أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي المدن - مجتمعاتنا وتنمية المشاعر وتدريبها















المزيد.....

مجتمعاتنا وتنمية المشاعر وتدريبها


علي المدن

الحوار المتمدن-العدد: 5455 - 2017 / 3 / 9 - 18:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


على عكس كثيرٍ من الذين يرون أن ما يسمى بكتب (التنمية الاجتماعية) هي كتب تافهة وضحلة أجدُ أنا أن هذا الحكم، وبنحو عام، جائر. هناك بالفعل بعض الكتّاب يبدون كمهرّجين بتقديم نصائح مترفة ومبتذلة، ولكن السبب لا يعود إلى تفاهة هذا الصنف من العلوم أو "الفنون" (هدف هذه الكتب هو اكتساب فن العيش بنحو أفضل) وإنما يعود إلى وجود بعض المتطفلين ممن يمزجون في كتاباتهم بين "العلم" و"الانطباعات الشخصية" غير الملهمة في الحياة. وأيضاً لأن الكتب المتوفرة في الأسواق ليست على مستوى واحد من الجودة والعمق والإقناع.
أنا مثلا وجدت في كتب (دايل كارنيغي) التي قرأتها في مراهقتي الكثير من الفائدة، وحين قرأت كتاب بيتر بوبر (تدريب المشاعر) عام 2002 نصحت بعض الأصدقاء الذين يهمهم سماع رأيي أن يقرءوا هذا الكتاب. قد لا تكون هذه الكتب بجودة كتابات (إريك فروم)، ولكن فروم كان "فيلسوفا"، وهو لهذا السبب يناقش الأمور على مستوى عال من التجريد، وفي نصه الكثير من المقارنات الفكرية المعمقة والكثافة اللغوية التي قد لا تسمح للجميع بالتقاط مقاصده أو فهمه كما ينبغي. هناك دائما مستويات من التخاطب.
قد لا يرضى البعض على ذكر اسم (إريك فروم) في سياق حديثي عن (كتب التنمية الاجتماعية)، ولكن فروم في النهاية هو محلل نفسي أيضا، وكان يهمه معالجة المشاكل الاجتماعية التي عاصرها أو رأى أن من الضروري تناولها عند الحديث عن الإنسان في المجتمعات الحديثة. وما دام فيلسوفا فرانكفورتيا فإنه يبقى على صلة بالمشاكل الاجتماعية شيئنا ذلك أو أبينا. ومن يلقي نظرة خاطفة على قائمة كتبه يعرف جيدا ما أعنيه (من بين كتب فروم: بوذية الزن والتحليل النفسي، ما وراء الأوهام، المجتمع السوي، فن الإصغاء، فن الحب ... إلخ).
لندع فروم جانبا! ما يهمني فعلا هو التنبيه على أن فكرة المبالغة في الحط من قدر الكتابات التي تتحدث عن تطوير مهارات التنمية الاجتماعية هي فكرة غير صحيحة، وليس من المناسب إشاعتها في الأجواء العامة للقرّاء، لاسيما في تلك الأوساط الاجتماعية التي تشبه أوساطنا. لنكن صريحن! نحن نعيش في مجتمعات لازالت متدربة على أبسط قواعد هذه المهارات والفنون، وقد يكون من المذهل لو دققنا النظر في كثير من مشاكلنا اليومية، وحتى في تلك المشاكل الكبرى التي تمس مصير بلداننا، لوجدناها على علاقة، بنحو أو آخر، بقلّة دربتنا على اكتساب المهارات المهمة في الحياة، سواء في المنزل أو العمل أو السياسة أو الإدراة أو غير ذلك. ليس من الضروري دائما أن نشرح جذور مشاكلنا بنحو معقد .. فقد يكون السياسي الفلاني الذي يفتقد مهارة الاقناع أو التفاوض الناجح سببا في فشل قضايا تحدد مسقبل شعب بأكمله. بالتأكيد أنا لا أريد القول إن السياسات الفاشلة يمكن إصلاحها بكتب التنمية الاجتماعية، ولكن ليس من الخطأ القول إن من يلاحظ عدد المشاكل التي نعاني منها كمجتمع (من الإخفاق على الاتفاق في شراء أثاث منازلنا وحتى تعثر السياسات الاستراتيجية (إن وجدت هكذا سياسات!!) لبلداننا) يجد أن لها علاقة وثيقة بمقدار ما استوعبناه (أيضا كمجتمع) في نظرتنا للحياة والتواصل وحل الخلافات ومهارات الإدراة الناجحة والتعبير عن عواطفنا وتربية النشَّأ ونبذ العصبيات واعتياد الانصياع للقوانين وقدرتنا على التعاطي الإيجابي مع الأزمات ... إلخ، وكل هذه الأمور هي في صميم التنمية الاجتماعية السوية والناضجة.
البعض يفضل بلوغ غايته في تبخيس كتب (التنمية الاجتماعية) عبر "التظاهر بالجدية والصرامة الفكرية"، ولكن الحقيقة هي أن الجدية والصرامة لا تمنعان من الاستفادة من كتب قد تبدو لأول وهلة سهلة المضمون؛ إذ ليس في الجدية والصرامة ما يمنع من العثور على أعمق الأفكار في كتابات تعتمد مخاطبة أكبر جمهور ممكن. والنخبوية قد تكون رداء زائفا يضيّع على العديدين من الناس معرفة ما هو الصواب. ولا زلت أتذكر فكرة ذكرها الباحث الاقتصادي الكبير لستر ثارو في كتابه (صراع على القمة) توضح أن أحد أسباب اخفاق السياسات الاقتصادية للولايات المتحدة في تفادي الكساد الكبير في العشيرنيات، على العكس تماما مما حصل في بعض الدول الاسكندنافية، هو قصر نظر الدول الكبرى في استلهام التجارب والأفكار الناجحة من البلدان الأخرى، خصوصا من تلك البلدان ذات المساحة الجغرافية الصغيرة التي لم يكن في حسبان الدول الكبرى أن بوسعها الاسهام في حل مشاكلها.
ما كتبته أعلاه هو مقدمة لما أريد اليوم أن أشجع على قراءته من كتاب اكتشفته مؤخرا، وقد وجدت من النافع حقا أن أتقاسم مع القرّاء متعة هذا الاكتشاف. إنه كتاب (التواصل غير العنيف - لغة حياة، اجعل حياتك وعلاقتك وعالمك منسجمة مع قيمك) لـ (مارشال بي. روزنبرج). هذا الكتاب في غاية الأهمية، وموضوعه، بالنسبة لمجتمعات كالمجتمعات الإسلامية، من الضرورة بمكان. والمؤلف (روزنبرج) صاحب مؤسسة دولية لها إسهاماتها في صناعة السلام في أكثر المجتمعات التي مزقتها مشاكل الفقر والحروب. لن أدخل في تلخيص وعرض أفكار الكتاب وإنما أترك ذلك للقارئ، ولكن من المهم أن يركز القارئ على فكرتين يؤكد عليهما الكتاب بنحو مستمر:
الأولى: أن المفاهيم السلبية لا تفضي إلى بناء أسرة أو مجتمع أو أمة متجانسة.
والثانية: أن ما يجب التركيز عليه في التواصل هو احتياجات الآخرين وليس الانشغال بإصدار الأحكام والصفات عليهم وعلى أفعالهم، وعقد المقارنات، وإنكار المسؤولية.
أتذكر أن مؤلفا إسلاميا شهيرا تحدث مرة عن أخلاقيات معاوية بن أبي سفيان ووصفها بالسطحية والمصانعة ثم شبهها بـ"أخلاقيات ديل كارنيغي"!! في إشارة منه إلى كتب (كارنيغي) المعروفة والمتداولة .. إن ما يميز كتب "التنمية الاجتماعية" عن الكتب القديمة المتوارثة التي تتحدث عن الأخلاق الحميدة أن الفكر الحديث لم يعد من أولوياته الحكم أخلاقيا على تصرفات الآخرين! بل هو يسعى إلى التمييز بين ملاحظة ووصف السلوك وبين الحكم أخلاقيا على هذا السلوك، ويرى أن الخلط بينهما يعرقل فهم سلوك الأخرين والتعامل معه؛ لأن التركيز ينصب على الاحتياجات التي تولد عنها الأفعال، وعلى أساليب ترشيد صناعة القرار لدى الإنسان والارتقاء بردود أفعاله. ما يحضى بالاهتمام أكثر هو وصف الأجواء والظروف التي ولدت فيها إراداتنا وأفعالنا؛ ومن خلال السيطرة على واقع تلك الأجواء والظروف وتوجيهها نحو خيارات أفضل يتم التحكم بإراداتنا وأفعالنا بنحو أكثر حكمة ونضجا.



#علي_المدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرجعية الدينية المعاصرة ومفهوم العمل السياسي
- الاختلاف المنهجي بين المعارف التجريبية والمعارف الإنسانية
- الفلسفة وعلاقتها بالعلوم الأخرى
- التصوف ودوره في حياتنا المعاصرة
- الإرث الفكري للمعتزلة بين التسنن والتشيع
- الجديد القديم في السياسة العراقية وأزماتها
- العهدان الملكي والقاسمي والعقل السياسي الشيعي
- للمنددين بالمظاهرات
- ويلفرد مادلونگ ونقص الترجمة في حقل الدراسات الشيعية
- هل نحن ناضجون؟
- كيف ندافع بنحو صحيح عن التفلسف الخلَّاق ؟
- هل كان الصدر سياسيا فاشلا؟
- مهنة الفيلسوف
- أحوال ملوك التتار المغول
- لماذا استهداف مساجد الشيعة؟
- الأنموذج الملهم بفعل الخير
- العرب على مفترق طرق اللاهوت
- البصرة والخليج الداعشي
- السلم أولاً
- المغمور من تراث الصدر الفقهي والأصولي .. جذاذات أبحاث منتظرة


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي المدن - مجتمعاتنا وتنمية المشاعر وتدريبها