|
دماء على كرسي الخلافة – 3
علي مقلد
الحوار المتمدن-العدد: 5478 - 2017 / 4 / 1 - 01:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بمقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، انفرط عقد الدولة الإسلامية كإمبراطورية موحدة يحكمها خليفة واحد ،ليبدأ المسلمون بعدها صراعا داميا، لا تزال شرايينه تنزف بالدم حتى الآن ، ولا يتوقع أحد توقفها عن النزف ، طالما أن الذهنية الإسلامية ما زالت تقدس "كرسي الخلافة" وتراه أهم من إعمار الأرض ونشر الحق والخير والجمال بين الناس ، سيظل ذاك الكرسي يؤجج الفتن بين المسلمين بعضهم بعضا وبينهم وبين بقية البشر ،سيظل مثل روح ملعونة تذبح من أجلها الرقاب لاستحضارها من العدم ، فما زال الغالبية العظمى من المسلمين تعيش وهما اسمه سيادة الخلافة على أربعة أركان الأرض في فترة زمنية بعينها ويتغاضون عن أن الخلفاء الذين يتباهون بفتوحاتهم، هم بالأساس "أمراء حرب" لا يختلفون كثيرا عن نظرائهم في بقية الإمبراطوريات المتزامنة ، كان أغلبهم همه السلطة والثروة والتمتع بملذات الحياة من مال ونساء وغلمان ،غير عابئ بقيم أو أخلاقيات أو مثل ، كان أغلب هؤلاء الخلفاء مقاتلين من أجل السلطة ،مضحين بكل المبادئ من أجلها حتى لو اضطروا إلى قتل أقرب الأقربين أو هدم الكعبة نفسها ، أما ما يرويه الخطباء والوعاظ والأحزاب المنادية بعودة الخلافة وكذلك كتب التاريخ المدرسية ،عن مميزات عصور الخلافة وعدالتها وسيادتها على الأرض ، وأن الناس كانوا يرفلون في العدل والحرية والمساواة ، فهو مجرد تزيف للوعي وتزوير للحقائق ، واجتزاء للأحداث من سياقها وإعادة صياغتها وتصديرها للناس بعد إجراء عمليات تجميل للتاريخ تشمل "شفط" القبح، و"نفخ "المزايا و"تكبير" بعض الشمائل والمعاملات العادية للخلفاء باعتبارها منتهى التحضر والإنسانية ، و"تصغير" الجرائم لدرجة أنهم يمرون على جثث القتلى مرورا عابرا ،وكأن البشر الذين قطعت رقابهم وصلبت أجسادهم في آتون معارك المتقاتلين على السلطة ، أعجاز نخل خاوية، لكن مساحيق التجميل ستذوب حتما عندما يصدم القارئ بحرارة الدم الساخن الذي أريق من أجل السلطة. بعدما قتل عثمان علي يد الثائرين على حكمه من مصر والكوفة ، اختارت النخبة المسيطرة اجتماعيا واقتصاديا في عاصمة الدولة الإسلامية "المدينة" علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين ، في وضع تموج فيه الفتن وتشتعل النيران تحت الرماد ،وبالفعل سارع أهل العراق وأهل مصر بتأييد الخليفة الرابع ،وهو أيضا سارع بنقل مقر الخلافة من المدينة إلى الكوفة بناءا على نصائح وتشاور مع القريبين منه،لكن الأمويين الذين ذاقوا حلاوة السلطة والسيادة في عهد عثمان ، حز في أنفسهم أن يضيع ملكهم في غمضة عين ، فتسربوا من مكة والمدينة إلى الشام، حيث الأمير الأموي القوي معاوية بن أبي سفيان ، كذلك حاول الولاة الأمويين شق عصا الطاعة لكن قوة علي في البداية ألزمتهم حدودهم، فما أن توسد بن أبي طالب الحكم ، حتى بدأ في فرض سيطرة – لم تدم طويلا- فقام بإقالة الولاة القريبين من عثمان والذين كان ثرائهم وقسوتهم على الناس سببا في الثورة على عثمان في الأمصار ، وأبدلهم علي بولاة موالين له بعضهم قبل طوعا وبعضهم قبل تحت وطأة السيف،لكن معاوية كان قد جيش الأمويين ومناصري عثمان إلى جانبه في الشام ، ورفع لواء العصيان وضرب بقرار علي بعزله عرض الحائط ، وأعلن رفضه الإذعان لحكم الخليفة الرابع ،حتى يأخذ الخليفة بثأر عثمان ويتتبع القتلة ويقتلهم ، لكن بن أبي طالب يرفض شعارات ومطالب معاوية ، ويأمره أن يعلن الطاعة والامتثال أولا ،ثم يتقدم أولياء الدم ليتبع معهم ما يوجبه الشرع في مثل هذه الأمور، خاصة أن عليا كان أحد القضاة في عهد عثمان. من ثم افترقت الطرق وتباعدت الشقة بين الطرفين ، بعدما أصر كل منهما على موقفه، حتى انزلق الطرفان إلى الصراع ، وانقسم المسلمون الأوائل بين خليفة لم يستطع فرض سيطرته على الإمبراطورية التي ورثها من سابقيه ،وبين أمير متمرد يرفض الإذعان للحاكم الجديد ،وبين هذا وذاك اصطفت القبائل والأحزاب ، كل يرفع سيفه في وجه الآخر ، طالبا رقبته من أجل أن يحسم الخليفة أو الأمير صراعهما على السلطة ،واحتشد الفريقان بشكل قبائلي وعصبي ، وانزاح الدين خارج السياق ، فلا أحد فيهما يصارع من أجل الدين ،ولكن كلاهما استخدم الدين والبشر كوقود لحربه على السلطة ، وحلل جرائمه في حق الآخر بشعارات دينية ... مختصر القول ، وصل الصراع بين علي بن أبي طالب ومناوئيه في الحكم إلى طريق مسدود ، ولا حاجة لنا بمبررات السنة والشيعة حول الأحق والأصح فقد سبق السيف العذل... وتقاتل الصحابة وأريقت دماؤهم في أول معركة مؤسسة لما بعدها هي "موقعة الجمل" التي انفجرت منها براكين الدم المتناثرة ليومنا هذا. حدثت تلك المعركة الدامية المؤلمة الشنيعة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب "كرسي الخلافة" ومهما يقال من تبرير وبحث عن أسباب وإلقاء التهم على هذا أو ذاك أو التعلق بشماعة أن ثمة مؤامرات دبرت بليل من كارهي الإسلام ، كل هذا لا يستحق عناء التوقف عنده ، فالخلاصة أن الصحابة أشهروا سيوفهم ضد بعض ،وهم على مرمى حجر من عهد النبوة ،فقد حدثت موقعة الجمل في مدينة البصرة العراقية عام 36 هـ بين قوات ابن أبي طالب والجيش الذي يقوده الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام بالإضافة إلى أم المؤمنين عائشة التي قيل أنها ذهبت مع جيش المدينة في هودج من حديد على ظهر جمل، وسميت المعركة بالجمل نسبة إلى ذلك الجمل، وقد أسفرت المعركة حسب بعض الروايات عن مصرع نحو سبعة عشر ألفا من الطرفين أبرزهم طلحة والزبير ،ومن هول ما حدث في المعركة وما أريق فيها من دماء في أول صراع واضح على السلطة بين المسلمين روي بأكثر من سند أن عليا كان يتوجّع على قتلى الفريقين ويقول: " يا ليتني متّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة". لكن لم ينفع الندم ولم يعتبر المسلمون بما حدث في موقعة الجمل فكرروا المعارك وكأن سيوفهم التي ذاقت الدماء المسلمة أبت أن ترتوي ،فكان لها من بعدها ،ولعل أبلغ ما قرأت عن تلك الموقعة ما كتبه الشيخ محمد جواد مغنية رئيس المحكمة الشرعية العليا سابقا بلبنان في كتابه "فضائل الإمام عليّ" ،يقول: "لولا حرب الجمل لما كانت حرب صفّين والنهروان، ولا مذبحة كربلاء، ووقعة الحرّة، ولا رُميت الكعبة المكرَّمة بالمنجنيق أكثر من مرَّة، ولا كانت الحرب بين الزبيريّين والأُمويّين، ولا بين الأُمويّين والعباسيّين، ولما افترق المسلمون إلى سُنَّة وشيعة، ولما وجد بينهم جواسيس وعملاء يعملون على التفريق والشتات، ولما صارت الخلافة الإسلامية ملكاً يتوارثها الصبيان، ويتلاعب بها الخدم والنسوان، لقد جمعت حرب الجمل جميع الرذائل والنقائص، لأنَّها السبب لضعف المسلمين وإذلالهم، واستعبادهم وغصب بلادهم، فلقد كانت أوَّل فتنةٍ ألقت بأس المسلمين بينهم، يقتل بعضهم بعضاً، بعد أن كانوا قوَّةً على أعدائهم، كما فسحت المجال لما تلاها من الفتن والحروب الداخلية التي أودت بكيان المسلمين ووحدتهم". في المقال القادم نواصل الحديث عن حروب الفتنة ،وكيف قتل الصحابي صاحبه في معركة الصراع على كرسي الخلافة
#علي_مقلد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دماء على كرسي الخلافة – 2
-
دماء علي كرسي الخلافة - 1
المزيد.....
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|