|
مديرية حقول الفساد
نضال العبود
الحوار المتمدن-العدد: 1435 - 2006 / 1 / 19 - 08:27
المحور:
الادارة و الاقتصاد
تشكّل بعض مديريات القطاع العام بؤراً "مافيوزية" حقيقية للفساد. و بسبب موقعها الجغرافي البعيد نسبياً عن رقابة المركز، و البنى الاجتماعية المتخلفة التي تشكل الصورة الخلفية لعلاقات العمل و الإنتاج الأفقية و الشاقولية، و التعتيم و المراوغة و الخداع الذي تنتهجه الإدارة بغية الحفاظ على استمراريتها وعلى مكاسبها المشروعة و غير المشروعة ، وتقاطع مصالح (غير عامة) لجهات كثيرة ذات نفوذ في الدولة فإن الفساد في هذه المديريات يغدو مضاعفاً، مزمنا،ً عصياً عن الحل في ظل ترهل و ضبابية محاربته هذا إن وجدت.
بذلك تشكّل فيها عبر السنين منظومة فساد واضحة المعالم و الأركان بعلاقاتها و أشخاصها الذين يشار إليهم بالبنان و مع ذلك فالغالبية يبدو غارق في اليأس من إصلاحها، مما يصيب العمال فيها نوعاً من اللامبالاة بالرغم من القليل الهزيل الذي يحصلون عليه كمقابل لعملهم على اختلاف فئاتهم مقارنة بظروف عملهم الصعبة و بأقرانهم الذين يعملون في نفس القطاع حتى ضمن الجمهورية العربية السورية (الشركات النفطية السورية - الأجنبية المشتركة).
لا غرو أيضاً أن الجهات التي من المفترض أن تكون كابحة للفساد (الحزب – النقابة و غيرها) قد تورطت فيه و رعته و قدمت صورة معاكسة عنه بسبب تقاطع المصالح الشخصية لبعض شخوصها مع استمرار الوضع الحالي الذي يعتبر مرتعاً خصباً لإظهار ذواتهم.
إذاً تكون في هذه الحالة قد انتفت الرقابة على الخطأ (الرقابة الرسمية فقط بسبب عدم وجود جهات رقابية مستقلة). و تصبح منظومة الفساد هي الخصم و الحكم، و الصورة التي تقدمها للداخل (المديرية) و الخارج (الجهات الرسمية الأخرى..إدارة عامة..وزارة..رأي عام) هي الصورة الوحيدة المتاحة بسبب تغييب الصورة الأخرى الحقيقية.
حتى أن الإدارة الجديدة قد انضوت بسرعة مذهلة و انخرطت في منظومة الفساد سواء بسكوتها عن الأخطاء السابقة (الساكت عن الحق شيطان أخرس) ، أو بارتكابها أخطاء تنضاف إلى إرث الفساد السابق. و مهما قدمت من مبررات تتخفى من ورائها في ثوب الحمل الوديع فإنها من الناحية المنطقية ستصبح مسؤولة عن الأخطاء السابقة لعزوفها عن إصلاحها و عن الأخطاء اللاحقة لأنها هي من ارتكبها.
مظاهر الفساد هنا شتى و ثمة مجال لحصرها في عدد من الحزم الرئيسة. هناك قاعدة إدارية بسيطة تقول : أنه إذا كان المدير سيئاً فإنه يجب أن يكون مرؤوسه أسوأ حتى لا يحصل التعارض الذي يعني عدم وجود قواسم مشتركة بين الطرفين (الرئيس و المرؤوس) الذي يؤدي إلى التنافر الكلي و ذلك بخلاف التناقض الذي يعني وجود بعض المشتركات بينهما لكن في مجالات مختلفة تؤدي إلى التكامل في العمل و هذه الجدلية تكتسب بعداً ايجابياً يحفز على التطور و التنافس دون غلبة طرف على آخر و إنما تكاملهما و أهميتهما كليهما في العمل.
و لكن طبيعة منظومة الفساد هي طبيعة متعارضة بنيوياً مع الخبرات العلمية (شهادات الماجستير و الدكتوراه و غيرها) التي يجب تفريقها عن الخبرات الفنية الروتينية التي تصبح الشهادة العلمية غير ذات جدوى بسبب تكرار العمل مع انعدام الرؤية لحل المشاكل الطارئة و التي يعتمد حلها على الخبرات العلمية الأجنبية التي تعطي الحل فقط و تبخل بالطريقة (تعطي السمكة و تأنف عن تعليمنا كيفية اصطيادها).
و هذا ما يروق لها و يخدم مصالحها الضيقة (منظومة الفساد) فمن خلاله تستطيع الحصول مثلاً على العمولات و تؤمن إيفادات مستمرة مع "مصروف جيب" بأرقام لا تتعلق البتة بمفهوم مصروف الجيب مع ما يوفره لها من مظاهر اجتماعية كاذبة تتباهى بها على أقرانها و بعثات دراسية مجانية لأولادها و غيرها الكثير من الإغراءات التي تقدمها الشركات الأجنبية لشراء ضمائر المتنفذين في القطاع النفطي. لذلك فهي تحارب بضراوة كل شخص يمكن أن يقدم خبرة من داخل المديرية أو أن يكون مشروع خبرة على المدى القريب أو المتوسط و تقتل أي بذرة يشتم منها رائحة "البحث العلمي" الذي يفتقده القطاع العام كلياً، و ما آل إليه من تخسير و تكسير يعتبر نتيجة منطقية لمقدمة غياب البحث العلمي الآنفة الذكر(هل من المعقول أن مديرية ليس فيها سوى ثلاث شهادات دكتوراه فقط مقابل 3500 عامل..!؟ ) و التبخيس من قدره عن طريق هدر كرامة المؤهلين للقيام به و إسقاط احترامهم الاجتماعي و جعلهم يعانون أكثر من غيرهم لمجرد كونهم يحملون شهادات علمية، ليس هذا فقط و إنما يتم استثناءهم من أية مسؤولية حتى لو كانت صغيرة و يتم معاملتهم بأبشع الصور.
إذاً تصبح بيئة القطاع هذا طاردة للعلم و لحامليه و يتم تقويضه شيئاً فشيئاً في عملية تخريب ممنهجة مستمرة لمصلحة حفنة من الأشخاص الذين غاب عنهم أي حس وطني و بتطبيق سافر للمثل القائل " على عينك يا تاجر".
لقد تعرضنا إلى حزمة واحدة من حزم الفساد في هكذا مديرية أما الحديث عن الحزم الأخرى مع بعض الوقائع سيكون موضوعاً جديراً بسلسلة المقالات القادمة.
#نضال_العبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشفافية في مواجهة الفساد
-
تهميش حملة شهادات الدراسات العليا و تداعي القطاع العام في سو
...
-
إصلاح العلاقة بين الدولة و المجتمع
المزيد.....
-
السعودية: إنتاج المملكة من المياه يعادل إنتاج العالم من البت
...
-
وول ستريت جورنال: قوة الدولار تزيد الضغوط على الصين واقتصادا
...
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|