|
العالم الإسلامي يضحي بالمستقبل مقابل الحلم بوهم الماضي
أسامة الهباهبه
كاتب و باحث
(Osama Al-habahbeh)
الحوار المتمدن-العدد: 5469 - 2017 / 3 / 23 - 15:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العالم الإسلامي يضحي بالمستقبل مقابل الحلم بوهم الماضي
انه نمط سلوك مقلق في العالم الإسلامي عندما يتم قضاء وقت طويل للتأسف على فقدان الماضي "الذهبي" الإسلامي والشوق له , بدلا من التفكير بالحاضر و المستقبل. -
عندما اتطلع الى العالم العربي الإسلامي، فكأني اشاهد شخص منهار يقف لاهثا دون أي فكرة لديه عن ماذا يفعل لإستعادة النفس. وبنفس الوقت يصرخ هذا الرجل ويتهم الغرب والامبريالية وإسرائيل ونظريات المؤامرة بينها بإنها السبب في انهياره. ولدى الاسلامويين فيتم توسيع سبب الانهبار قليلا: فهم يعتقدون ان السبب الرئيسي للمصائب في بلاد المسلمين هو انهم تخلوا عن الإسلام النقي. وان هذه المصائب ستختفي وستسير الامور بشكل جيد، إن عادوا إلى تعاليم الإسلام النقية ، كما كانت تمارس ايام الخلافة قبل 1400 سنة. والخطوة الأولى على هذا الطريق هي حل الدولة القومية واستبدالها بدولة دينية. ويقول الاسلاميوون بانه يجب الاسراع بذاك قبل فوات الاوان. في هذا الخطاب يتم ربط هوية الشعب العربي بالإسلام وليس بالانتماء القومي أو الجغرافي. فنموذج الدولة القومية فشل وابعد المسلمين العرب عن رباطهم الوثيق بالسماء والله، كما يقول الأسلاموييون. أن هذا الخطاب جديد نسبيا في العالم العربي واصبح أكثر انتشارا في السنوات الاربعين الماضية. ففي بداية القرن العشرين كان هناك تفاهم بين المفكرين الليبراليين والإسلاميين على الأهداف الرئيسية للنضال التحرري العربي. ونجحت الأيديولوجية القومية العربية في تحشيد الشعوب العربية في النضال ضد الاستعمار مما أدى إلى تقوية وتدعيم أيديولوجية القومية العربية في سنوات الخمسينات في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وكان محور نموذج الدولة العربية يرتكز على العروبة وليس الإسلام. وجائت الهزيمة امام إسرائيل في عام 1967 لتهز كيان الوعي الذاتي العربي، وتم اختطاف الحلم العربي الذي كان يستند على رؤى علمانية وقومية من قبل الأيديولوجية الإسلاموية، التي أعلنت أن "الإسلام هو الحل".
الحل الإسلاموي ومنذ السبعينات اصبح الملايين من العرب الاسلامويين يستخدمون الإسلام كمصدر للهوية والعقيدة والشرعية والأمل. هذه الصحوة الدينية هي أحدث مرحلة في تكييف الحضارة الإسلامية مع الحداثة ومحاولة لإيجاد الحلول التي لا ترتكز على تقليد واستننساخ الأيديولوجيات الغربية، ولكن على أساس تعاليم الإسلام نفسه. وبالنسبة للاسلامويين فيشمل ذلك الالتزام بالعودة إلى النسخة الأصلية من الإسلام النقي. هذا هو الخطاب الذي استغله الاسلامويين لتحويل رفض المسلمين للحضارة الغربية إلى حركة دينية جماهيرية شعبية انتشرت في مصر ومن ثم إلى العديد من البلدان الإسلامية الأخرى. فالأصولية الإسلامية، التي تعرف أيضا باسم الإسلام السياسي، هي عنصر واحد فقط من إعادة إحياء الأفكار والمعتقدات والإرتباط بالإسلام، والذي يمارس الآن من قبل الجماهير الأصولية الإسلاموية. الصحوة الدينية هذه تظهر في جملة أمور، من خلال الاهتمام المتزايد في الخلافة كنموذج للمجتمع، أي نظام حكم يجمع المسلمين في كافة انحاء العالم تحت وحدة سياسية واحدة. وفي هذا النموذج يرتكز الدستور على الشريعة، استنادا إلى القرآن والأحاديث النبوية، في حين يكون الزعيم هو الخليفة ، ويمارس سلطته بوصفه ممثل الله وخليفة للنبي على الارض.
الدعوة وقد تعززت رؤية الحل الاسلاموي مع الحروب في العراق وسوريا والاضطرابات في تونس ومصر وليبيا. وخلال وبعد ما يسمى بالربيع العربي في عام 2011، حقق الاسلاومييون تقدما كبيرا في الانتخابات في تونس عام 2011 ومصر عام 2012، والمغرب، والأردن (على حد سواء في عام 2016). واعتبر الاسلاومييون ان هذا التقدم هو بمثابة النصر الإلهي وعلامة على أن الله مد أخيرا لهم يد العون بعد 1400 سنة من الغياب. هم الان مقتنعون بأنهم - ببطء ولكن بثبات – يقتربون من تحقيق الخلافة. وكان الربيع العربي هو الدعوة الى حقبة هذا الربيع الاسلاموي. وجاء أول رد على الدعوة في يونيو 2014 مع تأسيس الدولة الإسلامية ، التي أعلنت دولة الخلافة في سوريا والعراق، ونشرت الدولة الاسلامية بعدها الحروب في المنطقة والغرب لبناء دولة الخلافة الدينية. والطريق لبناء دولة الخلافة يمر عبر التمسك بتعاليم الإسلام والروايات النبوية التي تذكر أن الإسلام هو الدين الأخير والوحيد المقبول عند الله. ولذلك، فإن على المسلمين الحقيقيين محاربة جميع الأديان الأخرى. الاسلاومييون يقسمون العالم إلى فريقين متناحرين: المؤمنين أو الكفار، نحن أو هم – ولا يمكن خلق تعايش سلمي بين الاثنين – وهو نفس خطاب بعض السياسيين و الديماغوجيين في الغرب عندما يعلنون ان الغرب غرب، والشرق الأوسط شيء آخر، ولا يمكن خلق لقاء بين الاثنين. غالبية ساسة الغرب المعتدل لا يعتقدون أن الغرب لديه مشكلة مع الإسلام, بل المشكلة هي فقط مع بعض الإسلاميين المتطرفين. ولكن 14 قرنا من التاريخ تقول شيئا مختلفا تماما. فالعلاقة بين الإسلام والمسيحية كانت في غالب الاحيان تعايش العواصف, وفي بعض الفترات كان هناك تعايش سلمي، ولكن غالبا ما كان يغلب التوتر والحرب الدينية الباردة على هذه العلاقة بدرجات مختلفة. وفي الثلاثين عاما الماضية اخذ الاسلامويون على عاتقهم مهمة تحقيق أوامر الله من اجل اجبار غير المسلمين على اعتناق الإسلام – في البدء عن طريق اللجوء للحوار وبعد ذلك العنف. هذا هو السيناريو لفظائع وارهاب الدولة الاسلامية، وهو السبب في ربط الإسلام والمسلمين على نحو متزايد بالإرهاب والإرهابيين في جميع أنحاء العالم.
العودة إلى الماضي بالنسبة للمجموعات السلفية، فقد بدأ العد التنازلي، والرحلة إلى الماضي بدأت: عودة إلى عام 600 ميلادي بعد أن تم التخلي عن حضارة القرن ال21. فهذه الظاهرة هي نمط سلوك مقلق في العالم الإسلامي: فيتم قضاء وقت طويل للتأسف على فقدان الماضي "الذهبي" الإسلامي والشوق له , بدلا من التفكير بالحاضر و المستقبل والعالم الذي سنتركه لأولادنا.وهنا تمت التضحية بالمستقبل من اجل إستعادة وهم الماضي. نهج حلم العودة إلى الماضي هذا انتج تغييرات جذرية في فهم الذات لدى بعض العرب المسلمين. وهذا ما اراه عندما التقي بهم في العالم العربي وفي الغرب. ويواجه هذا النهج مقاومة من مجموعة مسلمين أكثر اعتدالا، الذين يدعون الى المضي قدما والتطلع إلى الأمام في محاولة لتحديث الإسلام، ويقولون أن السلفية هي أقلية في صفوف المسلمين. ولكن الجزء الأخير من هذا التبرير بان السلفية هي أقلية هو تبرير غير مقنع بشكل كامل, ذلك ان السلفيين هم اليوم جماعة دينية قوية جدا داخل الإسلام. والدليل على ذلك هو التقدم الكبير الذي احرزته السلفية في الانتخابات في الدول العربية. وهذا ما يدعوني للقلق على المستقبل بانه سيشهد المزيد من الانهيار والكوارث والحروب والإرهاب و الطائفية المسلحة. وهو مستقبل لا يمكن تجنبه ان لم تتخلى الجماعات السلفية عن وهم بناء دولة الخلافة في العالم. الأمل الوحيد هو أن يتمكن الاتجاه الاسلامي المعتدل من ايجاد او خلق شخصية كاريزمية روحانية - اي مارتن لوثر مسلم– شخصية ذات مصداقية ومقنعة ويمكنها صياغة حاجة الدين الاسلامي الى التحديث, كما حدث في الكنيسة الاوروبية قبل خمسمائة عام. ولكن من المشكوك فيه إن كان تبرير الحاجة الى الإصلاح في الدين الاسلامي ستقنع السلفيين، ولكن حركة الإصلاح وتحديث الخطاب الديني الاسلامي قد تنجح في تعزيز حركة الاعتدال والتفكير الحر في صفوف السملمين لكسب المعركة ضد السلفيين.
#أسامة_الهباهبه (هاشتاغ)
Osama_Al-habahbeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخروج من الصندوق
المزيد.....
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|