|
عن الصيدلة وشرف المهنة
راجي مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 5468 - 2017 / 3 / 22 - 19:35
المحور:
الطب , والعلوم
عن الصيدلة و شرف المهنة
هل بقي لمهنة الصيدلي شرف يمكن للصيادلة أن يدافعوا عنه ؟ ليس هذا المقال جلدا للذات ، أنا أحد هؤلاء الذين لم يرم بهم مكتب التنسيق إلي كلية الصيدلة ، بل اخترت منذ الثانوية العامة أن اكون صيدليا . الصيدلي أحد الحلقات الأساسية في منظومة الخدمة الصحية ، لكن ، والحق يقال ، لم تترك الرأسمالية المصرية أي خدمة صحية من أي نوع . لا داعي لسرد مساوئ ، خطايا المنظومة التي لم تعد تقبل بأقل من النسف و إعادة التأسيس من جديد . دعونا نتحدث عن الصيادلة بالأساس . الصيدلي ، هو المختص بالدواء ، تركيبه ، حركيته وديناميكيته ، أشكاله ، باختصار ، الصيدلي يدرس الدواء في علاقته بالمرض والجسد ، تعريف نظري بحت . لكن عمليا ، تحول الصيدلي وتم إخضاعه لشروط النظام ، للسوق . أصبح الدواء يخضع لكل ما تخضع له سلعة استهلاكية عادية . شركات الدواء في مصر لا توظف صيادلة للبحث العلمي ، فمصر لا تخترع أدوية ، مصر تستورد كل ما تنتجه منظومة الدواء العالمية ، الداء والدواء . فلم يعد خافيا علي أحد أن إحتكارات الدواء الغربية تخلق الأمراض معمليا كي تخلق طلبا عالميا علي الدواء . و تقوم الشركات في مصر بتعبئة المادة الخام ، المستوردة ، مع بعض الاضافات الملائمة للشكل الصيدلي المطلوب ، هذا هو الانتاج الدوائي في مصر . انه نمط يضع مصر تحت رحمة ضواري الدواء العالميين ، و يضع المواطن المصري تحت رحمة حيتان سوق الدواء المصري . ان شركات الدواء في مصر لا يوجد لديها اقسام للبحث العلمي ، و تتضاءل مهام الصيدلي المتصلة مباشرة بكيمياء الدواء بينما يتعاظم دوره كمسوق وبائع ، ك (تاجر دواء ) . قطعان من مناديب الدعاية يجوبون شوارع البلد ، يمثلون شتي الشركات ، يعرضون ما لديهم من ( بضاعة ) ، و ما لديهم من عروض للأطباء ، والتي في مقابلها سوف يوصي الطبيب بالدواء الفلاني في روشتته . و الصيدلي في صيدليته يلهث وراء الخصومات ، يسيل لعابه علي ( البوانص ) ، لا يجد غضاضة في انه وكيل لشركات الدواء في نهب المواطنين . هل بقي لمهنة الصيدلي شرف ؟ لا . قولا واحدا ، لا . انظروا الي الأرياف ، من المعتاد الا يتواجد صيدلي في الصيدلية . جحافل من الدخلاء علي المهنة ، لا علاقة لهم من قريب أو من بعيد بالدواء ، لكن منذ أن تحول الدواء الي سلعة استهلاكية كالشيبسي و الكوكاكولا ، أصبحت الصيدليات بؤرا للارتزاق . مثلها كمثل سلاسل البقالة ، الفارق هو نوعية السلع المعروضة . انني أتحدث هنا عن مهنة ، عن قطاع ، يمس بشكل مباشر سلاسل التبعية التي كبلنا بها الإستعمار . ففي حال توافر ارادة وطنية للتحرر سوف يشهد قطاع الدواء معركة دموية لا رحمة فيها . اذا ما قررت مصر الانعتاق ، سوف تدفع ثمن ارتباطها الطويل ، خضوعها الذليل لمراكز الرأسمال العالمي . سوف يمنعون عنا المواد الخام ، خاصة تلك المتعلقة بأدوية أمراض كالسكر ، وأمراض الأوعية الدموية و القلب . سوف يقتلوننا مرضا . ان استعادة الصيدلة لشرفها ، هو جزء أساسي في طموحاتنا التحررية . كل عمالقة صناعة الدواء في مصر ، ما هم الا وكلاء لضواري صناعة الدواء العالمية . بالطبع ، هذا هو الحال في كل القطاعات . لكننا نتكلم فيما يخص قطاعا حيويا يمس بشكل مباشر و يومي ، حياة عشرات الملايين من المصريين . هل هي حلقة مفرغة لا فكاك منها ؟ لا . ان استيلاء الكمبرادور علي الدولة ، تفكيك ارادتها عن طريق تفكيك قواعدها الانتاجية ، كان العامل الحاسم . و أصبحت شركات الدواء الخاصة هي حلقة الارتباط ، انبوب النهب الذي لا يتوقف ، الذي يصب في بحر الرأسمال العالمي . كل زيادة في سعر الدواء يتحملها المريض ، يستفيد منها بشكل مباشر عمالقة الدواء في مصر ، لكنها في التحليل الأخير تراكما في صالح العمالقة العالميين . الرأسمالية المصرية في خلال عشرات الاعوام من النهب لم تحدث تراكما ينقلها نقلة نوعية ، فالتراكم لا يتم هنا بل في المركز . و عليه فإن القول الفصل هو تأميم قطاع الدواء ، و هو ما لن تقوم به دولة تعمل في صالح أصحاب الأموال ، بل دولة تنحاز للفقراء . بتأميم شركات الدواء ودمجها ، سوف تحقق الدولة سيطرة علي انفلات أسعار الدواء ، سيطرة علي الموارد التي يهدرها التنافس بين الشركات في انتاج نفس المادة الخام . استيلاء الدولة علي قطاع الدواء ستواجهه مقاومة الشركات العالمية ، لكن تجربة كتجربة جنوب افريقيا في مواجهة اتفاقية التريبس الخاصة باحتكار براءات الإختراع ، حين حاولت انتاج أدوية لعلاج الايدز اثر تفشيه ، تلك التجربة تعطينا مثالا لآلية مواجهة الحرب الضروس . هناك في العالم يوجد من هم مستعدون لإعطائنا خبرات انتاج المادة الخام ، دول كالهند والبرازيل ، الصين و روسيا ، تلك دول يهمها مصارعة الغرب لمصالح نموها . بالطبع هذا حل مؤقت لمواجهة الإختناق الذي قد يصيب قطاعنا الدوائي ، لكن الحل الجذري هو أن تتحول مصر الي دولة مارقة ، تنتج المواد الخام رغما عن محتكريها . هذا الانتاج لا يمكن أن يقوم به سوي الصيادلة . ان ظروفا كهذه تستلزم تطوير امكانيات البحث العلمي في مصر ، البحث العلمي الدوائي في الجامعات ، وهو ما يستلزم بالتالي تغيير طرق الدراسة في كليات الصيدلة في مصر . لقد أصبح الصيادلة في غالبيتهم ، يتخرجون من الكلية و الاولوية بالنسبة لهم الالتحاق بجيش مناديب الدعاية . قليلون من يفكرون في الارتباط بالانتاج الدوائي ، لا بالتسويق . و تبدلت الصورة الاجتماعية للصيدلي من عضو ذا شأن في المجتمع الي عضو يتاجر بصحة الناس . وليس متوقعا ان يستقبل الصيادلة الإجراءات السابقة بالترحاب ، خاصة في حالة قيام الدولة يتأميم الصيدليات الخاصة . ولكن علي كل صيدلي أن يدرك أن تغيير المسمي الوظيفي الي ( طبيب صيدلي ) لن يعيد للمهنة شرفها . لأن شرف المهنة مرغته شركات الأدوية الخاصة في وحل الأرباح و لعبة الدعاية. كيف تسوق دواءا أنت تعلم انه ليس فعالا بما يكفي . أو لا تعلم إذا كان آمنا او لا ؟ ان استعادة شرف المهنة يكمن بالأساس في أن تكون معركتنا هي تقديم دواء آمن للمصريين ، دواء فعال و رخيص ، عتق الناس من تلك الزيادات البشعة في الاسعار ، تلك الزيادات التي لا دافع وراءها ولا مبرر سوي جشع اصحاب الشركات ، فك ارتباط سوق الدواء المصري بالاحتكارات العالمية ، القتال من أجل انتاج موادنا الخام . هكذا يمكننا أن نستعيد شرف الصيدلة ، أن نكون الحماة الحقيقيين لصحة المواطن . أن ننزه مهنتنا عن الارتزاق و المساهمة في نهب الناس . أن تتمايز نقابة الصيادلة ، وتقود المعركة ضد الوضع المزري في قطاع الدواء .
#راجي_مهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الرأسمالية والفاشية الدينية
-
في فقه انتفاضة يناير
-
عن كاسترو والسعار الأمريكي وتخاريف الإشتراكيين الثوريين
-
أكتوبر المسكوت عنه والوجه الآخر للعبور
-
عن الازمة الوطنية وهوية السلطة في مصر
-
سليمان خاطر
-
حول التبعية والتحرر
-
الكلام الزين في البرادعي وحمدين - مربعات بالعامية المصرية
-
الهزيمة التاريخية
-
حول القطاع الصحي في مصر
-
لاظوغلي
-
اذكريني
-
يا وطن
-
عن التفريعة و التبعية و أشياء أخري (1)
-
ثوريون أم خونة ؟ .. الإشتراكيين الثوريين مرة أخري
-
البرلمان اليوناني يصوت لصالح - الإجراءات الأولية- المفروضة م
...
-
رباعيات وقحة جدا
-
الإقتصاد السياسي للتحرش
-
حي علي البندقية
-
البرادعي-إفراز لنخبة التكيف مع الغرب الإمبريالي : إبراهيم ال
...
المزيد.....
-
DeepSeek.. الأصول التكنولوجية والاستراتيجية التي تهدد عمالقة
...
-
احذر هذه الأطعمة.. تزيد من شعورك بالتوتر
-
-حلم الصحراء السعودي-..أول قطار فائق الفخامة في الشرق الأوسط
...
-
اختبار مبتكر يتنبأ بسرطان الأمعاء قبل ظهوره بخمس سنوات
-
بريطانيا تشهد أعلى زيادة في فواتير المياه منذ 36 عاما
-
70 مليار دولار إيرادات مايكروسوفت في 3 أشهر.. نمو بـ12%
-
شركات التكنولوجيا.. أسباب تدعو للتفاؤل بعد ظهور -ديبسيك-
-
شاهد كيف ساعدت الخلايا الجذعية شابًا يعاني من الشلل في تحريك
...
-
بعد وفاة طفل بألمانيا.. كل ما تريد معرفته عن مرض الخناق وكيف
...
-
احتياجات الذكاء الاصطناعي من المياه العذبة هائلة
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|