|
التيار الصدري ولعبة الحسابات الخفية!
ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين
(Nagih Al-obaid)
الحوار المتمدن-العدد: 5454 - 2017 / 3 / 8 - 12:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التيار الصدري ولعبة الحسابات الخفية!
يُصعد التيار الصدري منذ أشهر حملته الانتخابية استعدادا للاستحقاقات القادمة على مستوى المحافظات أو في عموم البلاد، ولكنه لا يفعل من خلال إبراز ما حققه مرشحوه ومسؤولوه على المستوى المركزي والمحلي، أو من خلال عرض برنامجه الانتخابي، وإنما من خلال افتعال معارك جانبية هدفها بالدرجة الأولى خلط الأوراق. إحدى أهم هذه المعارك تمثلت في الهجوم على المفوضية العليا للانتخابات والمطالبة بتغييرها تحت شعار نبذ المحاصصة الطائفية والحزبية، في الوقت الذي يعتبر التيار الصدري أحد المشاركين الرئيسيين في عملية توزيع المناصب في المفوضية وفق نظام المحاصصة السائد في الدولة العراقية. وعلى مدى الأشهر الماضية يسعى التيار الصدري لتزعم الحراك الشعبي المناهض للفساد والمطالب بالإصلاح ويحاول تجيير أهدافه وتوظيفها في صراعه مع الكتل الشيعية الأخرى من أجل السلطة والنفوذ والامتيازات. اليوم يُقدم التيار الصدري على خطوة جديدة ضمن تكتيكه المعروف لجذب الأنظار وكسب تأييد الناخبين الساخطين على أداء الكتل المتنفذة، وذلك من خلال تقديم كتلة الأحرار مقترح لقانون انتخابات مجلس النواب. وقد قامت عدة وسائل إعلام عراقية بنشر نص هذا المقترح. بهذه المناسبة أشار محمد هوري نائب رئيس كتلة الأحرار إلى أن "أهم مميزات هذا القانون انه يعتمد نظام الدوائر المتعددة على مستوى الأقضية وبطريقة احتساب نظام الأغلبية البسيطة للمرشحين مما يساهم في إيجاد التمثيل الحقيقي والعادل" على حد تعبيره. تشير القراءة الأولية لمقترح التيار الصدري ومقارنته مع نظام توزيع مقاعد مجلس النواب رقم 14 لسنة 2014 والصادر في مطلع نيسان/ابريل 2014 عن المفوضية العليا "المستقلة" للانتخابات إلى وجود عدة اختلافات، بعضها جوهري والبعض الآخر شكلي. لا يختلف النظامان في عدد المقاعد التي بقيت 320 معقدا توزع على المحافظات وثمانية مقاعد مخصصة للمكونات (الأقليات). غير أن أحد الفروقات الجوهرية تكمن في اعتماد المقترح الصدري (المادة 11، ثانيا) القضاء كدائرة انتخابية وليس المحافظة كما هو معمول به حاليا. وليس هناك مانع قانوني أو سياسي يحول دون ذلك، طالما أن ذلك يمكن أن يعزز بالفعل العلاقة بين الناخب والمرشح. لكن المقترح الصدري أبقى على نظام الترشيح بالقائمة المفتوحة وكذلك على النظام الحالي للتصويت حيث يتعين على الناخب التصويت أولا للقائمة وثانيا لأحد المرشحين فيها. كما يجب الترحيب بالمادة 10 من المقترح الصدري التي تطالب بأن لا يزيد عدد مرشحي أي قائمة عن ضعف عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية، وهو إجراء من شأنه أن يحد من ظاهرة تضخم عدد المرشحين التي ابتلت بها الانتخابات العراقية. ولكن، وكما يقال، فإن الشياطين تكمن في التفاصيل. وكما يبدو فإن التيار الصدري يستعين في مقترحه المذكور بأكثر من شيطان عندما يتعلق الأمر بتوزيع المقاعد على الكتل والمرشحين المتنافسين. تنص المادة 13 من المشروع الصدري على "توزيع المقاعد في الدائرة الانتخابية وفق آلية يعاد فيها ترتيب تسلسل المرشحين جميعهم في القوائم كلها ترتيبا على عدد الأصوات التي حصل عليها كل منهم ويكون الفائز من حصل على أعلى الأصوات في جميع القوائم في الدائرة الانتخابية الوحدة بصرف النظر عن القائمة وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين". هنا يجب التركيز على عبارة "بصرف النظر عن القائمة" الواردة في المقترح. هذه الآلية تنطوي على تناقض صارخ يهدف عمليا لتزييف إرادة الناخب وتتعارض تماما مع مبدأ القائمة المفتوحة وتخلط بين مبدأ الانتخاب المباشر وغير المباشر. ولتوضيح ذلك يمكن الاستعانة بمثال بسيط: لو افترضنا أن أحد الأقضية (الدائرة الانتخابية) يضم 10 مقاعد وأدلى فيه 100 ألف ناخب بأصواتهم لصالح قائمتين متنافستين فقط. من بين هذه الأصوات ذهب 70 ألفا لصالح القائمة (أ) و30 آلفا لقائمة (ص). في الأحوال الطبيعية وحسب النظام المعمول به فإن القائمة أ ستحصل على 7 مقاعد والقائمة ص على 3 مقاعد. بعدها يتم تحديد المرشحين الفائزين من كل قائمة بحسب عدد الأصوات التي حصلوا عليها داخل القائمة نفسها. وهي طريقة منطقية وديمقراطية. غير أن المقترح الصدري لا يريد إعطاء الأولوية للقائمة على الرغم من أن المادة 12 من مقترحه تنص على ذلك، وإنما يريد التحايل عبر نافذة أصوات كل مرشح. لنفترض أن كلا القائمتين تضم عشرين مرشحا جاء ترتيبهم على النحو التالي: القائمة أ القائمة ص رقم المرشح عدد الأصوات رقم المرشح عدد الأصوات 1 50000 1 6100 2 6000 2 5300 3 4000 3 5200 4 3600 4 5000 5 500 5 4100 6 400 6 3200 البقية 1-250 البقية 1- 100 المجموع 70000 المجموع 30000 بموجب المقترح الصدري يتمثل المعيار الحاسم في تحديد الفائزين في عدد أصوات المرشحين وليس أصوات القائمة، أي بطريقة تختلف تماما عن الطريقة المتبعة حاليا. وبهذا ستفوز القائمة ص بـ 6 مقاعد مقابل 4 فقط للقائمة أ في نتيجة تعاكس تماما إرادة الناخبين الذي صوتوا بأغلبية كبيرة لصالح القائمة أ. وهي لعبة مفضوحة لن تنطلي على أحد. لماذا تفتّق ذهن كتلة الأحرار عن هذه الطريقة؟ لقد لوحظ في الانتخابات السابقة أن الكتل المهمة تضم بعض "النجوم" الذين يكسبون معظم الأصوات التي تفوز بها القائمة. على سبيل المثال لا الحصر حصل نوري المالكي في الانتخابات السابقة على أكثر من 70 % من إجمالي أصوات قائمة دولة القانون في بغداد. ونفس الظاهرة تنطبق على أياد علاوي وأسامة النجيفي وآخرين. هذا يعني بأن التيار الصدري يُعول على قدرته على توزيع أصواته بطريقة "ذكية" وعدم تركيزها على مرشح واحد. وهذا ما حصل بالتحديد في انتخابات عام 2010 عندما حصلت كتلة الأحرار على 40 معقدا من أصل سبعين لصالح الائتلاف الوطني العراقي الذي ضم أيضا المجلس الأعلى الإسلامي ومنظمة بدر وتيار الجعفري وحزب الفضيلة إلى جانب التيار الصدري. وارتبط هذا "النجاح" بسلوك أنصار التيار الصدري وقيامهم بالتصويت بكثافة لعدة مرشحين بدلا من مرشح واحد. ما حصل في الائتلاف الوطني عام 2010 تريد الآن كتلة الأحرار تعميمه على العراق. من جانب آخر يسعى مقترح التيار الصدري لإلغاء نظام سانت ليغو الذي أعتمد في نظام توزيع المقاعد في الانتخابات السابقة في محاولة واضحة لتهميش الكتل الصغيرة. وهذا بحد ذاته يكذّب كل الادعاءات عن "تمرد" التيار الصدري على الكتل الكبيرة. أما من الناحية الشكلية، فإن المقترح يتضمن صياغات إنشائية هدفها تلميع صورة التيار الصدري كمكافح ضد الفساد، ومنها مثلا المادة 8 الفقرة خامسا التي تشترط على المرشح "أن لا يكون أثرى بشكل غير مشروع على حساب الوطن أو المال العام". ومع أهمية منع الفاسدين والمُفسدين من الترشح، إلاَّ أنه يجدر بأي القانون أن يحدد بدقة كيفية التأكد من ذلك ولا يكتفي بصياغة عمومية. لا جدال في أن من حق الجميع مناقشة قانون الانتخابات واقتراح تعديلات عليه. ولكن يجب أن تهدف هذه التعديلات إلى ضمان العدالة والنزاهة والمساواة في الفرص وليس إلى التحايل على إرادة الناخب.
د. ناجح العبيدي 8/3/2017
#ناجح_العبيدي (هاشتاغ)
Nagih_Al-obaid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أردوغان يُكشر عن ’’أنيابه’’!
-
اطلبوا الإصلاح ولو في مصر!
-
ترامب: معركة شرسة مع الإعلام!
-
انقلاب شباط: الثورة تُنجب حفاري قبرها!
-
مدافع ترامب الرقمية!
-
سور ترامب ‘‘العظيم‘‘!
-
ترامب: إعلان الحرب على العولمة!
-
الألمان ‘‘الكسالى‘‘ واليونانيون ‘‘المُجدون‘‘!
-
بيتكوين: عملة جديدة تتحدى الدولار؟
-
السعودية: العمالة الأجنبية كبش فداء الأزمة المالية!
-
ألمانيا تحلم بوراثة -التاج- التايلندي!
-
10 أسباب للاحتفاء بجائزة أمير قطر لمكافحة الفساد!
-
جائزة نوبل بين اليهود والمسلمين
-
البرلمان العراقي يُكشر عن أنيابه: على من سيأتي الدور بعد زيب
...
-
مكة تستعد لمرحلة ما بعد النفط!
-
4 سبتمبر: بدء تقويم هجري جديد أم فرصة للاندماج؟
-
النقود لا تسجل الأهداف!
-
الهوس بالمليارات وحرب الإشاعات في العراق!
-
النفط سلاح في المعركة!
-
وثيقة سرية ألمانية تكشف وجه أردوغان الحقيقي
المزيد.....
-
بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن
...
-
مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية
...
-
انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
-
أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ
...
-
الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو
...
-
-يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
-
عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم
...
-
فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ
...
-
لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|