أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الامبريالية، الشمولية، السلفية؛ وماذا بعد؟















المزيد.....

الامبريالية، الشمولية، السلفية؛ وماذا بعد؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1438 - 2006 / 1 / 22 - 12:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


مثلما ارتبطت الرأسمالية بالامبريالية والفتوح الاستعمارية، ارتبطت اشتراكية القرن العشرين بالنزعة الدولانية والشمولية. يتملك الرأسمالية دافع لا يقاوم نحو التوسع والفتوح، ترك، بعد قرون من ممارستها، أثرا هائلا على الثقافة الفكرية والأخلاقية، على شكل عنصرية وتعصب وأنانية واستعداد للفتك و"الاستخدام غير المتناسب للقوة". وتظهر هذه المنازع على السطح حين يتجاسر أحد على تحدي السيطرة الغربية، وبالخصوص إن كانت قوته غير متناسبة مع قوة وسمعة المهيمنين الغربيين. أما مشكلة الاعتراض الشيوعي فهي الشمولية، وهذه نظام امبريالية داخلية، تحفزه نزعة توسعية سياسية وعقيدية، لا ترتاح دون اختراق جوانب الحياة الاجتماعية كافة.
ولعلنا نستبين اليوم أن الشمولية الشيوعية من النموذج الروسي لم تكن منقطعة الصلة تماما بالنزعة الاستعمارية في عصر الامبريالية في الربع الاخير من القرن التاسع عشر: فكلاهما تحمل رسالة تحضيرية إلى متخلفين ما، لم تولد الرسالة عن خبرتهم ولا تستفيد منها. إنهم الطبقة العاملة الغارقة في "عفويتها" و"تريديونيونيتها"، والتي لا تتحول قوة ثورية إن لم ينقل إليها الوعي من خارجها، والنقل هذا هو "عبء الرجل الشيوعي" أو رسالته التاريخية؛ أو هم الشعوب الملونة التي يمثل نقل الحضارة إليها "عبء الرجل الأبيض". وفي أرضية هذا المشترك ثمة الفلسفة التاريخانية الوفية لعقيدة التقدم، والتي أنجبت الشيوعية والاستعمار.
أما حركات التحرر الوطني فقد أخفقت في تقديم نموذج اجتماعي مختلف. مصر حركة عدم الانحياز شاهد على ذلك. وفي العالم العربي تولّد من فشل نظم الشمولية الشرق الأوسطية والنظم الأبوية التقليدية حركات سلفية مجاهدة، تحل محل النزعات القومية المقاتلة التي أدركها الهرم في صنف النظم الأول، وتمثل معادلات لحركات التحرر الوطني في الصنف الثاني الذي لم يعرف هذه الحركات في تاريخه. انتهى القرن العشرون بهزيمة النموذج الشمولي، وبتحول إرهابي للجهادية، وتحول امبريالي جديد للرأسمالية المركزية.
ومن الواضح أننا لا نملك اليوم صورا للتنظيم الاجتماعي والعالمي تخرج على ذلك الثالوث القدري الذي واجه طرفاه الرأسمالي والجهادي الطرف الشيوعي حتى أسلم الروح، قبل أن يتجابها في معركة حياة أو موت مثل 11 أيلول 2001 ذروتها. فهل سيستطيع القرن الحادي والعشرين اجتراح عالم أو نموذج ريادي عالمي متحرر من الامبريالية ونظرياتها عن "عبء الرجل الأبيض" أو "تصدير الديمقراطية" أو "الرسالة التحضيرية" من جهة، و"العنصرية" من جهة أخرى؛ متحرر كذلك من الاستبداد العقيدي والدولة المربية الذي سميناها الشمولية؛ متحرر أخيرا من تعصب الأصولية وانعزاليتها؟ من يدري! المستقبل لا يمكن التنبؤ به.
ينفرد "الشرق الأوسط" بأنه يجمع بين الخضوع للسيطرة الامبريالية وبين الشمولية، وإن تكن هذه والحق يقال من النموذج الشرق أوسطي. وتتكون الشمولية الشرق أوسطية من حقن منطق الاستبداد العقيدي (نفضل لها تسمية الطغيان المحدث)، سواء كانت العقيدة دينية أو دنيوية، وسواء كانت تقوم على حزب واحد أو ترفض مفهوم الحزب أصلا، بمنطق العلاقات والروابط الأهلية وآلياتها الولائية والمحاسيبية. وإلى هذين البعدين الذي رصدهما فالح عبد الجبار في مفهومه للشمولية الجديدة، قد يضاف عامل لا يمكن السهو عنه أعني التدويل، أو الحضور المهم والمميز والتأسيسي لـ"العامل الخارجي" في صنع التفاعلات الشرق أوسطية وتوجيهها وضبطها. ويتكثف هذا الحضور في إسرائيل التي كانت على الدوام قوة نازعة للاستقرار، وخارجية سياسيا وثقافيا.
يخفف التداخل بين منطقي الدولة التدخلية المربية والروابط الأهلية من وقع السلطة الشمولية ويرسخها في الوقت نفسه. فالطوائف والإثنيات والقبائل تحد من الاختراق الشمولي، لكن فقط بقدر ما تتحول هي ذاتها إلى منظمات شمولية، أي بقدر ما تكفل نزع الإرادة السياسية من أفرادها وردهم إلى رعايا لنظام الطغيان المحدث هذا. أما العامل التدويلي فيقلل من حاجة الدولة إلى المجتمع، خصوصا إن تعزز بالريع الاستخراجي، أو يمنح لأنظمة أخرى ريعا سياسيا، يضمن أمنها ويكفل بقاء ها ويغنيها هي الأخرى عن مجتمعها. في الحالين تنفصل حركية الدولة عن الحركية الاجتماعية، وتفقد المجتمعات المحكومة القدرة على التأثير على مصير النظم الحاكمة.
على أن ما يميز "الشرق الأوسط" ليس المزيج من شمولية نوعية ومن نفوذ امبريالي كثيف فقط، بل كونه مسقط رأس السلفية الإسلامية المحاربة التي يعكس نشوؤها فشل تكون الدولة الأمة في المنطقة. وللسلفية هذه أيضا نسختها من "المتخلفين"، كفارها أو أهل جاهليتها، ورسالتها أيضا منفصلة عن خبرة من يفترض بها هدايتهم، ووعيها تاليا منقول لهم من الخارج، خارج التجربة. وهي تستجيب لتاريخانية معكوسة تضع سقف التاريخ في الماضي.
لكن قد تكون السمة الأبرز للشرق الأوسط في مطلع القرن الحادي والعشرين هي أنه يحتل موقع طليعيا في "عودة الاستعمار". فالمنطقة هي "جوهرة تاج الامبراطورية الأميركية"، حسب تعبير جويل بنين، على غرار ما كانت الهند جوهرة تاج الامبراطورية البريطانية. وثمة صيغ احتلالية أو شبه احتلالية تعود إلى الخليج والعراق وأفغانستان، وتتعزز بأشكال استتباع اقتصادية ومالية ودبلوماسية وأمنية لا تكاد تسجل فرقا مهما عن السيطرة العسكرية والسياسية المباشرة. هذا دون أن ننسى أن سمة السنوات التالية لهجمات 11 أيلول في الشرق الأوسط هي خفض سيادة دوله جميعا، وإن بدرجة متفاوتة، لمصلحة الأميركيين أساسا، لا لمصلحة تشكلات إقليمية ولا منظمات دولية ولا تدخلات إنسانية. وإلى ذلك كله، البلاء الإسرائيلي المقيم، الذي تجتمع له صلة عضوية بالمركز العالمي المهيمن، وجبروت عسكري قادر لأول مرة على إبادة الشعوب الأخرى جميعا في هذا المركز العالم القديم، وعنصرية متعضية إلى درجة أن ابرز تعبير عنها هو إثبات عنصرية أو لا سامية كل من قد يجازف بالكلام عليها.
انتهت الشمولية الشيوعية بالتحول نحو رأسمالية قرن تاسع عشر في المركز الروسي، ورأسمالية قرن عشرين في أوربا الشرقية بفضل الحضانة الأطلسية (الصين وحدها تبدو مرشحة للتحول إلى رأسمالية مركزية). واستعادت الرأسمالية المركزية سيرتها الاستعمارية والعنصرية (عنصرية اليوم ثقافية وحضارية، وليست عرقية) وتصلبها الرجعي. وتحتضر الشموليات الفاشلة في الشرق الأوسط، لتسلم مجتمعاتها إلى رأسمالية نهب وحشية أشد بدائية من رأسمالية مطلع القرن التاسع عشر، أو إلى الإرهاب والفوضى، أو إلى الهيمنة الأميركية. كلها معا على الأرجح.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غياث حبّاب
- عام سوري قصير ومليء!
- ريجيم، نظام، سلطة: تعليق لغوي سياسي
- عودة الولايات المتحدة عن «الثورية الطفولية» إلى سياسة أكثر و ...
- في أزمة الدكتاتوريات ومستقبل العمل الديمقراطي
- مغزى سياسة -شارع ضد شارع-
- الوطنية السورية: طرح المشكلة
- من أجل جبهة ثقافية ضد الموت
- من الداخل غير ممكن، ومن الخارج غير ديمقراطي؛ كيف التغيير إذن ...
- السياسة الأميركية في -الشرق الأوسط-: من الاستقرار إلى الفوضى ...
- في ذكرى خالد العظم: رائد القومية الاقتصادية في سوريا
- الثالث المأوساوي أو فرص التركيب الوطني الديمقراطي
- تمرين في التربية الشمولية
- نزع مدنية المجتمعات يقوي التطرف والطائفية
- بيان في نزع القداسة عن السياسة
- -قيام، جلوس، سكوت-: مسرح الهوية وتجديد القبلية الثقافية
- مأزق الإصلاحية السورية
- النظام العربي الإسرائيلي
- المقاومة أم الاستسلام؟ بل التغيير
- نظرة إلى أصول سياسة الإنكار السورية


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الامبريالية، الشمولية، السلفية؛ وماذا بعد؟