|
خزعل الماجدي_ الشعر الشرقي او الكتابة عند احتمال الجسد
علي حسن الفواز
الحوار المتمدن-العدد: 1436 - 2006 / 1 / 20 - 07:41
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
مع صدور كتاب الاعمال الشعرية الكاملة للشاعر خزعل الماجدي ، نكون امام فسحة شعرية ونقدية لقراءة ظاهرة ثقافية/ ابداعية مثيرة للجدل في تاريخ الشعر العراقي اور بما امام عنوان اوسع لقراءة الظاهرة الشعرية السبيعينية في نصها المغامر الذي حاول ان يقترح خطابا اشكاليا في وعي الشعرية كمفهوم واجراء في مواجهة التقاليد الشعرية السائدة .. قدمت هذه الاعمال خلاصات متوهجة لمنجز الماجدي الشعري الممتد عبر اكثر من ثلاثين عاما ،، كان فيها الماجدي صوتا للشاعر والمنظر والباحث في مثيولوجيات الاثر العراقي القديم واساطير ذاته واناشيدها الطاعنة واسئلتها في جوهر الخلق واللذة والمدونات والخلود وقدامة الوجود. استطاع ان يوظفها بحرفية الشاعر والمعرفي في متون نظامه الشعري ، لتبدو قصيدته وكأنها النص الجامع الباحث عن الجوهر، المثير لشهوة القراءة........ ان الماجدي شاعر حسي بامتياز ، يكتب بمزاج خاص وتلمّس حيوي له مجساته وحفرياته التي تبحث في اصالة الشعر مثلما تبحث في حداثته، تؤسس لخطابها وعيا استثنائيا يستقرأ ما في (( كيمياء)) الشعر من معادلات و مسارات لها مركباتها و صورها وعوالمها المتمظهرة عبر عملية كشف دقيقة للماضي الحضاري في الشرق ،وعبر لغة وجدت في هذا الماضي ذاتا تجوهرت حول اصل الاشياء ،،وان تشكلاته الشعرية هي امتداد لهذا الاصل الحافظ لجذوة الانسان وقوته وخصائصه الروحية التي وقفت عند اول عملية للخلق وعند اكتشاف النار واللذة والحكمة والصلوات ... يبدأ الكتاب في قراءة توصيفية استهلتها المقدمة التي حملت عنوان (( الشعر الشرقي)) ليقين الشاعر ان جوهر مرجعياته الشعرية هو الشرق في تراثاته وكنوزه و نصوصه الفكرية والسحرية والوجدانية والغنوصية بكل ما حملته من جذوات بدءا من الجذوة السومرية وتوهجها الاسطوري الذي جاء بكلكامش وطوفانه وقوته ورغبته العميقة لانسنة الوجود والجسد خارج متاهات انصاف الالهة وقلقهم النصف آدمي الصانع للشعرية !! مرورا بموروثات الشرق الادنى والاقصى عبر حضارات وادي الرافدين ووادي النيل وحضارت الهند والصين وصولا الى لحظته الراهنة المشرعة الى قلق كوني هو قلق الانسان الباحث عن حريته ولذته ...يلمس الماجدي حنينه الى هذه اللحظات الممتدة في حميمية زمنه من خلال الايهام بان ((شلال الشعر السومري مازال متدفقا في اغاني الجنوب الحزينة وفي قصائد الشعراء الشعبيين الفطريين العظام سليلي اجدادهم السومريين وفي حكمهم وامثالهم وهوساتهم ،، كانت اغاني الجنوب تعينني على مسك روح الشعر السومري الذي كنت اقرأه في الالواح الطينية )) ص 9 اطلس شرقي ،، أول المجموعات التي تعمد نصوص (البلبالات السومرية وادب الكالا وادب النار والتراتيل والصلوات وقصائد الغزل الحارة بين انانا ودموزي )) ص11 تنحو هذه المجموعة الى توظيف الكثير من البنيات النصوصية ذات المرجعيات الشرقية التي يوسمها الشاعر بدالة الخلق ، مع مدونات يضعها في سياق فهمه للمركب الشعري ونصوصه التي تؤسس وعيا يدرك فيه الكثير من خاصيات التلاقي بين الشعر العراقي القديم مع الشعر المصري خاصة في توظيفاته للنص الهرمسي والنص التحوتي والنص التياميتي.. هذه السراديب تعبد فيها الكلمة ،انكي قريب من السراديب يقذفه بطاسته ، أكل الكهنة الثمار وظهروا يضحكون على مياه الابار .. العقارب تمطت وحركت سنابلها... انت تتكحلين بسين وهو متحد بكمالك ..ص71 كما انه حاول توظيف شعر الحب في محاولة تأنيث العالم الذي يحوطه برعبه واسئلته ،من منطلق تركيب مجموعة من المكونات التناصية التي تمزج بين مرجعيات الشعر السومري القديم مع شعر البرديات المصري ، في رغبة لتشكيل نص شعري شرقي يجسد روح الانسان الباحث عن وجوده عبر استحضار الانثى / صورة الخلق وعبر استحضار القوة / صورة اقتحام العالم .. ( اصطدم اصبعي بالبرق فازداد جسدي ظلمة. منديله الاحمر غسل به رأس نعامة غاضبة ثم امسك يد السماء وتشبث بها وصعد ..كان طفلا طامحا ، ترك كتبه وتصاويره ورسائل عشيقاته على الضفاف وسبح في لجة البحر يفتح الاصداف والسفن الغارقة بصبر .. لم يخرج الى الضفة الثانية.. مازال هناك يتوغل في الكنوز )) ص47 وفي قصائد مجموعته( فيزياء مضادة) يضع الماجدي النص ازاء الجسد في لعبة تبادل ايروسية وكونية ، يستعير من النصوص القديمة فضاءاتها في التعاطي مع الوجود والجسد والروح ، واظن ان هذه اللعبة الاثيرة عند الماجدي تمثل اكثر مناطق اشتغاله الشعري والمعرفي اثارة ، اذ يضع كشوفاته عن طبقات الوجود الانسي القديم للفكر الشرقي العراقي والمصري امام عملية تشريح معقدة ، يكشف من خلالها جوهر الخلود الذي الفيزياء المضاد للفناء امام قوة الحياة واللذة التي يقترح لها الشاعر القديم الخطوط والاشارات والصور ، وكأن هذه الدالات هي سمات مبكرة لقوة الشعري في الفكر الشرقي .. اراك وانت تكرعين بكأس الذهب الفخم اللذات، وانت تنحدرين مثل سيول وتزمجرين مثل لبوة.. ولعل مجموعته ( قصائد الصورة ) من المجاميع التي اثارت لغطا حول مرجعياتها الفنية والاسلوبية ، وهو رغم دفاعه عنها باعتبارها قصائد تنتمي الى الموروث الشرقي وطبيعتها في ان تكون فضاء شعريا يعتمد ( الاختزا ل والتركيز ورسم الصورة) الذي يلتقي مع بعض مكونات تجربة الماجدي الشعرية والصورية ،، لكنها ظلت مع ذلك مقاربة في التأسيس على النمط الشعري الذي كتبه اليابانيون في قصائد ( الهايكو) والتي ترجمت نماذج كثيرة عنها الى العربية .واجد ان جذوة المغامرة عند الماجدي هي كثر المثيرات التي حرضته على مقاربة هذا النمط الشعري في سياق يجعل هذه القصائد جزءا من لعبة مركبة في التعاطي الدقيق مع الزمن واللغة والرؤيا ، والتي يجد فيها الماجدي اغواء في ان يجعل اشتغاله فيها اغواء شخصيا في السيطرة على الزمن الكوني والزمن اللغوي ، انها محاولة في ان يجعلها قصائد تنتمي لعبته الباسلة في الكشف عن الجوهر العميق للشعرية الشرقية ... حين المسك يتحول كل جسدك الى قلب ***** ايتها المدينة اعطني الامان واذا لم تتمكني فاعطني امرأة ***** الورد ، الذهب ، الخمر ، الشمس عناصر جسدها الاربعة في قصائد مجموعته ( اناهيت ) ثمة تماهي سري مع جوهر الانوثة ، التي تتكشف عبر مجموعة من التجليات التي يتجسد فيها الحسي وهو يتمثل الرموز الموغلة في الانشداد الى المعنى الايروسي، وهو ليس معنى مجرد قدر ماهو استحضار يتشكل عبر تلاقي مجموعة من الشفرات السحرية مع شفراته الشخصية التي يجعل سحرها هو سحر الجسد ، الانثى ، اللذة ، العناصر الفيتشية العالقة بها ،،اذ تتلاقى شفرة المعبد والقرابين في المكون العبادي مع شفرة حبة الرمان في المثيولوجيا الشعبية ، وهذا التلاقي هو تتمة لجعل (اناهيت ) مركزا للخلق والخصب واللذة،،ولعل قدرة الماجدي على توظيف الفضاء الاستعاري للنص الاسطوري القديم في سياق اشتغاله الاجرائي يجعل من نصه اقرب الى نص التوصيف المرآوي الذي يكشف سرية الاشياء وهي متورطة بلذتها او الشروع في تحقق اكتمالها ، لذا تبدو القصائد وكأنها كتابة في هذيان اللذة . التوظيف الاسطوري يبدو خارجا تماما ، او شفرة محركة لفكرة يومية تمارس اعلانها وكشفها عن اصل اللذة ، وهو يعكس تماما ما اعتدنا ان نقرأه في قصائد السياب مثلا عن التوظيف الاسطوري في قصائده ،اذ تبدو قصائده وهي تنحاز الى معان كونية في فلسفة حزن الشاعر او قراءة الموت والحياة والقوة والخلق ، وهي تمثل توظيفا داخلا في البنية النصية .. هبني ادخل عليك فسأ بل فمك بكلام غريب وسأ طعمك الحروف واشرق في لسانك ما عليك سوى فتح بابي ونهب عقلي وخطف سحابي في قصائد مجموعة( اسمعي رمادي .. اسمعي موسيقى الذهب )) ينطلق الشاعر من مفارقة العنونة ، فالرماد هو ايحاء للصوت الداخلي الفالت ما بعد الحريق ، او ربما هو صوت الشاعر الشخصي ، مقابل اسمعي موسيقى الذهب التي هي استعارة بصرية كاملة ، تجعل من قصائد المجموعة برمتها اقرب الى القصائد البصرية التي توحي اكثر مما تفسر !! تسخدم تقنية الفراغات كمعادل لايقاع بصري كما يقول الشاعر ، لكنها في حقيقتها تبدو وكأنها نص تعويضي للصورة الغائبة التي تسبطن توحشات الشاعر ازاء لذته التي لاتنتهي .... وهذه التشكلات تمنح الشاعر مجالا لشمولية استعارية واسعة تبدأ من اشراقاته القديمة ذات التوظيف الرمزي والايروسي وصولا الى لحظته اليومية المفعمة بالتوصيف الايقوني للموصوف وجعله مركزا للنداء والاغواء واستحضار اللذة .. شمعدان يلّف قامة شمعدان يخلط الفراشات في ذلك المطب اقليم مدجج بالاسماك والكلام يتحمى غبار عليك غبار على جزمتك غبار على الكمنجة وماسة تريث فالثلج يعمل هناك ما يؤخذ اشمّ موسيقى الذهب تحوم في جسدك ان قصائد الماجدي التي وظفت تقنية التركيب النثري في لغة مفعة بروح دافقة اعطت للجوهر الشعري معان اضافية ، وجعلت من تجربته مفتوحة على عوالم غير محدودة ، الشعر فيها منطقة جذب مركزي يعتمد تركيب وترسيم الحدو د اللغوية في تقنية الصورة وفي التقنية البصرية وفي نص النداء واستحضار الرغبة وفي ماسماه الشاعر اللغة السرية للغجر !! وهذا هو المثير دائما في تجربة الماجدي الحيوية التي تجعلنا دائما روح المغامرة والرغبة الجامحة في التخلص من الشكل الذي يقول عنه ادونيس بانه القفص !!! ان تلبس الشاعر لروح الشرق القديم او البحث عن سمات واشكال ورموز وتوصيفات لشعريته ليست محدوده في اطار تعريفات التي قدمها في مقدمته للكتاب ، رغم انه يتعاطى معها خارج سياقها ونتائجها الاركيولوجية ،، بقدر ماهي محاولة للبحث عن اشباعات طفلية لذاته اللذوية التي تجعل من اللغة شفرتها العالية ونظامها الاستعاري الكبير ، فضلا عن توظيفه التقنية اللغوية في جعلها مجسه السري في تلمس التابو والمسكوت عنه او ربما الانغمار في توليدات ذاته التي تبدو خارجة عن السياق ومندفعة باتجاه اشباع لايمكن السيطرة عليه
#علي_حسن_الفواز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|