مصطفى العمري
(Mustafa Alaumari)
الحوار المتمدن-العدد: 5474 - 2017 / 3 / 28 - 09:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإلحاد من منظور اسلامي
بعد مقالي الإلحاد ظاهرة ام اعتقاد ، كتب احد الإخوة المنتمين لحزب اسلامي ، تعليقاً جاء فيه :
اخي مصطفى ..سلام الله عليك ، وانت تحرض العقل على أن يعيد اعتباره لنفسه ، والا لن يجد من يعيد له الاعتبار .
1-( الالحاد)بشقيه ( الكلي : نفي الخالق) و( الجزئي:عدم الاعتقاد بوجوده) ليس له موضوع خارجي ، وان كثر أدعياء الالحاد ، ولقد ناقش السيد ( محمد حسين فضل الله ) ( رحمه الله) ذلك وانتهى ان لاوجود لمفهوم الالحاد بمعنييه المشار اليهما ، مستدلا على ذلك بان الملحد الكلي حتى يصدق عليه أنه ملحد لابد أن يكون قد استقرأ الكون استقراءً كليا ، ولما لم يكن هناك من يدعي الاستقراء الكوني الكلي ، لايصح اطلاق كلمة أو وصف ملحد عليه، حتى لوزعم هو نفسه ذلك ، لأن الاشكال الصادم هنا : كيف نفيت الخالق من استقراء ناقص ؟
2-في الحياة ثوابت ومتغيرات ، ويحكم على الثابت بقوانين ثابتة اصطلح عليها الصدر الأول ب ( سنن التاريخ) ، ويحكم على المتغيرات بالبحث عن أحكامها المتغيرة بما في ذلك المساحة التي عبر عنها رحمه الله ب ( منطقة الفراغ) والقول بان الحياة متغيرة فيه اطلاق لابد أن يراجع .
3-جزع الشباب وهروبهم الى الايديولوجيات المختلفة ليس بالضرورة محصلة افلاس الخطاب الديني ، وانما اسبابه متعددة أشرت الى بعضها في مقالك كثقافة الاستسهال ، والتحول من منطقة جهل وفراغ الى منطقة جهل وفراغ ، وعدم الاكتراث بالبحث الجاد ، والتشبث بمقولات سطحية ، يضاف الى ذلك الهروب الواهم من تصور أن الدين قيود وان الانفلات منه حرية ، لاسيما وانك شخصت الظاهرة بانها ( ظاهرة طيش)
4-اطلاقك لمفهوم الدين في بعض ماتكتب وتتحدث يجعلني لاأفهم ماتريد على وجه الدقة ، هل هو نصوصه ، أم قراءاته ام مذاهبه ام تجاربه ؟ والا كيف يكون الدين بالضد من مشروع الانسان وهو مشروع الانسان ؟!
تحياتي واحترامي
---------------
ردي عليه
السلام عليكم و أهلاً بك أخي ..
تحريض العقل على التفكير يستدعي أدوات معرفية حديثة و أصيلة , يصاحبه إستحضار منهج يعتمد العقل و الحداثة و مقياس النفع و الضرر للأفراد و المجتمعات مع غياب نسبي عن جدلية الجدال او المفاضلة التي إرتكز عليها الخطاب التعبوي او التحريضي في مجتمعاتنا . أدرك ان بعض العقول لا تأبه بالمتغير العلمي او الفكري الفلسفي و لا تأخذ به كمادة مؤصلة و موثوق بها بنسبة ما , بل ان هؤلاء البعض يركن الى أحاديث و مقولات للسلف لكي يعتمدونها على أنها حقيقة مطلقة , مجابهة النظرية العلمية برأي لرجل دين يدافع عن أيدلوجيته و منهجه , مجابهة فيها من التعسف على ذات العقل و دعوة للمضي بالتقولب و التحجر على ذات المنهج فتعزز في البسطاء ثقافة الحفظ والتقليد .
بعد قرائتي لتعليقكم .. رابني انك لم تقرأ المقال بمحتواه و مضمونه بل بما كان في ذهنك و ثقافتك .. سأبين لك مدعاة تلك الريبة:
أنا تحدثت عن ظاهرة الالحاد التي تمر بها مجتمعاتنا و أعتبرتها طائشة لأنني من خلال مطالعتي و نقاشي مع البعض منهم إكتشفت ان أغلب هذا التحول يكتفي بالسطح دون الولوج الى العمق, بينما نجد أن أعمدة الملحدين يتخلون عن التمظهر و يسترسلون في العمق , فلاسفة ولهم نظرياتهم و كتبهم . المقال يتحدث عن مظاهر الالحاد و ليس عن الالحاد نفسه , للاسف هنا تم خلط اوراق حديثة بأخرى قديمة و ثقافة دينية بعلوم إبستملوجية ,مع عدم تفريق بين الظاهرة و الاصل .
هذا الحال ذكرني باحد الاشخاص عندما رأى بعض المطبرين الشيعة يوم العاشر من محرم , فقال ان الشيعة كلهم مبتدعة و كفار لأن دينهم التطبير , هذا الشخص حكم على الظاهرة دون معرفة الاصل , فاستدل على الشيعة من خلال الشيرازيين و ليس من خلال فضل الله مثلاً .
ذكرت في تعليقك .. (-( الالحاد)بشقيه ( الكلي : نفي الخالق) و( الجزئي:عدم الاعتقاد بوجوده) ليس له موضوع خارجي)
أتمنى عليك مراجعة هذه الفقرة بالتحديد مع رغبة من الداخل ان تتفحص الوضع العام قبل ان تغامر و تنفي بالمطلق .. ليس له موضوع خارجي .. فرجال الدين و بمحاولات جادة حاولوا عرقلة مسار الالحاد فكتبوا و حاضروا و خطبوا .. كل هذا لأن الالحاد وجود داخلي ذات عمق معرفي .. و ليس كما تفضلت .
(ولقد ناقش السيد ( محمد حسين فضل الله ) ( رحمه الله) ذلك وانتهى ان لاوجود لمفهوم الالحاد بمعنييه المشار اليهما)
الذي قاله السيد فضل الله يعتبر رأياً نابعاً من عمق المؤسسة الدينية , و ليس نظرية علمية وكما قلت في بداية تعليقي لايمكن محاججة النظرية بالرأي !
الاراء التي كتبها السيد فضل الله رحمه الله , او التي كتبها غيره من رجال الدين فيها ثغرات واضحة , يمكن للملحد او اللاديني الاندلاق منها او أرجاعها بشكل اسئلة , تحتم الاجابة عليها , لأن الذي يثبت وجود الشيء يجب ان يبرهن عليه بمعرفة و أدلة أعمق و أكثر انسياقا و انسجاماً مع العقل بعكس الذي ينفي . سألني أحد الملحدين معترضاً أيضاً على مقالي, قال : انت تقول بوجدود الله و أنا لا أملك الادلة عليه لكي أجده أرجوك إثبته لي ؟ و أنا بدوري أحيل السؤال لك اخي القاضي.
لا أريد التوقف عند كل النقاط التي أشرت لها انت في التعليق , لكن إسمح لي ان أقول : أن إفلاس الخطاب الديني المقدود من الثقافة الوهمية , كان العامل الاول و المهم في عدم تحرك عربة النهضة في بلادنا العربية و الاسلامية , ناهيك عن بعد هذا الخطاب عن الواقعية العلمية و ارتهانه بيد السياسة .
في الفقرة الاخيرة من تعليقك قلت ( 4-اطلاقك لمفهوم الدين في بعض ماتكتب وتتحدث يجعلني لاأفهم ماتريد على وجه الدقة ، هل هو نصوصه ، أم قراءاته ام مذاهبه ام تجاربه ؟ والا كيف يكون الدين بالضد من مشروع الانسان وهو مشروع الانسان ؟!)
بعيداً عن الاسئلة التي أتت مع التعليق ,, فالنهاية كانت روح الانشاء فيها طاغية و هذا من حقك , لكن دعني أعود لأسئلتك فأحولها الى أسئلة مضاده فأقول : دلني على دين او مذهب خالص و نصوصه منقحة و قراءاته في النصوص واضحة وبينة و تجاربه خالية من الخلل ؟ عندما توجد لي ذلك الدين او المنهج او المذهب , عندها يمكنك ان تسألني هذه الاسئلة او تعترض عليّ.
في مقال سابق كتبت ( لا عقل مع الايمان المطلق قوة التدين تطيح بقوة العقل )
تعتقد معظم المجتمعات البسيطة و التي لا يكون للعقل دور فيها انهم خُلقوا على الحق المطلق, بينما غيرهم خُلق على الباطل, لهذا السبب تكثر الدعوات التلقينية المتماشية مع طبيعة و سلوك ذلك المجتمع . نجد هذا واضحاً في مجتمعنا الشرق أوسطي, الذي يغيب فيه الشك (العقل) بينما يسرف بهذيان اليقين و المطلق ( الجهل) يُنقل عن ابي حامد الغزالي قوله : الشكوك هي الموصلة للحق فمن لم يشك لم ينظر ومن لم ينظر لم يبصر ومن لم يبصر بقي في العمى و الضلال. وهذه فقرة تُحيلنا الى مستوى مهم من العقل و التفكير, لطالما إحتجنا لها وهي ان الايمانات المطلقة التي ورثناها من أهلنا بتلقين و ترديد يجب تفكيكها و إعادة هيكلة البنية الاساسية في منظومة الايمانات المطلقة . الايمان او التدين المطلق موت حقيقي للعقل , الايمان المطلق سياج حائل و مانع للشك و البحث العقلي . اذا كنت مؤمناً بالقضايا الدينية او السياسية إيماناً مطلقاً , هذا يعني لا مجال للعقل للدخول الى باحة ذلك الايمان و البحث فيه . إستحالة استخدام العقل امام اي معتقد مؤشر على ان المعتقد معطوب من الداخل لذلك غُلف بطريقة تجهيلية تقديسية ألغت كل مجسات المعرفة للتقرب من ذلك المعطوب . هل هناك أي مجال عند أصحاب العقل المُقلِد المؤمن بالحقيقة المطلقة ان يراجع أياً من قضاياه اليقينية ؟ بالتأكيد لا . لأن إيمانه التلقيني الوراثي سحق على عقله و أماته بطريقة إحتيالية و وهب له معلومات جاهزة و ايمانات مطلقة لا يجوز البحث او السؤال عنها. ليست الشكوك هي التي تفقد العقل بل اليقينيات .كما قال نيتشة . و الحق أن هذه المقولة لها من المصاديق ما يؤهلها لتكون اقرب الى الحقيقة من زيف الحقائق التي يهرف بها البعض .
مات العقل بكثرة اليقين و وهم الحقيقة و غياب العقل الشاك و الباحث و الناقد .
شكراً لك لأنك حرضتني على
المراجعة و التفكير .
مصطفى العمري
#مصطفى_العمري (هاشتاغ)
Mustafa_Alaumari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟