ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1435 - 2006 / 1 / 19 - 08:42
المحور:
حقوق الانسان
الهاتف الخليوي لغياث حباب لا يرد. "إما مغلق أو خارج نطاق التغطية، يرجى المحاولة لاحقا"، يقول صوت أنثوي ينبعث من الهاتف. المحاولة لا حقا لا تجدي. فغياث نفسه خارج نطاق التغطية منذ 23/12/2005.
في النصف الثاني من أربعينات عمره، يعمل غياث الذي يبدو أصغر بعشر سنين، دليلا سياحيا. يرافق السياح في دمشق القديمة، ويرشدهم إلى المواقع الأثرية أو الثقافية التي يقصدونها. يجلس عادة في مكان غير بعيد عن الجامع الأموي، يتحدث الانكليزية وقليلا من اليونانية، ويشرب ما تيسر ليلا، البيرة والويسكي إذا أمكن. لا يدخر مالا ولا يمتلك بيتا، رجل يحق للحياة أن تفتخر به. ببساطته ونقاء روحه، هو علامة لدمشق، إذا صحت دمشق على نفسها يوما واسترجعت كرامتها.
ينبثق أمامي كل مرة أمر جانب الجدار الجنوبي للجامع الأموي قاصدا مقهى النوفرة أو مكانا في الشام القديمة. في شي عم بيصير؟ يسأل بإلحاح. وأجيب: ما في شي! أو أقول إن هناك اعتصاما أو سيحاكم فلان يوم كذا في محكمة أمن الدولة. غياث دائما هناك أمام المحكمة، يقف متضامنا مع أهل المعتقل ومشاركا العدد القليل من الناشطين الواقفين هناك.
اليوم غياث سجين عند الأمن السياسي بدمشق. يقال إنه شتم الرئيس. وغير معروف بعد إن كان سيمثل أمام محكمة أمن الدولة، وقاضيها الجدير بشهرة تاريخية أعرض مما يحوز حاليا.
الرجل "الطبلوج" ذو الوجه الأحمر والضحكة الخجولة، يشعر انه مقصر دوما: ماذا فعلنا نحن؟ أنتم ضحيتم!
لكن يا غياث، نحن ايضا لم نفعل شيئا. أنت أيضا لم تفعل كي يعتقلوك. لا يعتقل الناس في هذه البلاد المنكوبة لأنهم فعلوا شيئا، ولا لأنهم امتنعوا عن فعل شيء، ولكن لأن هناك من لا يشعرون بالأمن إن لم يصنعوا الخوف ويوزعونه علينا. لا نعتقل لشيء يخصنا، نعتقل كي يبقى الاعتقال بخير.
لا تحتمل دمشق المهانة وجودك حرا. إما أن تنكسر أنت أو تتحرر هي!
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟