|
في معنى الأصالة
الطيب طهوري
الحوار المتمدن-العدد: 5473 - 2017 / 3 / 27 - 23:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
خواطر
لا أصالة إلا أنت..أن تكون أصيلا يعني أن تكون أنت لا غيرك..أنت لا أسلافك ولا الآخرين..أن تمتلك إرادتك في الفعل وحريتك في الاختيار..أن تفكر فيك وأن تبدع وتفكر بذاتك لا بفكر غيرك وإبداعه..أن تجد الحلول لما يواجهك من مشاكل وأزمات بنفسك.. لا يعني ذلك أنك ستقطع صلتك بغيرك..أبدا لا يعني ذلك..غيرك، أسلافك أو الآخرون تجارب بشرية ارتبطت وترتبط بظروفها وأناسها، عليك أن تقرأها ، أن تتأملها وتستفيد منها لترفع من مستوى وعيك بحاضرك وماضيك ، بحاضر الآخرين وماضيهم ولتنخرط معهم في إبداع ما يفيد كل البشرية، وتشاركهم من ثمة فعل بناء مستقبلها.. الأصالة بغير هذا المعنى لا تكون إلا اجترارا شاحبا لما تركه أسلافك أو تقليدا سيئا للآخرين، وفي الحالتين لا تكون النتيجة إلا ترسيخا لتخلف مجتمعك وتعميقا لتيه أفراده.. لا تتأتى الأصالة بهذا المعنى إلا للمجتمعات التي تعي وجودها في هذا العالم وتدرك أن لها دورا يجب أن تؤديه وتساهم به في بنائه..لا تتأتى إلا للذين يعون حركة العالم ومتغيراته و صراعاته وموقعهم فيه ومجمل التحديات التي تولجههم وهم يسيرون فيه..لا تتأتى إلا للذين يؤمنون بحرية الإنسان ويقبلون – مسرورين - العيش مع المختلف، بل ويعملون أكثر على أن يكون ذلك المختلف جزء أساسيا وضروريا في حياتهم، ويسعون إلى جعل التعدد ضرورة لابد منها في حياتهم، لأن الاختلاف والتعددهما وسيلة إغنائهم فكريا وفنيا ..هما وسيلة رفع مستوى وعيهم بحاضرهم ومستقبلهم وبحاضر البشرية ومستقبلها أكثر.. المجتمعات التي لا تعي وجودها والتي تنكفئ على ذاتها في جملتَي ( قال...ويقول...) وتناصب الآخر المختلف العداء وترفض التعدد وتحاربه وتفهم لأصالة على ذلك الأساس ، هي مجتمعات لا أصالة لها..هي مجتمعات تقتل أصالتها..لا تغني وجودها..لا تضيف لما تركه أسلافها شيئا يجعله حيا،مفيدا..هي غبار يتراكم عبر السنين على تراثها ليخنقه ويقضي على حيويته وحياته..هي قتل لماضيها وقتل لحاضرها أيضا..هي مجتمعات يستحيل ان تسير إلى الأمام لتبني مستقبلها.. لا تتحقق الأصالة بالمعنى الذي وضحنا إلا بأن يكون المجتمع مجتمع قراءة..خلية نحل قرائية..تقرأ المختلف أكثر..تطرح الأسئلة باستمرار..تجادل دون اي عقدة خوف..لا تضطهد المختلف..لا تنفي الناقد لفكرها ولسلوكها.. الأصالة بهذا المعنى لا تتناقض أبدا والمعاصرة..بل هي المعاصرة ذاتها.. للأسف الشديد..تفهم الأصالة في عالمنا العربي على أنها ماضي أسلافٍ علينا ان نعود إليه باستمرار..علينا أن نحمي به أنفسنا من هذا الاخر الذي نخاف منه ونشعر بالنقص تجاهه والعجز أمامه.. للأسف.. الأصالة عندنا هروب من الحاضر الذي هو ليس لنا إلى الماضي ..وهي بهذا المعنى انعكاس ليأسنا من إمكانية تغيير واقعنا نحو الأفضل ومشاركتنا الآخرين بناء حاضر البشرية ومستقبلها..انعكاس لشعورنا العميق بالعجز التام عن بناء حاضرنا ومستقبلنا..هي انعكاس لموتنا في هذا الحاضر ليس إلا.. قوتان تهيمنان على حاضرنا ذهنيا ونفسيا وسلوكيا وتجعلاننا نفهم الأصالة ونمارسها بالمعنى الذي هي عليه في واقعنا، هما: أنظمة الاستبداد التي تحرص على نشر الفساد والجهل وتغييب الوعي وتسطيح الديمقراطية وتضييقها بحيث لا تتجاوز ظاهرة الانتخابات ( المزورة دائما ، بهذا الشكل او بذاك) باعتبار كل ذلك هو البيئة التي تسمح لها بالبقاء في كرسي السلطة والمحافظة على مصالحها، من جهة، والقوى الدينية بمختلف أطيافها، من جهة أخرى، حيث تعمل هذه القوى هي الأخرى على تغييب الوعي وربط الناس بعالم التدين المفرط، والتعصب الأعمى ورفض الآخر المختلف ومحاربة العلمنة وتكفير العلمانيين ،وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، لتحافظ على هيمنتها على ذهنيات الناس ومشاعرهم وتخيلاتهم وتصوراتهم للحياة، ولتجعل منهم قطيعا ينصاع لما تريده منهم ، حيث كل ذلك هو البيئة التي تسمح لها بالمحافظة على هيمنتها تلك وامتيازاتها المعنوية وحتى المادية ( بالنسبة لزعمائها وتجارها...)..لا ننسى أيضا الغرب الرأسمالي الذي يحرص هو الآخر على بقاء واقع العرب المسلمين على حاله القطيعي ( من القطيع) المتخلف.. تعتبر كل تلك القوى العدو الرئيس للمجتمع العربي المسلم ..العدو الذي يمنعه من إخراج عقول أفراده من تكلسها ونفض الغبار عنها ،ومشاعرهم من بلادتها ،ومخيلاتهم من تحجرها، ليروا الحياة بكيفية حية لا بعين اليأس المميتة .. بالنسبة للمفكرين العرب المسلمين الحالمين بتغيير شعوبهم بما يجعلها شعوبا واعية مسؤولة مبدعة ،والعاملين على ذلك ، يجدون أنفسهم، في واقع هذا الجهل العام والفساد المستشري بشكل كبير والتدين المفرط، يدورون في شبه حلقة مفرغة لا مخرج منها..يزداد يأسهم كل يوم ، خاصة وهم يرون أوضاع عالمهم العربي تزداد بؤسا وعنفا وانغلاقا باستمرار، ويرون مجتمعاتهم تزداد تبعية كل لحظة، ويتراكم تخلفهم أكثر ، فيما الآخرون يبتعدون عنهم باستمرار سائرين بخطى واثقة إلى الأمام، يخطئون ويصيبون ، لكنهم يسيرون..ومن أخطائهم يتعلمون ..
#الطيب_طهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن ديمقراطية الشعر..عن لا ديمقراطيته
-
عن القصيدة/ القبيلة العربية ومجتمع حاضرنا العربي
-
مجتمعنا العربي وعالم الحداثة
-
بين ثقافة الولاءات وثقافة الكفاءات
-
مقبرة الحجارة
-
هنا، لا أمام لي
-
من آخرته عاد أبي
-
عن الحب..عن القبائل الأمازيغ في الجزائر
-
الإسلاميون والخوف
-
رمالا تعوي ريح ُ عباد*
-
لنبني حدائق ثقافية لأطفالنا
-
العرب المسلمون يعيشون مخياليا في الماضي
-
بين تقدم الغرب وتخلفنا..الأسباب أساسا
-
تأملات فيسبوكية
-
لماذا نحن لا ننتحر..لماذا هم ينتحرون؟
-
الأقوياء المتنفذون وحدهم من يخدمهم الدين في الواقع
-
لا خروج لنا من تخلفنا إلا بانفتاحنا على الحياة وتفاعلنا مع ب
...
-
من المستفيد من دروس التربية الإسلامية في مدارسنا؟
-
لماذا لم يتحرر المسلمون من استبدادهم ؟
-
عالمنا العربي يتردى أكثر..ماذا نحن فاعلون؟
المزيد.....
-
هجوم ماغدبورغ: دوافع غامضة بين معاداة الإسلام والاستياء من س
...
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية
-
رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا يعلق على فتوى تعدد الزوجات
...
-
مـامـا جابت بيبي.. حـدث تردد قناة طيور الجنة 2025 نايل وعرب
...
-
بابا الفاتيكان يصر على إدانة الهجوم الاسرائيلي الوحشي على غز
...
-
وفد -إسرائيلي- يصل القاهرة تزامناً مع وجود قادة حماس والجها
...
-
وزيرة داخلية ألمانيا: منفذ هجوم ماغديبورغ له مواقف معادية لل
...
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|