|
الاسلام دين أم دولة
ياسين اغلالو
الحوار المتمدن-العدد: 5475 - 2017 / 3 / 29 - 05:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نسعى من خلال بسطنا هذا المقال أن نضع بين يدي القارئ بعض الحجج المتينة لإنارة الجوانب المظلمة في الفكر الديني الإسلامي الذي طالما ويزال يدعوا إلى الدولة الدينية الإسلامية التي تعد في نظره كانت قائمة البنيان في عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام يجب علينا ترميمها، إننا نعي مدى صعوبة مخالفة رأي هؤلاء إذ يعد الاختلاف في الرأي بالنسبة لهم خروجا عن الملة أو إلحادا وبالتالي يحللون دم المخالف ولعل اغتيال الباحث المصري فرج فودة دليل على غدر هذا الفكر وتطرفه. إن الدين الإسلامي من وجهة نظر الفقهاء، دين دنيا وآخر، دين يشمل الجانب الروحي للإنسان، كما يشمل أيضا البعد السياسي الاجتماعي المتمثل في قدرة الرسل والأنبياء على تنظيم المجتمع وتدبير شؤونه الاقتصادية والسياسية وإعطاء فلسفة لكيفية تداول السلطة السياسية إذ أن زعامتهم لا تختلف عن زعامة الملك أو الحاكم. غير أننا إذا كنا لا ننفي أهمية الرسالة النبوية في تخليص الأفراد من براثين جهلهم بمتطلبات الروح المتمثلة في التعاليم الأخلاقية التي تمكن الفرد المسلم من اكتساب إيمانا قويا يشكل له مناعة ضد متطلبات حياة الدنيا المادية من جهة ويقربه من الله عز وجل من جهة أخرى بهدف الفور بالجنة وتحقيق السعادة الأخروية باعتبارها السعادة الأكمل. إذا كان الأمر هكذا فلم يخرج الدين عن غايته التي حددها الله عز وجل له التي تحققت بتوسط رسله وأنبيائه غير أن اجتهاد الفكر الديني غير من مسار هذه الغاية ليصبح الدين لديهم لا يقتصر على الدعوة والتبليغ بل وأيضا له كلام في السياسة ونظم الحكم وتدبير الشأن العام لكون النبي عليه السلام كان ملكا سياسيا ومؤسسا لدولة سياسية فختلط بذلك الديني بالسياسي وأشكل علينا فهم حدود الدين وحدود السياسة معهم. إن هذا الزعم حسب علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم يتعارض مع النصوص القرآنية والسيرة البنيوية باعتبارهما مصادر الشرع المركزية ، إن تأسيس الدولة لم يتم لا في عهد الرسل أو في عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، حيث ظلوا متمسكين بالتعاليم التي كان تنقل لهم عن طريق ملك الوحي والتي لا تتجاوز حدود الدعوة والتبليغ فالمتأمل في النصوص الدينية سيتبين له من الوهلة الأولى أن الله عز وجل دعا الأنباء والرسل إلى تبليغ الرسالة أي إلى التوحيد وإقرار تعاليمه السمحة باعتماد الحجاج المنتج بدون إكراه لذا نجد الله عز وجل يختار من كل قوم نبيا يكون مؤهلا لحمل هذه الرسالة حيث يتصف النبي أو الرسول بالكمال الروحي والجسدي وحسن الخلق و كذا التميز الاجتماعي أي عز من قومه أو منعة من عشيرته بمعنى آخر عصبية قوية تحميه بلغة ابن خلدون . وعليه فإن الله عز وجل لم يتضمن في رسالته إقرار تأسيس بنيان الدولة الإسلامية وتحديد طبيعة السلطة السياسية وأشكال الحكم. بالتالي تنصيب الرسل والأنبياء ملوكا وحكاما لهم شأن في الملك السياسي، فالرسالة لم تتجاوز حدود التبليغ حيث بين الله في كثير من آياته نفي صفة الحاكم أو الملك عن رسله نعرض لك أيها القارئ البعض منها : يقول تعالي في سورة النساء الآية 80 :" من يطع الرسول فقد طاع الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا" وفي سورة الأنعام الآية 67 -66 يقول تعالى :" وكذب به قومك وهو الحق، قل لست عليكم بوكيل، لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون" ونجد أيضا في سورة الغاشية الآية 21-22-23-24 يقول " فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر" وفي سورة ق الآية 45 نجده يقول :" نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد" وغير ذلك من الآيات البينات التي لا يتسع المجال في هذا المقال لعرضها . مما سبق بيانه، يتبن لنا بأن الرسول عليه السلام لم يمكن إلا رسولا كباقي الرسل التي حملت رسالة التبليغ لأن كل الصفات اللصيقة بالملك أو الحاكم كالتجبر والتسلط والسيطرة والوكالة لا تحمل عليه وينفيها الله عز وجل. إذا كانت غاية الحاكم هي تحقيق الوحدة السياسية للدولة فإن غاية الرسول عليه السلام هو تحقيق الوحدة الدينية والتي تحققت في عهده و شتان بين الوحدة السياسية وبين الوحدة الدينية المحصنة بالملائكة وبالإرادة الإلهية. وأكثر من ذلك فالرسول عليه السلام هو ذاته ينفي عنه صفة الحاكم حيث روى صاحب السيرة النبوية أحمد بن زيني دحلان "أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لحاجة يذكرها، فقام بين يديه فأخذته رعدة شديدة مهابة، فقال له صلى الله عليه وسلم : هون عليك فإني لست بملك ولا جبار، وإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد بمكة ... " إذن هذا النص صريح يعترف فيه الرسول بكونه ليس ملكا ولا جبارا ولا يطمح إلى الحكم . ختاما يمكن القول بأن الإسلام دعوة دينية إلى الله تعالى، إنه وحدة دينية أراد الله جل شأنه أن يربط بها البشر أجميعين، أن يحيط بها أقطار الأرض كلها.إنها دعوة بريئة من كل محاولة ترمي إلى تلبيس المؤسسة السياسية لباس الدين الإسلامي وهو منها بريء.
#ياسين_اغلالو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة العربية الإنسان
-
الدولة في مواجهة حرية التفكير
المزيد.....
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|