أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - لن نركع . 10















المزيد.....

لن نركع . 10


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 400 - 2003 / 2 / 17 - 04:14
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


   

              "  أن تكون سجينا ليست هي المسألة،
                    المسألة ألاّ نستسلم"
                ناظم حكمت/ من رسائل السجن.


في حوار بين المفكر السويسري جان زيغلر وبين المفكر الفرنسي ورفيق جيفارا  ريجيس دوبريه أجرته محطة إذاعة " فرنسا كلتور" وبث في حلقات  ونشر في كتاب في باريس سنة 94 تحت عنوان" كي لا نستسلم" يقول زيغلر في بداية الحوار واضعا رأيه في صورة سؤال مموه:

  ـ "  ما يذهلني، ياريجيس دوبريه، كمثل انطباع يتولد لدي دون أن أدرك مراميه بوضوح، هو نوع من التناقض الجوهري نحياه اليوم، مهما اختلفت انتماءاتنا الطبقية أو الوطنية أو الجغرافية. فثمة توحيد مصطنع للعالم، وتوحيد للعالم بالصورة والأقمار الصناعية وشركات الاتصالات والمواصلات يتسلل إلى أبعد القرى النائية في شمال شرق البرازيل. للوهلة الأولى نحسب أن مثل هذا التقدم التقني من شأنه أن يحفز ولادة وعي كوني شامل، مع كل ما يترتب على هذا الوعي من معرفة للآخر، والانفتاح عليه، وأدراك الاختلاف وقبوله، لا بل قيام نوع من التضامن مع الآخر الذي ننظر إلى شقائه المقيم ونبصره ونعرفه. والحال أن ما يحصل هو نقيض ذلك. فالفكر التضامني والمؤسسات التي كان من شأنها أن تجسده، والجهات والأحزاب أو الأمميات الاشتراكية وسواها، والتي كانت فيما مضى، حاملة شعار التضامن، تشهد حالة من التفكك والانحلال وأصبحت بالكاد موجودة. لذا يتوجب علينا أن نفهم هذا التناقض... الذي يصدم المخيلة.."

 أما رد ريجيس دوبريه فهو:

" لو نستعيض عن مصطلح التناقض بمصطلح الارتباط المتبادل ـ حسب الرياضيات مٌعامل الارتباط ـ  فماذا لو قلنا: " إن العالم يزداد تشرذما بازدياد وتائر توحيده؟." فكلما تفاقمت عولمة الاقتصاد، تشرذم السياسي. كما لو أن حيز المخيلة يعاد تركيبه على نحو أفضل كلما ازداد تفككه في المجال التقني.

أوليس هذا الاقتلاع بالذات هو الذي يولد معاودة التجذر فيه؟

 إن هذا الحيز هو حيز أمريكي في الجوهر والأساس، وذلك يعمم نمط الحياة والفكر الأمريكي الشمالي. فهي إذا عولمة زائفة لا تبادل فيها ولا تعامل بالمثل.إنها مزحة خشنة..".

إن مخاوف زيغلر حقيقية فهذا المثقف السويسري المنشق على التقليد الوطني الفخور بالطابع المحلي للهوية، يعرّف نفسه كمثقف ينتمي ثقافيا وسياسيا إلى " العالمثالثية"، هذه المخاوف تعكس قوة الضربة التي ألحقت باليسار الأوربي في بداية التسعينات وما صاحب ذلك من غياب أخلاقيات التضامن مع وجود هذا التكثيف النادر للعالم عبر الصورة وهذا الاختزال الكوني عبر الأقمار الصناعية.

 هذا التناقض" أو الاقتلاع" بين تقليص صورة العالم وتحوله إلى قرية كونية، وبين موت التضامن البشري، كما يرى زيغلر، يفسره ريجيس دوبريه في حوار طويل وممتع على إنه ( بالذات هو الذي يولّد معاودة التجذر هذه).    

 وتذكرتُ جان زيغلر يوم أمس وهو يتأمل الجموع الزاحفة في الشوارع من باريس وواشنطن " موطن الوحش" إلى سدني ودمشق والقاهرة وجاكارتا ..الخ...الخ.. في مسيرات احتجاج ضد الحرب.

 ولا بد أن هذا المثقف العنيد والحزين قد شعر بغبطة وبهجة وسرور وهو يرى أن حلمه لم يذهب هباءً، حلمه الطويل الذي كرس له كل عمره وسنوات تدريسه في الجامعة، وسنوات نضاله من أجل عالم جميل، هادئ، حسن الإضاءة، كما عبر أرنست همنغواي عن ذلك يوما.

 إذن أن عودة الرايات الخضراء والحمراء والبيضاء إلى الشوارع من جديد شكّل خيبة غير متوقعة للرأسمالية العالمية التي اطمأنت بعض الوقت على هذا الصمت، وراهنت على موت الضمير البشري، أو في الأقل  لا مبالاته.

كما أن هذه العودة هي رسالة إلى الأنظمة الدكتاتورية في العالم تقول بصريح العبارة: إن المنقذ من الموت والحرب والجريمة هو الديمقراطية التي خرجت يوم أمس في الشوارع ترفض الحرب والعدوان، ولو أن هذه الجماهير خائفة ومرتعشة ومقموعة لما خرجت على هذا النحو الهائل والمفرح.

 ويبدو المشهد، بنظر بسيط غير متعقل وساذج، إن الديمقراطية تنقذ الدكتاتورية من الموت.

إن هذه مفارقة ساخرة وسطحية. فالجموع المحتجة على الحرب كانت تصوت للسلام والصداقة والأمن والحب من جهة، وترفض منطق القسوة والنهب والتدخل من جهة أخرى.

فهل سيتعلم الدكتاتور إن القوة الحامية ليست الأسلحة والسجون والثكنات، بل الديمقراطية التي خرجت يوم أمس في عودة مدهشة لأخلاقيات التضامن بين البشر، وأنه لا يستطيع أن يقاتل بشعب مقموع ومنهك ومهان، إذا بقيت عنده فسحة من الوقت؟.
 أليست هذه مفارقة عجيبة حقا أن الدكتاتورية تنكر وجود أسلحة دمار شامل وتخبئ ما بقى منها، في حين أن الذي يظهر في الشارع العالمي الآن هو الديمقراطية؟!

الأسلحة تختفي والديمقراطية تثبت؟!

لكن ماذا تعني حقا عبارة دوبريه ( هذا الاقتلاع بالذات هو الذي يولد معاودة التجذر)؟

إن ريجيس بعد الخروج من السجن، ومقتل جيفارا الجسدي، وفشل حلم الثورة، وكتابة السيرة الذاتية الروائية" بين نارين وأربعة جدران" وبعد كتابه القيم" نقد العقل السياسي"  وتقدم العمر، وتأمل تجارب العالم، وفحص الذات، صار أكثر نضجا كما يقول هو نفسه، لذا تأتي رؤيته لهذا التناقض عكس زيغلر، في كون هذا التناقض ـ بين تفاقم عولمة اقتصادية، وتشرذم السياسي ـ هو التناقض الموّلد والمنتج لمعاودة صياغة العالم على نحو آخر، مختلف، وهذا التناقض هو الذي سيعيد بناء التجذر فيه.

إن الوحش الذي انطلق بضراوة هذه المرة، وحش رأسمالي شرس، وقف يوم أمس وقفة حزينة ومتألمة أمام الجموع الزاحفة في كل مكان ليعيش خيبة غير متوقعة بعد أن عمل طوال سنوات عديدة على خلق صورة عالم ساكن يائس يلوك احتضاره بصمت.

إنها العلامة والشارة على أن الضمير العالمي ما يزال حيا رغم الجراح والأقمار الصناعية والتضليل والحرب النفسية وقوة الشركات ما فوق القومية، وزحف الجيوش والأساطيل.

وهو استفتاء عالمي أيضا لمن يريد (أو لا يريد!) أن يرى بوضوح على أن الكذب الأمريكي لم يمر هذه المرة على الشعوب، وعلى أن الحرية المزعومة هي مزحة خشنة حقا.

وحش ينطلق.
ومعه ضمير حي ينطلق.
ـــــــــــــ*
من سلسلة مقالات" محنة البطريق".
* موقع الكاتب:ww.alaazal.com

 

 



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انطلاق وحش وقبيلة مركبة 9
- الشاعر علي رشيد ـ الحرب والطفولة
- محنة البطريق ـ نقد العقل الاختزالي 8
- محنة البطريق ـ تفكيك صورة الجلاد 7
- محنة البطريق ـ نقد العقل الجنسي 6
- محنة البطريق ـ مقتل محارب نظيف5
- محنة البطريق ـ الحريق، الحريق 4
- محنة البطريق ـ الرؤية المشوهة
- محنة البطريق ـ فوضى الادوار2
- محنة البطريق وعلامات التحول 1
- الكتابة والاحتيال
- بغداد لن تتزوج الجنرال
- الروائي محسن الرملي ـ الحرب والفتيت المبعثر
- الروائي صدام حسين ـ مسخ الكائنات
- الروائي حيدر حيدر ـ وليمة لأعشاب الظلام!
- الشاعر دينيس دوهاميل ـ كيفية مساعدة الاطفال اثناء الحرب
- الروائي صنع الله ابراهيم ـ رواية وردة والمسكوت عنه
- الى المتماوت رعد عبد القادر ـ مات طائر بغداد المغرد
- الشاعر الشيلي بابلو نيرودا ـ تعالوا انظروا الدم في الشوارع
- الشاعر ولتر تونيتو ـ كفن لبلاد الرافدين


المزيد.....




- الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي ...
- إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
- طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
- صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
- هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
- وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما ...
- حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر ...
- صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق ...
- يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حمزة الحسن - لن نركع . 10