أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الناصر حنفي - نحن، والآخر في العالم!














المزيد.....

نحن، والآخر في العالم!


عبد الناصر حنفي

الحوار المتمدن-العدد: 5454 - 2017 / 3 / 8 - 01:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    




في مجتمعات "ما تحت الاستعمار" تنغمر "الذات الاجتماعية" داخل عالم يؤسسه ويقوده الآخر الذي يكاد ينفرد بطرح خيارات ورهانات وبرامج هذا العالم، وحسمها في الوقت نفسه، مما لا يدع أمام هذه الذات طريقا إلا الاندماج بصورة متزايدة في هذا العالم الذي يحتل ويهيمن على نسبة تتعاظم أكثر فأكثر مما هو يومي ومعاش، بحيث تنحصر خياراتها بين الانسحاق الكامل أمام الآخر والذوبان فيه، أو الإقامة في عالمه بوصفه الأفق الوحيد المطروح أمامها ولكن مع مواجهة ذلك ومقاومته عبر البحث عما يخصها "في العالم".
وقد تبنت "ذاتنا" هذا الخيار الأخير، بل وطاردته على نحو بات الآن يسد المنافذ أمامنا وكأنه "سم الخياط" الذي يجب علينا أن نلجه كي نستعيد علاقتنا بالعالم.
فمع المرحلة الكولونيالية ذهبت هذه الذات إلى البحث عما يخصها في الزمان (لا التاريخ!) الذي يخلو من ضغوط الآخر، والذي كانت تتجلى عبره وكأنها تهيمن على العالم منفردة، ومن هنا بدأت رحلة إحياء زمانها الخاص الذي تطرح نفسها فيه بوصفها نظير هذا الآخر الآني، بل وأصله الذي منح عالمه فرصة الظهور.
غير أن هذه المواساة النرجسية اللطيفة كان عليها أن تخوض تنازعات حاسمة تتطلب جهودا أعظم بكثير مما يمكن توفره لذات جريحة تبحث عن عزائها عبر التفاف لا يعبأ سوى بارتشاف نشوة التماهي مع وضع أو مكانة الآخر في العالم.
كان على هذه الذات إذا أن تمر بنزاع مع "تاريخها" الذي يحفل بالكثير مما لا يجلب العزاء أو الرضا عن النفس، والذي تم إقصاءه أو استبعاده المرة تلو الأخرى لتجنب الشقاق والجراح التي يثيرها استحضاره، مثلما كان عليها أن تواجه ذهاب الآخر "المستشرق" إلى استحضار المصادر الأصلية لهذا التاريخ وإعادة كتابته، ناهيك عن منازعتها الأصلية مع عالمها المعاش والتي لم تكتمل مواجهتها أبدا!
وعبر هذا الإطار يمكننا رسم "نمط حضور" هذه الذات في العالم، فمع المرحلة الكولونيالية شرعت هذه الذات في بناء عالم لا يوجد إلا على أطراف حضور الآخر، عالم يكاد تعريفه الأساسي ينحصر في غياب الآخر وحضور الذات، وكل ما ينطبق عليه هذا التعريف يصبح جزءا من هذا العالم الذي توسع في البداية على نحو انفجاري، حيث أصبح كل ما يمثل أمام الوعي قابل للانقسام بين ما يخصنا وما يعود إلى الآخر. وهكذا فإن ألعاب الحذف والإضافة المشتقة من هذا التعريف ظلت طوال الوقت بمثابة البديل الذي يطرح حقيقة الذات أمام عالم غير مرضي لا يمكن مواجهته مثلما لا يمكن تقبل وضعنا فيه.
ولكن تحت وطأة الضغط المتزايد والمتنامي لحضور الآخر، بات الهدف الدائم للذات هو خلق تباعد، أو مجرد مسافة مفتوحة -مهما بدت فارغة- بينها وبين هذا الحضور حتى وإن تم ذلك على حساب الإفلات أو الانخلاع مما يخصها بالفعل سواء في التاريخ أو الواقع المعاش، وتلك المرحلة كانت بمثابة المهاد التي استنبتت عبره كافة الاتجاهات الأصولية والراديكالية، والتي كان ضغط الآخر فقط هو ما يمنحها تماسكها الداخلي، وينظم ترابطاتها مع العالم المعاش الذي لم يكن عليها مواجهته بصورة مباشرة مما جعلها تحفظ في تكوينها تناقضات عصية على الرفع أو التجاوز.
أما مع مرحلة ما بعد الكولونيالية، وانسحاب الآخر، وتفكك سيطرته "المباشرة" على الواقع اليومي للذات، فقد كان على فضاءات هذه الذات المشوهة أن تواجه مصيرها، وأن تصطدم فجأة من موقع المسئولية بعالمها المعاش بعد أن انهارت تلك الحواجز التي كانت تتصور أنها تفصلها وتباعدها عنه، ومن هنا تأسست مهمة استبدال العالم، بوصفها الحل لتجاوز تناقضات الذات مع العالم والتي لم يعد من الممكن تجاهلها، وهكذا، فليس على الذات أن تتواءم مع عالمها أو تتلاقى معه حيث يكون، بل عليها أن تجلبه إلى حيث هي، أو بالأحرى إلى حيث يكون جديرا بها! وعلى هذا النحو يحل "تعالي الذات" أمام العالم محل انسحابها منه.
وتلك المهمة -الرومانسية أكثر مما ينبغي- والتي تحفظ التناقض مع العالم وتؤجل مواجهته في نفس الوقت؛ لم تكن مجرد خطاب هامشي لبعض المثقفين الحالمين بقدر ما كانت مطلبا جوهريا يقع في صلب أغلب البرامج الاجتماعية والسياسة. وبعبارة أخرى فمنذ هذه اللحظة باتت تلك الذات المتعالية -ذاتنا- تعيش في عالم مؤقت بصفة دائمة!
ولكن إذا كان هذا التأجيل أو الإرجاء قد منع إسقاط تلك المهمة الحالمة التي باتت تمثل "سم الخياط" في طريقنا نحو العالم، فإنه بالتأكيد لم يحمي "الذات" من الانكشاف أمام عجزها وفشلها المتكرر في إنجازها، وهو ما شق جراحا جديدة أدت إلى استحضار الآخر على نحو أكثر قوة ووضوحا وغضبا، بوصفه المسئول الأصلي عن هذا العالم المحبط والمنغلق أمام جهودنا، مما أفضى إلى تجدد استجابتنا لحالة "الوجود في العالم" بوصفها، أولا وقبل كل شيء؛ منازعة غير منتهية ضد الآخر.



#عبد_الناصر_حنفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرة حول الصخب الهيجلي وعماء الزمن
- الدمى والوعي والعالم
- عن إشكاليات التأطير الجمالي في عرض: عاصفة رعدية
- تساو يو والروح الصيني القلق - تحليلات أولية حول الإطار الدرا ...
- تأملات تمهيدية حول ظاهرة المهرجان التجريبي
- عن ظاهرة المسرح والمسابقات التنافسية
- تقرير فني حول عرض -قول يا مغنواتي-
- عن الشوق الاجتماعي للمسرح .... ومخاطر خيانته!
- عن الأمل الهيجلي .. ورهاناته
- أغنية البجعة الليبرالية
- في إنسانية المسرح الجامعي
- من -ماكبث- إلى -بير السقايا- .... تأملات أولية في تحولات الد ...
- عن اليوم العالمي للمسرح ورسالته ... تأملات حول تقليد آن مراج ...
- المسرح المصري: ظاهرة تأبى أن تعي ذاتها (2-2) .... نمط الوعي ...
- المسرح المصري: ظاهرة تأبى أن تعي ذاتها!! (1-2) 1- -عن احصاءا ...
- عن الضغينة في مسرح الثقافة الجماهيرية
- نحو أعادة بناء حركة نوادي المسرح (5) الدعم اللوجستي
- الصعود بديلا عن الخلاص ....... عن اضطرابات مسرح ما بعد يناير ...
- ظاهرة المسرح: بين العطاء الجمالي، والعطاء الاجتماعي *
- نحو أعادة بناء حركة نوادي المسرح (4) خلق مساحات جديدة للعرض


المزيد.....




- -لا يتبع قوانين السجن ويحاول التلاعب بالشهود-.. إليكم ما نعر ...
- نظام روما: حين سعى العالم لمحكمة دولية تُحاسب مجرمي الحروب
- لأول مرة منذ 13 عامًا.. قبرص تحقق قفزة تاريخية في التصنيف ا ...
- أمطار غزيرة تضرب شمال كاليفورنيا مسببة فيضانات وانزلاقات أرض ...
- عملية مركّبة للقسام في رفح والاحتلال ينذر بإخلاء مناطق بحي ا ...
- إيكونوميست: هذه تداعيات تبدل أحوال الدعم السريع في السودان
- حزب إنصاف يستعد لمظاهرات بإسلام آباد والحكومة تغلق الطرق
- من هو الحاخام الذي اختفى في الإمارات.. وحقائق عن -حباد-
- بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
- اختتام أعمال المنتدى الخامس للسلام والأمن في دهوك


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الناصر حنفي - نحن، والآخر في العالم!