|
المعاصي سرُّ الغلاء
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5454 - 2017 / 3 / 8 - 16:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"أنا بشوف يوميا كمية معاصي في الشارع تخلي رغيف العيش بـ 100 جنيه" هذا ما غرّدَ به وشدا وأطربَ أحدُ النوّاب الكرام في مجلس الشعب الموقّر. وكما توقّعتم دون ريب، هو بالفعل عضو بارز في حزب "النور" السعيد. بل هو مساعد رئيس حزب "النور” المؤمن. وهو رئيس الكتلة البرلمانيه لحزب "النور" الوَرِع الذي هو الذراع السياسية للدعوة السلفية المباركة. وكما ترون، فقد تعمّدتُ تكرار كلمة "النور" بلوازمها في الفقرة السابقة، لا لأبهرَ عيونَكم بوهج النور السماويّ الربّاني الذي يُشِعُّ من وجوه أعضاء حزب النور الأجلاّء، بل لعلّ نورَهم الأبهر يغسل قلوبَكم المُلوّثة بالمعاصي، وقلبي قبل قلوبكم، عساه يُطهّرها من آثامِها؛ مثلما قلوب أعضاء حزب "النور" النورانيين مُطّهرة من الخطيئة نقية من الآثام، لا تعرف للمعاصي طريقًا، كما نعرفها نحن أبناءَ الشرور الفاسقين. كتب الرجلُ المؤمنُ تلك الجملةَ التحليلية العميقة على صفحته بـ فيس بوك، ولم ينس أن يُزيّل التغريدة باسمه، مسبوقًا بحرف الدال. حتى نتأكد أنه ذو علم مكين حاصلٌ على الدكتوراه: د. أحمد خير الله. ولا أدري لماذا قفز إلى ذهني الآن مشهدٌ ظريفٌ في إحدى مسرحيات "لينين الرملي" و "محمد صبحي". الشيخ عبد الباري كفيف البصر ورفاقه العميان بإحدى مؤسسات المكفوفين يستمعون إلى التليفزيون، فهتف فيهم فجأة: “كفااااية تليفزيوووون! هذه المسلسلات كلها عُريٌ وإباحية. الحمدُ لله الذي جعلنا عميانًا لكيلا نراها. احذرْوا يا قوم! الكلامُ عن النساء حراااام! صدقووووني، إذا انطفأ النور، تساوت كلُّ نساءِ الدنيا. ومِن نِعَم الله علينا؛ أنه أطفأ نورَ عيوننا حتى لا تفتتنا النساء. يا إخواني، النسااااءُ فِتنة. الأموااااالُ فِتنة. الطعااااامُ فِتنة...." وفجأة، يدق جرسُ المؤسسة مُعلنًا موعد وجبة الغداء. فنجد الشيخ عبد الباري يصرخ: “موعد الطعااام، أفسحوا الطرررريق.” وكان هو الأسرعَ ركضًا، من بين رفاقه العميان، نحو قاعة الطعام. أتذكّر دائمًا هذا المشهد الهزلي/ الواقعي، من مسرحية "وجهة نظر"، كلما سمعتُ تصريحًا لأحد "رجالات" حزب النور السلفي، أو الجبهة السلفية أو الجهادية أو التكفيرية أو الإخوانية أو تيارات الإسلام السياسي كافة، سمِّها ما شئت. علّمنا التاريخُ وعلم النفس أن أكثرَ الناس تحريمًا "لكل" شيء، هم أسرعُ الناس ركضًا نحو ما حرّموه وأشدُّهم تهافتًا عليه! وإذن يرى د. خير الله أن الغلاء الراهن في مصر سببُه معاصينا وآثامنا، وليس الأزمة الاقتصادية التي تمرُّ بها مصرُ نتيجة عجز الموازنة وانهيار القيمة الشرائية للجنيه المصري وتعويمه وفقر الاستثمارات في بلادنا نتيجة الإرهاب، الذي أحد أسبابه المباشرة حزب النور وما شابهه من جماعة الإخوان والجماعات التكفيرية. اللهُ إذن يعاقبنا على معصاينا بالغلاء! وبنفس المنطق "النوري"، نسبةً إلى حزب النور، فإن الله يُكافئ مواطني سويسرا واليابان والسويد وغيرها من الدول التي يعيش مواطنوها حالا عظيمًا من الرغد الماديّ والمعنوي. الدول الغنيةُ غنيةٌ لأن أهلها مؤمنون لا يأتون المعاصي، ونحن فقراءُ معوزون لأننا آثمون عاصون! هو النهجُ ذاتُه الذي فعلوه في سبعينيات القرن الماضي، حين أوهموا البسطاء بأن "السعودية" غنيّةٌ لأن أبناءها مؤمنون، وليس لأن آبار النفط قد نشطت تحت أرضها فجأة مثلما نشطت في دول الخليج كافة لأسباب جيولوجية، وليست دينية. وهو عينُ ما قالوه أيضًا حين سقط المعسكر الاشتراكي الأحمر وتفكك اتحاد الجمهوريات السوفيتية في أوائل التسعينيات الماضية، فزعموا أنها سقطت لأنهم كفّار، وليس بسبب حصار الولايات المتحدة الأمريكية للاتحاد السوفيتي اقتصاديًّا وعسكريًّا وإجباره على الاستمرار في سباق التسلّح الذي أفقر البحث العلمي في الاتحاد وأنهك الدخل القومي وأفقر المواطن الروسي، ولا بسبب الحرب الباردة الطويلة التي شنّتها أمريكا على روسيا، ولا لأن النهج الاشتراكي أثبت هشاشته أمام النهج الرأسمالي، بل بسبب أنهم كفّار! ياللهول! وإذن، بالمنطق المُعوّج ذاته، فإن أمريكا انتصرت على روسا لأنها مؤمنة وطيبة! يا سيّد خير الله، ويا حزب النور السعيد، إن كان اللهُ يُعذّبُنا بالغلاء والفقر لآننا عاصون، فما ذنبكم أنتم أيها المؤمنون تعانون مما نعاني؛ رغم أن المعصيةَ لا تعرف عتباتكم؟! اللهُ عدلٌ فكيف يعذّب المؤمنين بالخُطاة المذنبين؟! كان حريًّا بكم أيها النورايون أن تحضّوا الناسَ على الكد والعمل والكفّ عن الهدر، وعلى الصبر على المحنة الاقتصادية التي تمرُّ بها مصرُ بسبب الإرهاب والتكفير، أليس كذلك يا أولي النور؟ يبدو أن وجودكم في حياتنا هو دليلُ معاصينا. فقد أرسلكم اللهُ لنا لنتعذّب بطائفيتكم وبدمويتكم، وتتألم مصرُ بآرائكم السطحية العنصرية الهادمة. اللهم سامحنا ونقِّنا من معاصينا، كما يُنقّى الثوبُ الأبيضُ من الدنس.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لستُ متسامحة دينيًّا
-
رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (5)
-
الأقباط ليسوا بحاجة إلى بيوتنا بل إلى بلادهم
-
فيس بوك من دون زجاج
-
امنعوا بناتكم من التعلّم!
-
رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (6/6)
-
إنهم يصنعون المستقبل
-
تكفير داعش مسألة أمن قومي
-
رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (4)
-
طارق شوقي … نراهن عليك في رحلة -النكوص-
-
ابسطوا قلوبكم مرمى للسهام
-
احنا فقرا قوي!
-
كاميرا خفية لضبط المعلّم الطائفي
-
رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (3)
-
زغاريدُ وحزامٌ ناسف
-
دميانة … الزهرة رقم 29
-
اتركْ طرفَ الخيط يا مُتطرّف!
-
رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (2)
-
سيد حجاب ... مُت ما شاء لك الموت
-
بالأمس تعلمت شيئًا: مبروك عليكم السما
المزيد.....
-
عاجل | البيت الأبيض: ترامب يوقع أمرا تنفيذيا للقضاء على التح
...
-
ترامب يعتزم إنشاء لجنة للقضاء على التحيز ضد المسيحيين
-
الإعلان عن موعد دفن آغا خان زعيم الطائفة الإسماعيلية في مصر
...
-
ماما جابت بيبي..استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل
...
-
رئيس بلدية رفح يناشد الدول العربية والاسلامية إغاثة المنكوبي
...
-
وزير الدفاع الأسبق: يكشف العقيدة الدفاعية للجمهورية الاسلامي
...
-
-ترامب سينقذ العالم من الإسلام المتطرف- – جيروزاليم بوست
-
قائد الثورة الاسلامية في تغريدة: كل فلسطين من النهر الى البح
...
-
الآغا خان الرابع زعيم قاد الطائفة الإسماعيلية النزارية 68 عا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|