|
قراءة في افتتاح أول مدرسة في القرى البحرينية
نجاة الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 1435 - 2006 / 1 / 19 - 08:00
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
مع إطلالة القرن العشرين ازدادت حدة النزاعات التربويّة والتعليمية والفكريّة حول المرأة البحرينية بشكل عام والمرأة القروية بشكل خاص. أثار الجدل بين القوى الاجتماعية المتباينة في التفكير، أدى ذلك إلى تبلور تيارين على الأقل في خطين متوزاين دون أن يلتقيا. الاتجاه الأول كان ينادي بتعليم المرأة، أما الاتجاه الثاني فقد كان ينادي بحرمانها من العمل والتعليم ووضعها رهن العادات والتقاليد. والقادة التاريخيون لهذا التيار هم بعض من رجال الدي ليس الك . ومن غير اللجوء إلى التفاصيل نستطيع القول أن أول مدرسة للبنات في القرى هي مدرسة جدحفص الآن سار وكان ذلك في العام ,1958 ويمكن القول أنه بعد سنتين من الآن ستحتفل المدرسة بالذكرى الخمسين اليوبيل الذهبي واستعداداً لهذه الذكرى تبنى مركز جدحفص الثقافي في نادي جدحفص الرياضي والثقافي تبنى ندوة مفتوحة تكون السيدة زهرة حسين مصطفى لبنانية الجنسية هي محور هذه الندوة وعلى شرفها دعا المركز المديرة المذكورة وعدد من الطالبات القدامى أول وثاني دفعة تخرجت من المدرسة بالإضافة إلى روّاد الصحافة والثقافة والمسئولين في التعليم لحضور هذه الندوة وقد تشرفت كاتبة هذه السطور أن تكون من بين المدعوّين، لأنني كنت من الدفعة الأولى. وقد احتفى السيد مهدي عبدالله، المترجم والكاتب البحريني الذي دعا الجميع للمشاركة، في هذه المناسبة العزيزة وإلقاء الضوء على تاريخ التعليم بالمنطقة وبالمناسبة نقول أن مدرسة البديّع للبنات قد افتتحت في العام نفسه وبعد عشر سنوات افتتحت مدرسة السنابس بعد أن زاد عدد الطالبات إلى أضعاف مضاعفة. تقول المديرة في ندوتها أحدث افتتاح مدرسة جدحفص للبنات نقلة نوعية حضارية فعليّة وأقول، نقلة حقيقية، لأنها نقلت المنطقة من الظلام إلى النور، لأن العلم نور. كل هذا بفضل الجهود الجبّارة التي أخذناها على عاتقنا، حيث كانت الظروف صعبة للغاية وكان مجرّد ذكر مدرسة أمر كالكابوس بالنسبة لبعض الأهالي، ولكن في سنوات قليلة أصبحت ملاذاً آمنا، وأصبحت المدرسات والمديرة مثلاً أعلى للطالبات . ثم عادت للبداية لكي تتذكر أنها كانت تتوقع قلّة إقبال على الالتحاق في المدرسة، حيث أوعزت المديرة لدائرة المعارف أن تفتح المدرسة قبل ثلاثة أشهر من الإجازة الصيفية. وبالفعل افتتحت المدرسة في السابع من أبريل (نيسان) .1958 واعتبرت هذه الفترة بمثابة فترة تحضيرية لتهيئة الأهالي نفسياً في المنطقة. هذا بالإضافة إلى جهود العائلات الكبيرة في المنطقة لتشجيع الإقبال على التعلّم والالتحاق بالمدرسة وذكرت أمثلة على ذلك، السيد أحمد الشيخ والسيد محمد بن رضي رحمهما الله كانا في ذلك الوقت مسئولان في البلدية في المنطقة نفسها. ولأن فتح مدرسة بنات يعبتر حدثا كبيرا في ذلك الوقت فقد كانت إذاعة البحرين تعلن في نشرة الأخبار اليوميّة وقت الظهيرة عدد البنات اللاتي تم تسجليهن في ذلك اليوم وبالتالي مجموع عدد الطالبات اللواتي التحقن بالمدرسة. وكانت المعلومات تجمع يومياً عن طريق الأستاذ محمد صالح عبد الرزّاق رئيس العلاقات العامة بدائرة المعارف آنذاك. كل حدث في الحياة يحتاج إلى زمان ومكان لأنهما عاملان ملازمان وأساسيان في تطوّر التاريخ. بالنسبة لمدرسة جدحفص للبنات، الزمان يمثل الإنسان وعقله وتفكيره في تلك المرحلة. فالأهالي بفطرتهم يحبون العلم والتغيير ولكن التوجه والمسار الفعلي لم يخلق بعد ولهذا فجدحفص تعبتر أرضا طيبة مكان وقريبة من المنامة العاصمة واحتضنت أقدم مدرسة للفقه قبل 600 عام مدرسة شيخ داود . ليس فقط للعلوم الدينية بل للعلوم الإنسانية أيضاً كالرياضيات الحساب والعربي والدين والتاريخ والشريعة وغيرها. والفرد أيضاً يعتبر ركيزة أساسية وذا دور فعّال. وإمكانية الفرد ودورّه التاريخي وقدرته على القيادة له أثر كبير في دفع المشروع. هذا الكلام ينطبق على المديرة زهرة ، فلقد كانت امرأة حازمة مجربة مدبرة متمكنة مثابرة صبورة على الأمور. وقد رسمت في ذهنها أن المشروع التعليمي يعتبر مشروعها ، تكون أولا تكون، فبذلت قصارى جهدها لإنجاح المشروع التعليمي، وبنت علاقات عامة مع الأمهات. وكان لها منطق شديد وأسلوب حضاري متمدن فيه إغراء على تحدي المصاعب وربطت بين أوضاعهم الاجتماعية وبين قدرة التعليم على تغيير الأوضاع . فكانت بمثابة مديرة ومدرسة ومشرفة اجتماعية في الوقت نفسه نعم لقد كانت لها قدرة عجيبة على إقناع الأمهات فأخذت تستضيف الأم في المدرسة لكي تكون مرافقة لابنتها طول العام. تقول المديرة زهرة لقد كانت المدرسة أشبه ما تكون بيوم مفتوح على الأهالي طيلة العام هذه أيضاً فكرة تحمل نوعاً من الإبداع والاكتشاف واختصار الزمن ، الشعار الروسي الذي يقول ترى مرّة أفضل من أن تقرأ عشرين مرّة ومعنى ذلك أن كل أم تصبح محامية ومدافعة عن المدرسة وتستطيع أن ترد بأسلوبها البسيط على الذين سفّهوا المدرسة واعتبروها مكاناً للتخريب والفساد والرذيلة والتحرّر غير اللائق. حيث حولت الجدل إلى ساحة نصر للمدرسة. فالكلمات البذيئة التي تكتب على المدرسة في الصباح، تمحى في المساء عن طريق الأهالي! وعندما بني الطابق الثاني للمدرسة قامت القيامة حيث ابتدعت أسطورة بأن هناك زلزالاً محتملاً سيقع والمدرسة ستتحّول إلى مقبرة لأن المدرسة ارتفعت قليلاً على الجامع المشرّف وقد كان الدور الكبير للبلديّة حيث وظّفت عاملين يقفون بالمرصاد للأوساخ التي تقذف على المدرسة. ويطلون الكلمات السفيهة ويمحونها من على الجدران . أول نشيد تعلّمته الطالبات هو موطني موطن الجلال والجمال/ والسناء والبهاء/ في رباك في رباك . كان ذلك النشيد بمثابة شعار جديد وجميل يبث في النفس حياة وله نغمة وصدى واسع خاصة في الصباح الباكر حيث القرية هادئة راقدة على برك المياه ومعتادة على سماع حفيف الأشجار المتراصة على طرقاتها وأوديتها ولا يمزق هدوءها إلا أصوات العصافير والطيور. جاء ذلك النشيد بأصوات التلميذات الصغيرات لكي يخلق نوعاً جديداً من الثقافة وتهتز له الأبدان والضمائر والأحاسيس، لكن بعد النشيد تقول المديرة تخضع الطالبات للفحص اليومي على النظافة الجسمانية وتشمل نظافة الشعر والأظافر والثياب ... حتى أصبحت هذه الأمور عادة جديدة لدى الأمهات. في بعض الأحيان تقوم الدولة بمشروع ولكنّ يتعّرض للفشل وذلك لعدم معرفة نفسيات الناس. وماذا في مقدروهم أن يقدموه كإغراء لكسب مشاعرهم. تقول المديرة إن شراء أدوات ترفيهية مثل المراجع خلق نوعا من الرغبة والتشجيع للالتحاق بالمدرسة لأنها تحولت إلى مركز ترفيهي. فصار عدد الطالبات كبيراً جداً من 23 قرية. تلاها فكرة الرحلات المدرسّية لزيارة كافة مناطق البحرين بالتوافق مع دائرة المعارف ، حيث لم تكن هناك وزارات حكومية في ذلك الحين . من ناحية أخرى كان النشيد الوطني بمثابة دافع أدبي معزز للكرامة والقيم، وقد اشتق من التربة المعطاة ، فقد كان بمثابة دغدغة للعواطف النبيلة وتجسيد للكرامة لأن القرويين في البحرين فلاحو الأصل ومغروسو الجذور في الأرض. حيث الأساطير البحرينية تروي أن الفلاح يموت واقفاً كالنخلة. والقصد في إطالتي في شرح كيفية التغلب على تجربة عصيّة على الفهم، ولها محاربون متمرسون، القصد أريد أن أبين أن أي عمليّة تغييرية تحتاج إلى خبرة وأدوات معرفيّة. إن افتتاح أول مدرسة بنات في جدحفص وتوابعها يعتبر تجاوزا للعلاقات الاجتماعية القديمة، حيث خرجت المرأة من حدود المنزل لفضاء المجتمع على أمل أن يكون لها مكان تحت الشمس. وكانت هذه بمثابة إرهاصات لتبلور مفهوم الحرية، وقيام ما يشبه المطالبة بالحقوق المدنية والوصول إلى تراكم معرفي عبرّ عن افتتاح أول جمعية نسائية في الريف وهي جمعية فتاة الريف 1972 تبعها افتتاح أول مدرسة لمحو الأمية في نفس العام وللكبار والصغار اللواتي حرصن على فن التعليم. ونختم القول بما قالته المديرة زهرة، وهي معلومة قيّمة جداً، فخلال العام 1975 ـ 1976 تم تسجيل 71 طالبة في فصل واحد فضجّت المدّرسات حينها للعبء الكبير الذي سببه ذلك فاضطرت وزارة التربية والتعليم أن تفتح إعدادية في مدرسة السنابس وتم نقلها إلى هناك. تلاها افتتاح مدارس للبنات في كل من البلاد القديم، والدراز، بني جمرة، باربار، كرّانه كما أضيفت فصول إعدادية لباربار، كرانة، البديع. هذه هي قصة تعليم البنات في القرى قصة تمتلىء فيها الأمم بالحب تشبه كثيراً قصة ظهور الفلسفة على الأرض. حيث تعني استعمال صيغ الأسئلة المصيرية ، لماذا؟ وكيف ؟ وكم ؟ وهل ؟ ومتى ؟ وأين ؟ ... وسؤالنا هل اكتملت الأسئلة ؟ هل حصلت المرأة على حقوقها في القرن المنصرم؟ وكم قرن جديد تحتاج له المرأة كي تحصل على مساواة ؟ لا نعلم! لكن موضوع المديرة زهرة سيبقى موضوعاً أبدياً كالحب.. والنجوم.
#نجاة_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النصائح العشر للنساء لكسب المعركة الانتخابية
-
رصد لتاريخ حرية المرأة من خلال التحرر الإقتصادي والإجتماعي
-
الساعة الأخيرة للأنظمة الدكتاتورية
-
السلام العالمي في خطر
-
إشكالية الحرية في التاريخ العربي وآفاق التغيير
-
على هامش الذكرى الأربعين لوفاته كلمة صادقة في استشهاد جارالل
...
-
رصد لتاريخ حرية المرأة من خلال التحرر الاقتصادي والاجتماعي
-
المجتمع القوي يقود إلى دولة قوية
المزيد.....
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|