت أفكارهم سببا في إراقة الدماء، بحثا عن "كرسي الخلافة".
#علي_مقلد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دماء على كرسي الخلافة 4
-
دماء على كرسي الخلافة – 3
-
دماء على كرسي الخلافة – 2
-
دماء علي كرسي الخلافة - 1
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|