|
قبلات السياسيين.. بين العادات والفضائح والمصالح
محمد أبو زيد
الحوار المتمدن-العدد: 1436 - 2006 / 1 / 20 - 01:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية المصرية بقليل نشرت إحدى المجلات المصرية الحكومية صورة لأحد نواب جماعة الإخوان المسلمين والتي فازت بـ20 في المائة من مقاعد البرلمان، وهو يقبل يد مرشدها وتحت هذه الصورة عنوان «ارفع رأسك أيها النائب» واشتعلت بعد نشر هذه الصورة معركة بين رئيس تحرير المجلة الذي كتب مقالا طويلا ينتقد فيه هذا التصرف، ورد عليه أحد قيادات الجماعة بأن هذا التصرف من العادات المعروفة للتحية. وسواء انتهت مشكلة قبلة المرشد أم لم تنته، فإن موضوع القبلات التي يتبادلها السياسيون تظل مفتوحة على الدوام للتندر، أشهر من اشتهر بالتقبيل كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والذي لم يكن يترك أحدا يراه دون أن يهجم عليه بالقبلات، حيث كان يقبل من يلقاه ثلاثا وأحيانا بقبلة إضافية على الرأس، حتى أن إحدى المجلات رسمت ذات مرة الرئيس عرفات، وهو يقف فوق برج عال، ينظر من منظار إلى أسفل ويقول لمرافقه «هناك شخص لم أقبله بعد»، وكان الرئيس كلينتون قد طلب من عرفات أن يزوره في البيت الأبيض، نادى مستشاريه وقال: مصافحة فقط وأحضان بلا قبلات، فكروا معي. وكانت النصيحة المفيدة من سفير أميركا لدى مصر في ذلك الوقت آلان كورتر. فقال للرئيس كلينتون عندما يهجم عليك عرفات ضع يدك على كتفه، واجعلها ممدودة مشدودة وفي هذه الحالة لا يستطيع أن ينال خديك. وهذا ما حدث، وكما يروي الكاتب الكبير أنيس منصور فإن عرفات قال له ذات مرة: أنت النهاردة هاجمتني بعنف.. ورغم ذلك سوف أقبلك، ويصف أنيس ذلك الموقف قائلا: حاول ولكني طبقت عليه ما يطبقه علينا الدكتور مصطفى كمال حلمي رئيس مجلس الشورى.. فهو يصافح من بعيد ـ أي يمد يده قبل أن تصل إليه، ويخطف يده من يدك ـ فلا قبلات.
آخر مشهد لعرفات في سفره الأخير إلى باريس للعلاج كان قبل أن يركب الطائرة، مرتديا بدلة رياضية وقبعة صوف روسية، والهزال الشديد باد عليه، لكن هزاله الشديد لم يمنعه من أن يملأ يده بالقبلات ونثرها على الفلسطينيين ومصوري وكالات الأنباء، إنها القبلات الأخيرة.
وتختلف عادات الشعوب في التحية، ويرتبط التقبيل بهذه العادات، ففي حين يكتفي الصينيون بالانحناء لبعضهم البعض نجد العالم العربي، رجالا ونساء، يشبعون بعضهم تقبيلا والتي يرى البعض أنها تعبير عن المودة، وكان البدو قديما وإلى وقت قريب يطرحون على بعضهم السلام من بعيد، ونادرا ما يتصافحون، ناهيك عن أن يقبل بعضهم بعضا، وأغلب أهل أوروبا يقولون: طاب يومك، وتختلف العادات ما بين التقبيل والمصافحة والسلام من بعيد، ورفع القبعة، ولا توجد في قواعد البروتوكول والايتيكيت العربية ما يخص هذه العادة، فكل قبيلة، أو دولة تفعل ما يعن لها، ربما لأنه لا يوجد بروتوكول من أصله.
لكن قبلات السياسيين في العالم العربي عرفت لأول مرة مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات وبيجين واللذين عندما تصافحا ، ثم تعانقا أمام عدسات المصورين صاحت جولدا مائير: إنهما لا يستحقان جائزة السلام، إنهما يستحقان جائزة الأوسكار، والتي تمنح للممثلين الرائعين، فهل كانا يمثلان على الهواء؟
لكن القبلات الأشهر كانت في المفاوضات العربية الإسرائيلية بعد مؤتمر مدريد 1991 وقامت ببطولتها مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الحين، كما كان عرفات هو الأوفر حظا بهذه القبلات والتي تركت آثارا سلبية عليه، فبعدما وافق نهاية عام 1999 على النصائح الأميركية والأوروبية بتأجيل إعلان الدولة الفلسطينية التي كان من المفترض إعلان قيامها في الرابع من مايو (ايار) عام 2000 حسب اتفاق القاهرة لعام 1994 أدلى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح هاني الحسن بتصريح في لندن عبر فيه عن ما سماه إحساسا سائدا في العالم العربي بأن عرفات انخدع بدبلوماسية الشفايف. وكما كان الكثيرون من الدبلوماسيين العرب يهربون من قبلة عرفات، حاول السادات الهرب من قبلة بيجين في احتفال تسليمهما جائزة نوبل للسلام والتي فازا بها مناصفة، لذا قام بإرسال رئيس وزرائه المهندس سيد مرعي لتسلم الجائزة، وجلس يتابع كيف سيهرب مرعي من قبلة بيجين، وحين جاءت اللحظة الحاسمة ولم يكد بيجين يقترب منه حتى مد سيد مرعي ذراعه على آخره، مما باعد بينهما ولم تكن هناك قبلة.
والقبلة بين الرجل والمرأة لها قواعدها حيث يقبل كل صديق زوجة صديقه على الخد وهو يسلم عليها، ويختلف عدد القبلات من بلد لآخر ففي أميركا قبلتان وفي فرنسا ثلاث، وفي كثير من الدول الافريقية أربع، ولا يجوز لشخص أن يقبل سيدة يقابلها للمرة الأولى مهما كانت درجة جمالها أو أن يقبل سيدة لها مركز اجتماعي يمنع هذا التباسط دون إذن، كما يجب مراعاة التقاليد، ويواجه بعض الدبلوماسيين العرب في الخارج مشكلات حين يقومون من باب التقليد بتقبيل السيدات وسرعان ما يواجهون بمأزق قيام أزواجهم بالمثل مادام الدبلوماسي العربي وافق على المبدأ ونفذه وهنا يحدث أحد أمرين فإما أن تصاب الزوجة العربية بذعر يثير الانتباه أو أن يتأخر رد فعلها ثواني تكون كافية لوصول القبلة إلى الخد العربي المحافظ. وقد استغل الرئيس الأميركي جورج بوش قبلة طبعها الرئيس الفرنسي جاك شيراك على خد السيدة لورا بوش عند زيارتها باريس في يناير (كانون الثاني) 2004 خلال حملته الانتخابية لاعادة ترشيحه لولاية ثانية على خلفية الموقف الفرنسي المعارض للعدوان على العراق، ففي جولته الانتخابية في ولاية كاليفورنيا أبدى بوش حزنه لأنه لم يلق نفس المعاملة من شيراك، ويبدو أن بوش أيضا ممن يثيرون العواصف بقبلاتهم، فقد أثارت قبلاته بعد فوزه بولاية ثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على وزيرتيه الجديدتين كوندوليزا رايس للخارجية ومارجريت سبيلنجز للتعليم الدهشة في الأوساط الأميركية، فبينما منح بوش رايس قبلتين عفيفتين على الخدين، فقد منح مارجريت قبلتين جاءتا قرب فمها ولم يكن سبب الدهشة هو القبلات بل قيام بوش بذلك وهو الرئيس الذي طالما يشدد على نزعته الريفية الأميركية المحافظة وأداء القبلات بأسلوب أقرب إلى السلوك الأوروبي.
وفي زمن سارس وانتشار الأوبئة والأمراض المعدية والانفلونزا ينصح الأطباء بالاكتفاء بالسلام باليد، فالوقاية خير من العلاج، والسلام من بعيد أفضل، لكن يبدو أن العالم يفضل القبلات.
#محمد_أبو_زيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا كلما رأى مريد البرغوثي قتيلا مسجى ظنه شخصا يفكر؟
-
كل شيء جائز إلا الرصاص الحي
-
الهتيف : الحياة فوق الأعناق
-
ارتد جميع ملابسك فالسماء تمطر بالخارج
-
الحياة في مصر ثلاث درجات.. أشهرها الدرجة الثالثة
-
هل يضحك العالم العربي علي خيبته؟
-
الانقلاب : الطريقة المثلى للحكم في العالم العربي
-
الحرب العالمية الثالثة
-
أرصفة القاهرة : هامش الحياة حين يصبح متنا
-
هكذا يلعب الفن بالأشياء
-
ناجي العلي: ليه يا بنفسج تبتهج وانت زهر حزين
-
بطرس غالي ينتظر بدر البدور
-
في فلسطين يحتفلون بالأعراس حول فناجين القهوة
-
الحياة بالأبيض والأسود
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|