علي المدن
الحوار المتمدن-العدد: 5471 - 2017 / 3 / 25 - 09:31
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
أحيانا تكتب رأيا في قضية ما دون أن تشرح جميع المقدمات التي دعتك لقول ما قلت. وأحيانا أخرى تكون حريصا على أن تبدو مفهوما عند أوسع عدد ممكن من القرّاء فتستخدم لذلك نفس الألفاظ الشائعة والمتداولة دون أن توضح بالتحديد ما يتضمنه نصك من معانٍ ودلالات أو ما تشير إليه.
ما يحصل هو أن يأتي أحدهم ويجري مقارنة سريعة بين ما في ذهنه من معلومات يعرفها عن تلك القضية وبين ما كتبت، فيستنتج من كلامك ما يتناسب مع معلوماته، فيبدو له رأيك متناقضا، أو سطحيا، أو ناقصا، أو عجولا، أو متهورا ... إلى آخره.
هذا أمر يتكرر معنا دائما! حتى رأى البعض أننا (كقرّاء) لا ننفصل عن خلفياتنا الفكرية (أي ما نعرفه ونؤمن به) في الفهم أو الحكم على الأخر (وقد يشمل هذا الآخر أنفسنا أيضا حين نفكر فيها)، بل ذهب بعض آخر إلى أن هذا الانحياز شيء أصيل فينا، وهو جزء من طبيعة جهازنا الإدراكي، وأننا دائما عرضة للتضليل وسوء الفهم ومجانبة الصواب.
قد يكون الرأي الأخير لا يخلو من مبالغة! ولكن ما هو مهم ويجب التركيز عليه هو أن نستوعب مخاطر الحكم على الآخرين وأفكارهم.
ما يزيد الموضوع تعقيداً هو حين نستتبع فهمنا الخاص القائم على معلوماتنا الخاصة ومصادراتنا الخاصة بتعليق أو نقل أو إخبار أو غير ذلك. ويتضاعف الأمر سوءا حين يصحب ذلك نوع من التهكم أو التجريح أو السخرية أو الاستخفاف أو الإهانة أو التخوين ... إلخ. فإذا ما كان هذا السلوك صادرا من شخص يُتوقع منه أنه إنسان محترم ومسؤول وواع بتلك المخاطر التي شرحناها فإن هذا يضعنا أمام مأزق يدعو للغرابة حقاً!!!
هل نقابل هذا السلوك بسلوك من جنسه؟!! هل نستجيب لغرائزنا في المواجهة والتصعيد؟!! حينها بماذا سنختلف عن هذا الآخر؟! وما الذي يميزنا عنه وعن أسلوبه في التعاطي مع الآخرين وأفكارهم وآرائهم؟!! لا شيء يبرر أن ننساق وراء أخطاء الآخرين ومضايقاتهم!!
يلخص برتراند راسل فلسفته حول الحياة الجيدة فيقول: (الحياة الجيدة هي تلك التي يلهمها الحب وتقودها المعرفة). يمكننا أن نضيف تفصيلا آخر على هذه الكلمة الرائعة بالقول: إن الإنسان وإن كان محباً ولكنه يتعلم ببطء!! فيكون لذلك مهددا بالطيش في الفكر والسلوك؛ ولذلك فهو بحاجة إلى (الصبر)! الصبر على نقص المعرفة والصبر على تحصيلها والصبر على الإلتزام بها .. وتلك هي "الحكمة"!! إذ ليست الحكمة شيئا آخر غير "معرفة" الصواب و"الصبر" على "العمل" بتلك المعرفة مهما كانت الظروف، وقد ورد في القران الكريم: [وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ].
#علي_المدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟