أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - رحيم العراقي - قبل أن أنسى ..قحطان العطار ...الجزء الأول















المزيد.....

قبل أن أنسى ..قحطان العطار ...الجزء الأول


رحيم العراقي

الحوار المتمدن-العدد: 1436 - 2006 / 1 / 20 - 07:26
المحور: حقوق الانسان
    


..إبان العام الدراسي 72_1973 إشتدت ممارسات الطلبة الأعضاء في الإتحاد الوطني ضراوةً رغم طرح ميثاق العمل الوطني والتفاهم حول الجبهة الوطنية مما جعلنا نحن أعضاء إتحاد الطلبة المكشوفين في متوسطة أبي عبيدة الجراح نبحث عن مدارس أخرى تأوينا ..وأعياني البحث الى أن وجد شقيقي كريم العراقي حلاً لمشكلتي :
_ أعرف مطرباً شاباً لم يصور سوى أغنيتين كتبهما عريان وكاظم الكَاطع يدرس في ثانوية مسائية ويحبه الجميع ويحترمه المدرسون في الثانوية ..إسمه قحطان العطار ..إنه غاية في الطيبة وحُسن الخُلق ...
..ذهبت مع كـريم الى منطقة كـمب الكـيلاني القريبة من الباب الشرقي حيث يسكن قحطان وسبعة من أخوانه و أخواته في بيت عتيق وواسع ..كان اللقاء الأول بقحطان كافٍ لأن أرسم له كاركتراً في مخيلتي :
شاب وسيم بل جميل وطيب القلب ومتواضع وحنون لكنه محدود الوعي لتواضع بيئته الأجتماعية ثقافياً فقد كان يدخل علينا كل عشر دقائق أحد أقربائه وهو يحمل ادوات كهربائية أو إحتياطيةللسيارات أو يلف رأسه بمنشفة فيعّرفنا به:
_ هذا إبن عمة زوجة أخوي جبار..سايق على خط بغداد _ العماره..حشر عنده الكَير بالعزيزية و..ويكمل الشخص قصة الكَير الذي حُشر متحدثاً لمدة ساعة طويلة وكأن البراغي والوشرات تتطاير من فمه..وهكذا..
..عمل لنا قحطان الشاي بنفسه وكان مبهوراً بكلامي الذي يعتبره أكبر من عمري الى درجة أنه كان يحاول حفظ بعض العبارات التي قلتها للمزاح مثل: (( البكر بعين أمه رئيس )) وكنت أقصد أن الرئيس معدوم الصلاحيات والرئيس الفعلي هو النائب صدام...ومن خلال الحديث عرفت بأن قحطان أنهى خدمته العسكرية من زمان ويكبرني بعشر سنوات لكنه يماثلني دراسياً _ في الثاني المتوسط _
.. توسط لي قحطان وقبلوني في ثانوية المعهد العلمي في البتاوين وصرت زميلاً لقحطان يشاركه نفس الرحلة الخشبية والحلم الكبير في إنهاء الثالث متوسط لكي ندرس معاً في معهد الفنون الجميلة : هو في قسم الموسيقى وانا في قسم الدراما..وتقاسمنا العوز والقصايد وبرودة الشتاء والصمون وكاسة اللبلبي :
_ أموت على اللبلبي ..رحيم لا تاكل اللبلبي بكَشوره يصير عندك غازات..
_ على كيفك ..فضحتنا..
فيضحك قحطان من الأعماق..ضحكته الطفولية الحميمة ..
..طلب قحطان من مهدي سمين رئيس الأتحاد الوطني في الثانوية عدم التعرض لي فأجاب الطلب ..ومضت
الأيام والليالي هانئةً وجميلة نلتقي خلالها بإستمرار ..نذهب الى البتاوين سيراً على الأقدام ونعود الى كمب الكيلاني كذلك لنجد شقيقته المرحومه مهديه قد وضعت لنا العشاء في صينية مغطاة في غرفة الضيوف التي إتخذناها غرفة لنا..بدأ قحطان يحي الحفلات بل وأصبح مطلوباً جداً في الحفلات العامة والعائلية لكنه سرعان ما أخذ يتهرب منها لخجله الشديد من إستلام الأجور..كنت أراه يحمر خجلا و هو يمد يده المرتجفة لإستلام النقود رغم إنهم كانوا يحترمون رغبته في وضع النقود في مظروف وكأنه هدية رمزية..
كان إيجار بيتهم 12 دينار فقط ومع ذلك بدا هذا المبلغ فاحشاً في ظل ظروفه العائلية بعد عزوفه عن الحفلات ..ما عدا المجانية ..فقد رفض مرة إحياء حفلة عرض عليه أصحابها أضعاف أجره وذهب تلبية لدعوة شقيقي كريم العراقي لإحياء عرس الصديق الشاعر فالح حسون الدراجي في الثورة..وكان أن طرده أهل العريس شر طردة كونهم طلبوا فنانة أو فناناً ريفياً.. وظلت هذه الحادثة تؤلم قحطان لسنوات طويلة..
..إكتشف قحطان بي موهبة الشعر الغنائي الشعبي تحت وطأة حاجته الى شاعر غنائي بعد ان كانت محاولاتي في الكتابة مقتصرة على المسرحيات والشعر الفصيح .. فقد قرر ذات يوم إعادة غناء ((على الميعاد )) للفنان الراحل رضا علي بعد أن يقوم أحد الشعراء الثلاثة :عريان وكاظم وكريم بتغيير جميع المقاطع _ الكوبليهات_ لكنهم غابوا عنه في تلك الأيام ..ففاجئني ذات مساء بان أعطاني دفتراً وقلماً وقال بلهجته الحانية:
_ رحيم ..حاول تكتب المقاطع وسأعمل لك شاي بالهيل يخّبل ..
.. ذهب لإعداد الشاي ..وعاد بعد ربع ساعة ووجدني قد كتبت:
..ناسي وعدي دومك
هـاجـرني مـن يومك
أبـــداً مـــا ألـــومك آنا العـــّـوديتك..
..يا عـمـري و مـراده
يا تعــبي وحصــاده
أنا بعت الســـعاده من يوم إشتريتك..
.. أنا تحّـمـلت يامـــه
مـن عـندك مـلامه
وتظل روحي حمامه ترفرف على بيتك..
على الميعاد إجيتك..
..قرأت لقحطان ما كتبته فصرخ: الله..تعالوا مهديه ..جبار ..كريمه..هاشم..لميعه..طارق..عدنان.إسمعوا..
ولم يدعني قحطان أذهب الى بيتنا حتى كتبت موالاً يلائم معاني الأُغنية ..فكتبت :
..تنسى المواعيد يلما خالفتلك وعد (موعد)
وأنتظر وصلك سنين بكل حنيني وعد ( أحسب)
ما فرحتني وأكَولن هاي قسمه ووعد (نصيب )
شدعي على اللي عن إمحبتي داره ( أداره ..قام بتغييره )
وروحي حمامة وفه ترفرف على داره ( بيته )
من المغفره يا ترف راسم علي داره ( دائرة )
كل ما تجيني بعذر أغفر وأكَولن وعد ( وعاد بالهجة الجنوبية تعني لابأس )
..كتبت لقحطان بعدها : يمه يا يمه إشجرالي ،ولفي وأريده من هله وعشرات الأغاني والمواويل ..
..عرفني قحطان بكل أقاربه وبأصدقائه في كمب الكيلاني : نينوس ووديع وجاسم إبن الشرطي وكلبرت وسنحاريب وإلبيرت وألفريد ..وكنت أقول لألفريد عندنا مثل يقول:ألفريد ولا بلاك واحد..
..كذلك عرفني بعجائز المنطقة:عندك ام بطرس تموت علي تحبني أكثر من بطرس ومتي..تسوي كليجه مسيحيه تخبل..
..وأنهينا الدراسة المتوسطة ..فقُبل قحطان بمعهد الفنون الجميلة..ولم أُقبل أنا..فتهشم نصف حلمنا الجميل..
وإشتدت الحملات والمضايقات في منطقة سكناي وأُعتقل شقيقي كريم وإنقطعت أخباره تماماً مدة ثلاثة أشهر فسافرت للعمل (ناصب سقالات)في مشروع عسكري نائي من مشاريع الشركة العامة للمقاولات الإنشائية (مشروع العقد1/75) بمنطقة صحراوية مابين بيجي وسامراء ..وأضعت عاماً دراسياً هو الأول من عشرات الأعوام التي ضاعت فيما بعد.وواصلت اللقاءات بقحطان أثناء الإجازات لنكتب ونتجول بين المقاهي وبيوت كمب الكيلاني الدافئة والمُفعمة بطيبة ساكنيها ونسهر في نادي التأمين أوبيوت الأصدقاء في الثورة والحرية والكرادة والشعب أو مع أحد الأصدقاء المقربين: كاظم فاخر أو الشهيد قاسم فاخر أو اللاعب كاظم شبيب أو الملحن الذي لحن (يمه إشجرالي) المرحوم جابر محمد أو نذهب الى معهد الفنون الجميلة أو معهد الدراسات النغمية في الوزيرية --في معهد الدراسات النغمية طلبنا من الملحن الأستاذ حميد البصري التدخل لقبولي حيث قال له قحطان : رحيم أخو كريم من جماعتكم ..لكنه رفض وقال : دراسة الموسيقى للموهوبين في الموسيقى فقط ..هذا ما تعلمناه من أساتذتنا العظام..كان موقفاً مشرفاً للبصري تمنيت أن يقفه المسؤولون في قسم الدراما بمعهد الفنون الجميلة الذين رفضوني لمجرد عدم الإنتماء للحزب الحاكم--وأذكر أنه عرفني على مطرب شاب من طلاب المعهد لم يسجل للإذاعة سوى أغنية واحدة ( حلوه يلبغدادية ) إسمه صلاح عبد الغفور قال لي إنه قريبه من جهة المرحومة أمه.
بعد ذلك نقلت عملي الى مشروع العقد 74 لبناء مدارج الطائرات في الكوت ليتسنى لي مواصلة الدراسة الثانوية المسائية في ثانوية الكوت..وهناك وبمساعدة قحطان سكنت في بيت أبي زيد رحمه الله وهو إبن عم قحطان الذي إلتزمني وعرَّفني على السيد محسن الدنبوس رئيس عشيرتهم ( كنانه )وأصبحت واحداً من أفراد عائلة أبي زيد المُحبة والمتوادة :زوجته المرحومة ام زيد وإبنيهما المرحومين زيد الذي كان سجيناً سياسياً والشهيد زهير وإبنتهما أزهار التي سمعت خبر وفاتها قبل عشرة أعوام وكأن خريفاً قاسياً عصف بشجرة العائلة هذه وأسقط أوراقها وزهورها اليانعة..
بالرغم من إبتعاد قحطان عن هموم السياسة إلا أن وعيه الذي بدأ يتبلور وحساسيته المفرطة جعلته يشعر ويعاني الكثير من أمور الحياة اليومية والعلاقات المزيفة وعدم الصدق والتعامل وفق النوايا الحسنة :
__ رحيم أنا عملت في فرن بالبتاوين وعمري لم يتجاوز العاشرة ..وكان إسحاق صاحب الفرن يحبني ويعطف علي ويحترمني لكن بعض الشواذ العاملين معي في الفرن كانوا ..تصور كانوا يمزقون مؤخرة بجامتي التي أرتديها قبل العمل ليسهل عليهم الإعتداء عليّ ..كنت أبدأ يومي في العمل بخياطة بجامتي قبل إرتدائها..كنت متماسكاً ..حافظت على نقائي وإحترام الآخرين لي ..ولا أريد شيئاً سوى أن أشرب الشاي في أماكن حميمة مع ناس..بشر بمعنى الكلمة..مع عائلة..عائلة ..أم أحد أصدقائي..عمه ..خاله ..في وجهها ملامح الرحمة والدفء للمرحومة أمي.
..كان قحطان قد بدأ يشعر بزيف الآخرين..وعدم وجود مُثُل عليا..الكل يتزاحم بالمناكب من أجل فرصة لغيره و لايستحقها.
__ رحيم انا لاأحب المنافسة بهذا الشكل ..أنا أحب كل المطربين..وأحب كل الجيران..أحب أصعد عالسطح وآخذ خبزة حارة من جارتنا ..أحب أتريّق شوربة في كافتيريا المعهد..لكنهم يظنون أني أمثل عليهم دور المتواضع..
..كان قحطان في أوج النجاح وقمة الشهرة فبعد أغنياته الأولى جناح الفرح ويا ضوه ولاياتنه وبالكيف وآه يازماني سافر الى القاهرة بصحبة حسين نعمه وياس خضر وسجل هناك :يا فيض و متى الجيه وشكَول عليك وغيرها ثم عاد وصور للتلفزيون :يكَولون غني بفرح و لوغيمت دنياي وتنافس على عرش القمة مع سعدون جابر قٌبل أن يتدهور سعدون..رغم خوفه من المنافسات..
..وفوجئت ذات يوم بقحطان يقرر الرحيل...



#رحيم_العراقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربيع الأرمل....قصة قصيرة جداً..
- صورة الإسلام في الإعلام الغربي
- الروائية الأميركية أرسولا لوغين: لغتي قريبة من ملحمة جلجامش
- . .. العلمانية...وكيف نشأت...؟
- الأديان الكبرى ..
- محاكم التفتيش..
- حياة موليير..
- كاركترات ح1..- الخال عوده
- مدينة الثورة..أُختطفت.. .. !


المزيد.....




- هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست ...
- صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي ...
- الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
- -الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...
- مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا ...
- اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات ...
- اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
- ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - رحيم العراقي - قبل أن أنسى ..قحطان العطار ...الجزء الأول