علي المدن
الحوار المتمدن-العدد: 5475 - 2017 / 3 / 29 - 14:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من مكتسبات الحداثة والتقنية أن تأثيرهما وإن كان بطيئا بعض الشيء، لكنه تأثير عميق ومستمر! يُواجَه للوهلة الأولى بالممانعة والرفض، ثم تليها مرحلة التكيف مع الحالة الجديدة واستيعابها، وفِي المرحلة الثالثة يتم تبني الحالة الجديدة والتباهي بالدفاع عنها، ثم أخيرا يأتي دور التنصل مما يعارضها (مما كان سائدا ومعروفا ومشهورا في ثقافتنا) لندخل في حالة إنكار (مثيرة للشفقة) لتاريخنا وفكرنا القديم كمحاولة لتسويق الذات وتجميلها وسلخها عما كانت تؤمن به مما بات مُحرِجا ومخجلا القول به، أو فاقدا للقيمة العلمية الإقناعية.
هذا السيناريو الحزين تكرر في تجارب مجتمعات كثيرة حول العالم، وقد وثّقته آداب وفنون وكتابات تلك المجتمعات، واليوم جاء الدور لمجتمعاتنا.
حين يحدثك رجل دين مثلا عن خلو مدونته الفقهية من فكرة حرمة قراءة كتب الضلال .. حين ينكر إجماع علماء طائفته أو أغلبهم على تكفير من لا ينتمي إلى الطائفة .. حين تختلط عليه الأمور فلا يميز بين مفهومي الحقيقة كما نفهمها ونتعاطى معها اليوم وكما كانت لدى أسلافه / أسلافنا .. حين يخلط بين الثنائية الدينية (ضلال / هداية) والثنائية المعرفية النسبية لمفهومي (صح / خطأ) .. إلى ما لا نهاية من هذه الحالات. حين تراه في مثل هذه المواقف فاعلم أنه يعيش في مرحلة الإنكار!! هو في الواقع يلتمسك أن تفسح المجال له ليلج بوابة العالم الحديث.
قد يمنح عالَمُ تدافع المصالح تذكرة لهؤلاء أن يتنكروا لواقعهم / واقعنا القديم، ولكن تبقى حقيقة هذا العالم القديم بحاجة للدراسة التاريخية الجادة والموضوعية. طال الزمان أو قصر سيأتي اليوم الذي نسأم فيه تمثيل دور هذا الصنف من رجل الدين المذكور ونتصالح مع أنفسنا فنقرأ تاريخنا الفكري بأرواح غير مأزومة!! وقتها لن نكترث لما كنا عليه، ولا نخجل من ماضينا؛ لأننا نعترف بأنه ماضي لم يعد يمثلنا ولا نمثله، لم تعد خلافاته تهمنا، ولا ما مات منه جزءا منا، ولا نعيش أو نحصل على احتياجاتنا بالتشبث به.
#علي_المدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟