|
كليمنصو- جاءتها الرياح بما لا تشتهيه
علي عبدالعال
الحوار المتمدن-العدد: 1435 - 2006 / 1 / 19 - 09:10
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
تحولت حاملة الطائرات الفرنسية الشهيرة "كليمنصو" إلى عبأ كبير، ليس على البحرية الفرنسية فحسب بل على حكومة باريس نفسها، ثم أطراف دولية أخرى كمصر والهند وتركيا واليونان التي دخلت حكوماتها في سجال يدينها مع منظمات بيئية وحقوقية، منذ الحديث عن انتهاء عمرها الإفتراضي والرغبة الفرنسية في التخلص منها بعيداً عن بلادها. حيث تحتوي "كليمنصو" ــ التي كانت تعد في ما مضى لؤلؤة أسطولها الحربي قبل أن يتم تم نزع سلاحها عام 1997 ــ على نفايات خطرة. وتزن الحاملة العملاقة ــ التي أنزلت إلى الماء أواخر 1957، وشاركت في حروب عدة منها الحرب الأهلية اللبنانية، وحربي الخليج الأولى والثانية باعتبارها واحدة من أكبر القطع البحرية الفرنسية ــ فارغة ما يزيد على الأربعة والعشرين ألف طن، واستخدم في بنائها مئات الأطنان من مادة الأسبستوس (الاميانت) السامة كمانع للحريق، بالإضافة إلى مواد عضوية كـ (ثنائي الفينيل عديد الكلور)، ومعادن ثقيلة كـ (الرصاص) و(الزئبق). ومنذ التسعينات سعت البحرية الفرنسية إلى التخلص من حاملة الطائرات السابقة، بعد إحالتها إلى التقاعد، وفي العام 2001 فشلت باريس في تحويل كليمنصو إلى "شعب أصطناعي" في البحر المتوسط عندما أوضحت السلطات البيئية أن الأسبستوس شديد الضرر بالأحياء المائية. وفي العام 2003 فشلت جهود تصدير الحاملة إلى تركيا، كما فشلت محاولات إزالة الأسبستوس الظاهر لارتفاع التكاليف. ورفضت اليونان أيضا استقبال الحاملة العسكرية في طريقها إلى بنجلاديش، وأعادتها البحرية اليونانية بالقوة إلى فرنسا. وبعد تأكد باريس من ارتفاع تكلفة إزالة الأسبستوس وباقي المواد الخطرة من كليمنصو، بما يزيد عن سعر خردة الصلب التي ستخلفها. رأت السلطات الفرنسية أن الحل الأكثر كفاءة اقتصادياً هو تصدير حاملة الطائرات العملاقة إلى دولة غير أوروبية يعمل سكانها الفقراء على تفكيك السفن. وبعد محاولة جادة لبيعها انتهت إلى الفشل بشكل مأساوي، قررت وزارة الموازنة التي آلت إليها ملكية الحاملة الأشهر في تاريخ فرنسا، إرسالها إلى الهند ضمن عملية فنية تهدف إلى تخليصها من مادة الحرير الصخري العازل (الأميانت) التي تلوث البيئة وتضر بصحة الإنسان. وبالرغم من جهود حركة مقاومة الأسبستوس القوية في فرنسا، حكمت محكمة فرنسية مؤخرا أن الحاملة الخردة باعتبارها مواداً حربية، لا تنطبق عليها اتفاقية "بازل" التي تنظم حركة المواد الخطرة، والتي كان للدول الأفريقية بقيادة مصر فضلا كثيرا في صياغتها. ومن ثم قررت باريس هذه المرة تصدير "كليمنصو" إلى حوض (أنلانج) في الهند، حيث أكبر مقبرة سفن في العالم، بالرغم من الرفض الشعبي الكبير في الهند، وبالرغم من أن الاتفاقية الدولية تنص على التزام كل الأطراف باعتبار المواد خطرة إن رأى طرف واحد (دولة المصدر، أو دولة المستورد، أو دولة المرور كمصر) أنها كذلك. وبينما شددت الشركة الوطنية الفرنسية على أنها تتبع إجراءات السلامة المتعارف عليها في هذه العملية، نبهت الجمعيات البيئية المعارضة إلى أن وجود عشرات الأطنان من الأميانت في الهند : "يعد أمراً غير مشروع على الإطلاق"، لما في ذلك من مخاطر على صحة الهنود، ودعت عوضاً عن ذلك إلى القيام بالمهمة داخل فرنسا التي تمتلك الوسائل اللازمة للقيام بها عبر نحو 15 شركة متخصصة في هذا المجال. وبدأت "كليمنصو" التي يبلغ طولها 265 متراً، رحلتها المثيرة للجدل إلى الهند بمغادرة ميناء تولون (جنوب فرنسا) نهاية شهر ديسمبر الماضي، متجهة إلى حوض (أنلانج) الضخم لتفكيك السفن في ولاية غوجارات غرب الهند، حيث سيتم تفكيكها وإزالة الأسبستوس منها، بعدما جابت بحار العالم لمدة 40 عاماً، وذلك وسط احتجاجات من جماعة جرين بيس (السلام الأخضر) المدافعة عن البيئة، وقامت سفن جر تابعة للمجموعة الألمانية (تايسن ـ كروب) بقطرها. وجرين بيس منظمة دولية مستقلة تستعين بالتحركات السلمية من أجل تسليط الأضواء على المشاكل البيئية العالمية. وتقول المنظمة في هذا الإطار : إن الهند غير مؤهلة للتعامل مع النفايات الملوثة بالأسبستوس التي تحملها السفينة الحربية العملاقة. وطالبت المنظمة وغيرها من المنظمات المدافعة عن البيئة بعودة حاملة الطائرات إلى فرنسا، ونددت بالكلفة البشرية للأعمال التي ستنجز في ورشة غير مؤهلة، وبالمخاطر التي تشكلها عملية التفكيك على صحة الأشخاص الذين سيقومون بهذه العملية في الهند. وأكدت جرين بيس أن : "كليمنصو تشكل خطراً مباشراً على البيئة". وفي رحلتها إلى الهند وصلت "كليمنصو" قبل أن ينتصف يناير الحالي، إلى المياة الإقليمية المصرية، حيث منعتها السلطات من عبور قناة السويس، واستند الرفض المصري إلى أن السفينة لا تحمل شهادة تفيد خلوها من مواد تسبب الضرر للبيئة. وقالت المصادر الرسمية ــ في حينها ــ إن الموقف المصري ينطلق من ثوابت أساسية ترتكز علي حقها في منع أية سفن من المرور في قناة السويس يثبت أنها تمثل تهديدا للبيئة أو تشكل خطراً علي المياه الإقليمية، كذلك من حقها الحفاظ علي سلامة قناة السويس باعتبارها ممراً مائياً دولياً. وقال المسئولون إن السفينة لن يسمح لها بدخول قناة السويس وسيتم إعادتها في طريقها ما لم يتم تقديم أوراق مطلوبة. وظلت حاملة الطائرات متوقفة علي بعد 15 ميلاً خارج المياه الإقليمية من البحر المتوسط . وقال متحدث رسمي : انه فى مثل هذه الحالات - وطبقا للقانون الدولي - لايمكن عبور سفينة من هذا النوع وبهذه الحالة إلا بعد استيفاء عدة شروط للحفاظ على الإنسان والبيئة ومن بينها شهادة من ميناء القيام، وشهادة من أول ميناء للوصول، وشهادة من الميناء النهائي، وهذه كلها أمور متفق عليها دوليا حتى لا تتسبب فى حدوث أى تلوث . وطلبت القاهرة من كل من فرنسا والهند شهادة بأن كليمنصو لا تحمل نفايات خطرة قبل السماح لها بعبور قناة السويس. وقام ناشطو (السلام الأخضر) في 12 يناير 2006 إلى اعتراض طريق حاملة الطائرات في المياة الإقليمية وتسلقوها في تصعيد للنزاع الدولي حول إنهاء خدمتها وتأهيلها. وكبل ناشطان نفسيهما إلى جانب السفينة ورفعا يافطة تقول "حاملة الاسبستوس : لا تدخلي الهند". كما كان ناشطو (جرين بيس) قد نفذوا تحركات سلمية في فرنسا والهند في آن معاً، وذلك بالتزامن مع مغادرة السفينة للأراضي الفرنسية. إلا أنه وفي تطور مفاجأ سمحت مصر الاثنين 16ــ 1ــ 2006م، بعبور "كلمنصو" قناة السويس، معتبرة أنها لا تزال سفينة حربية مملوكة للدولة الفرنسية، ولا تنطبق عليها اتفاقية بازل حول النفايات الخطرة. وقالت وزارة البيئة : انه "بناء على موافقة الحكومة الفرنسية على تصدير حاملة الطائرات كليمنصو بحالتها الراهنة، وقبول الجانب الهندي ذلك، وموافقته على استقبالها للتفكيك، فإن السفينة في وضعها القانوني والفني الحالي لا تشكل مخاطر بيئية على مصر فى حالة السماح لها بالعبور فى قناة السويس". وأضافت أن "الوثائق الرسمية الواردة من السفارة الفرنسية بالقاهرة أوضحت أن السفينة مازالت مملوكة للحكومة الفرنسية كمعدة حربية، بما يعكس عدم وجود جوانب قانونية وبيئية مباشرة تتعارض وأحكام اتفاقية بازل". وتثير موافقة مصر علي عبور السفينة الفرنسية، برغم ما تحمله من مواد سامة علامات استفهام عديدة، خصوصاً أن الموافقة لم تتضمن تأكيدات علي خلو السفينة من هذه النفايات، وإنما أكد وجودها، أما ما تضمنته ردود وزارة الدفاع الفرنسية، من توفير المستندات المطلوبة التي تثبت أن السفينة مازالت مملوكة للحكومة الفرنسية كمعدة حربية. بما يعكس عدم وجود جوانب قانونية وبيئية مباشرة تتعارض وأحكام اتفاقية بازل، فكلها مسائل شكلية لا صلة لها بالخطورة الناجمة عن احتمالات تسرب هذه النفايات السامة في قناة السويس، وهي خطورة قائمة وبقوة. وفى المقابل نددت منظمة "السلام الأخضر" المدافعة عن البيئة بقرار مصر السماح لكليمنصو بعبور مياهها، وقال المتحدث باسم "جرين بيس" مارتان بيسيو في القاهرة إن : "الأمر يتعلق بقرار سياسي محض، وأن تنجح فرنسا في الضغط على مصر يشكل فضيحة". وانتقد المتحدث باسم المنظمة التبريرات الفرنسية التي تبنتها الحكومة المصرية، ومنها أن كليمنصو لا تخضع لاتفاقية بازل حول نقل النفايات الخطرة لأنها لاتزال سفينة حربية مملوكة للحكومة الفرنسية. وأكد موقع جرين بيس على شبكة الإنترنت أن 80% من كمية الأسبستوس الضارة بصحة الإنسان مازالت علي متن حاملة الطائرات. وأشار إلي أن شركة (تكنوبيور) التي تولت تطهير الحاملة تؤكد وجود 50 طنا علي الأقل من الأسبستوس وأكد أن القرار المتخذ في اجتماع متابعة لمعاهدة (بازل) يعتبر السفينة التي تنتهي فترة خدمتها "نفايات" حتي لو كانت سفناً عسكرية مثل كليمنصو، مشيراً إلي أن مصر كانت قد أعلنت رسمياً انها ستنفذ اتفاقية بازل علي السفن المتوجهة إلي مواقع التفكيك!!. وإزاء ذلك رأى المراقبون أن قراري المنع والعبور أرتبطا بالدرجة الأولى باعتبارات سياسية، وألمحوا إلى أن هذه الاعتبارات هي ذات صلة بالتوتر الحالي في العلاقات المصرية الفرنسية بسبب الملف السوري، ورفض باريس وساطة قام بها الرئيس مبارك لتخفيف الضغوط الفرنسية على سوريا. ورأت مصادر صحفية أن السماح بمرور السفينة بعد منعها جاء ـ على ما يبدو ـ بقرار سياسي بعد أن أعلن قصر الإليزيه عن نيته إبعاد عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري الأسبق عن فرنسا. وأشارت المصادر إلى أن قرار مصر بمنع السفينة قد أدي لتوتر في العلاقات بين مصر وفرنسا ، وأن فرنسا وعدت بالنظر في المطالب المصرية الخاصة بالملف السوري إلا أنها اشترطت السماح بمرور السفينة للهند، وأبدت امتعاضا شديدا من الموقف المصري. ولم يكد مداد الموافقة المصرية يجف على الورق، حتى رفضت الهند دخول حاملة الطائرات الفرنسية "كليمنصو" المياه الإقليمية الهندية، وأكدت أن عبور السفينة الفرنسية المياه الإقليمية يعد خرقاً لاتفاقية بازل. وأصدر القضاء الهندي حكماً بمنع دخول كليمنصو. وكانت لجنة المراقبة في المحكمة العليا الهندية أعلنت في 7 يناير أن استيراد "كليمنصو" إلى الهند يشكل خرقا فاضحا لمعاهدة بازل.
#علي_عبدالعال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|