الأسعد بنرحومة
الحوار المتمدن-العدد: 5476 - 2017 / 3 / 30 - 00:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد ظهر مصطلح " رجال الدّين" بين المسلمين في زمن متقدّم جدّا , اذ لم يكن معروفا بينهم طيلة قرون عديدة , ورغم انتشار هذا التّعبير في أوروبا طيلة قرون سواء قبل حقبة القرون الوسطى زمن حكم الكنيسة , أو بعدها مع ظهور الدّولة الحديثة عندهم , ومع ذلك فقذ ظلّ غريبا عند المسلمين وشاذّا بينهم حتى بداية عصر الانحطاط والانحدار السّريع نتيجة ما طرأ من ضعف شديد في فهم الاسلام وفهم اللغة العربيّة حين بدأ استعمال كلمة " رجال الدّين " في الانتشار بين المثقّفين والمفكّرين في البداية ,ثم بين العوام .
فخطاب الايمان والتكليف مطالب به كلّ مسلم , لا فرق بين عالم وحاكم وامرئ عادي , والأصل في المسلم أن يأخذ الحكم الشرعي بنفسه بالاستنباط من النصّ , ولمّا كان هذا الأمر يحتاج لتوّفر القدرة على الاجتهاد وهو عمل المجتهدين , فانّ المسلم يتبنّى رأيا معيّنا لهؤلاء بعد فهم الدّليل ومعرفته به .وهو تفليد للدّليل الذي أورده المجتهد وليس تقليد للشخص . ولكنّ المجتهد مثله مثل أي مسلم آخر ولا فرق بين الواحد والآخر . فلا يوجد في الاسلام رجال للدّين ورجال للدنيا , أو رجال للدّين وآخرون للحكم , وبالتّالي لا فصل في المجتمع الاسلامي بين الاسلام وبين الدولة , أو بين الاسلام وبين الحكم , أو بين الاسلام وبين السّياسة ...
انّ الاسلام دين عبادة ودين حكم , دين أخلاق ودولة , صلاة وقضاء, صوم واقتصاد , حجّ وتعليم. فالاسلام رعاية لجميع شؤون المرء لا فرق ان كانت رعاية مع ربّه ونفسه كالصلاة والصوم والحجّ والأخلاق , أو مع غيره كالحكم والقضاء والمال والتعليم.
وكما هناك أناس متعالمون لبسوا لباس كهنة القرون الوسطى في أوروبا وتقمّصوا شخصيّات رجال الدّين باسم الاسلام , هناك أيضا مجرمون ولصوص تقمّصوا دور الوعّاظ والمرشدين والمبشّرين , وهناك كذلك من الحكّام والسّاسة والفلاسفة من ساس النّاس بلباس رجال الدّين , وحكموهم بسلطتهم .
ولكنّ الدّين يبقى هو الدّين , وفي جميع هذه الأحوال يبقى الاسلام دينا صافيا , فيذهب هؤلاء ويبقى الاسلام دين للعبادة وللحكم , للمسجد وللدولة , ولن يتحوّل الاسلام أبدا الى مجرّد ديانة كهنوتيّة كما هو حال الكنيسة في الغرب , لأنّ الاسلام ليس بالنصرانية ولا باليهوديّة , ولا هو بالبوذيّة مجرّد عقائد فاسدة جاءت استجابة للوجدان .
انّ الاسلام هو وحده الدّين الموافق للفطرة , وهو وحده المقنع للعقل , وهو وحده أيضا الذّي يفرض أن يكون الايمان صادرا عن العقل , فلا تناقض بين الايمان والعقل , ولا بين العلم والدّين .
وانّه وان كان يوجد اليوم الكثير من الانتهازيين والوصوليين وتجّار الدّين من الحكّام والسّاسة وأصحاب العمائم واللحي , يعبثون بالنّاس وبعقولهم وبأمنهم باسم الدّين وباسم الاسلام , فانّ هذا لا يعني محاربة الاسلام , أو تغييره أو تحريفه , وليس مبرّرا لاقصائه وفصله عن الحياة وعن الدولة والحكم كما يريد البعض ويتمنّى . ولكنّ المعالجة تكون بضرورة وعي المسلم على دينه والتّفقّه في أحكامه , وضرورة صدّ هؤلاء ورفضهم والقطع مع استمرار الاستماع اليهم أو طاعتهم , دون تفريق بين المتعالمين منهم , أو الحكّام والسّاسة فكلاهما تجّار دين .
#الأسعد_بنرحومة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟