صباح راهي العبود
الحوار المتمدن-العدد: 5450 - 2017 / 3 / 4 - 14:47
المحور:
الطب , والعلوم
بعد مرورأكثر من 200 عام على ما قدمه نيوتن وغاليلو وآخرون من بناة الفيزياء الكلاسيكية إنبرى أنشتاين في مطلع القرن العشرين لتهديم تلكم البنى والأساسات وإعادة بنائها بطريقة مذهلة لم تكن تطرأ على بال أحد ,لابل صعب فهمها على الكثير من الفيزيائيين زمنذاك. والذي كان سائداً هوأن الزمن ماهو إلا وسيلة لترتيب الأحداث وتدفقها بإتجاه واحد هو المستقبل , نحس به ونقيسه.وإن القوة المؤثرة على أي جسم حر تحركه بتعجيل يؤدي الى زيادة سرعته الى مالا نهاية مادام ثأثير القوة قائماً. وأن هناك قوة تجاذب بين الكتل تم حسابها على وفق قانون وضعه نيوتن .وعد نيوتن كتلة الجسم مقدار ثابت ولا تأثير لسرعتها على مقدارها ,كما لاتأثير لسرعة الجسم على زمن حركته. في حين يرى أنشتاين (1879 – 1955) في نظريته النسبية أن الزمن يدل على أوضاع مختلفة للمكان ,وهو لا يتدفق إطلاقاً ,ويمكننا أن نعيش الحاضر والماضي والمستقبل بصورة مستمرة في ذات الوقت. وإذا إزدادت سرعة الجسم فسيحصل إنكماشاً في طوله يزداد كلما إقتربت سرعته من سرعة الضوء,وفي الوقت ذاته تزداد كتلة الجسم ,وقد وضع أنشتاين معادلات بهذا الصدد عند شرحه للنظرية النسبية التي ذكر فيها أيضاً أن كل شيء في الكون نسبي ماعدا سرعة الضوء فهي ثابت كوني (300000)كم/ثا تقريباً.
مما تقدم يتضح أن الفرق بين قوانين الفيزياء الكلاسيكية والفيزياء النسبية هو أن الأولى درست حالة الأجسام التي تتحرك بسرعات واطئة عادية ثم وضعت قوانين على وفق ذلك.في حين أن النظرية النسبية تناولت التغيرات التي تطرأ على الأجسام التي تتحرك بسرعة فائقة يمكن مقارنتها بسرعة الضوء. لذا يمكن القول أن قوانين الفيزياء الكلاسيكية تُعد حالة خاصة من قوانين النسبية.
تناولت النظرية النسبية موضوع الجذب بين الكتل في الكون ,وكذلك مسألة تمدد الزمن وإنحنائه,ووضع أنشتاين معادلته الشهيرة في تكافؤ الكتلة والطاقة ( الطاقة = كتلة الجسم × مربع سرعة الضوء) على فرض أن الكتلة والطاقة وجهان لعملة واحدة.وهذا يعني أن تحول مقدار ضئيل من الكتلة سيؤول الى طاقة هائلة ,وقد كُرس هذا الإكتشاف في تشغيل المفاعلات النووية ولإنتاج الأسلحة النووية المدمرة. ووضعت النظرية تفسيراً لسر طاقة النجوم وعمرها الطويل الى جانب قوانين تمدد الزمن, فالوقت الذي يمر على شخص ساكن على الكرة الأرضية هو ليس نفسه لشخص يبتعد بسرعة كبيرة جداً.فلو زادت سرعة إنسان في سفينة كونية مثلاً الى حوالي 87% من سرعة الضوء فإن الزمن سيتباطأ بمعدل 50% , فعمر صديقك الذي تركته على الأرض إذا إزدادعشرين عاماً مثلاً فإن عمرك سيزداد عشر سنوات . أما مفهوم الجاذبية لدى أنشتاين فهو مختلف تماماً وليس له علاقة بقانون الجذب العام الذي وضعه نيوتن عام (1687) الذي يرى أن الجاذبية هي قوة توجد بين أي كتلتين في الكون ,بينما أكد أنشتاين على أن الجاذبية ليست قوة (سنأتي لاحقاً على توضيح هذا الأمر) ,وأن الزمن والمكان (بأبعاده الثلاثة س,ص,ع) هو نسيج رباعي مندمج ومرتبط إرتباطاً وثيقاً لاينفصل أسماه (الزمنكان), وإن كل شيء في الكون من نجوم وكواكب وثقوب سوداء وغيرها تسبح في هذا النسيج الذي يملا الكون وتشوهه. فإذا وجدت كتلة (أو طاقة أو عزم) في هذا النسيج فإنها ستسبب إنحناءه ,ويزداد هذا التأثير مع كبرالكتلة الموجودة في نسيج الزمنكان. ولتوضيح الفكرة نفترض أن الفضاء (النسيج الزمنكاني) عبارة عن سطح منضدة مستوية ,فإذا دفعت كرة صغيرة بإتجاه أخرى موضوعة في وسط المنضدة فإنها ستصلها وتصطدم بها وسيكون هذه على خط مستقيم,ولتسهيل الفكرة سنفترض أننا وضعنا كرة ثقيلة على سطح المنضدة السابقة لكن سطحها مصنوع من نسيج مطاط فإن السطح سوف يتقعرفي أثناء وضع كرة ثقيلة وأن هذا التقعروالتغير في شكل النسيج والذي يتناسب مع مقدار كتلة الجسم سوف يجبر الكرة الصغيرة التي تُدفع بإتجاه الكرة الثقيلة على أن تتخذ مساراً دائرياً تقريباً حول تلك الكرة الكبيرةعند الإقتراب منها , فالأرض تدور حول الشمس ليس بفعل قوة جذب تسلطها الشمس على الأرض ,وإنما تتحرك الأرض في الفضاء المقوس حول الشمس. وبهذا الوصف يمكن توضيح ما تنبأ به أنشتاين في تفسيره للجذب بين الأجسام, فالتقعر(التقوس) في النسيج الزمنكاني هو الذي يسبب هذا الجذب وينظم حركة الأجرام السماوية .وبعبارة مختصرة أن سبب الجاذبية هي تقوس الزمنكان , فدوران الأرض حول الشمس ناتج عن تقوس الزمنكان الذي تحدثه الشمس وهو أكبر من التقوس الذي تحدثه الأرض القريبة من الشمس لذا ستتخذ الأرض مداراً لها حول الشمس الأكبرمنها.وهذا الأمر ينطبق على كل المكونات السابحة في الفضاء.إذن فأمواج الجاذبية هي إضطراب في الزمنكان ينتشر بعيداً عن موقع إضطراب الكتلة.
إن الثقوب السوداء عموماً تتميز بكتلتها الضخمة التي تعادل كل منها عشرات المرات كتلة شمسنا .ففي حالة إنفجار ثقب أسود بشكل مفاجئ سيحدث تشويهاً في الزمنكان فينتشر موجات الجاذبية والتي يكون تأثيرها هائلاً على الكواكب والشموس الموجودة , لكن هذا الجذب غير محسوس بالنسبة للمراصد الأرضية زمن أنشتاين ,لذا فلم يستطع الفلكيون من رصدها ودراستها ,لكن أنشتاين تمكن من دراستها عن ووضع المعادلات التي تصف موجة الجاذبية تلك مؤكداً على تأثير هذه الموجات على حركة الأرض طفيفاً غير محسوس إذ لا يتعدى 0.001 من قطر البروتون .
إن موجات الجاذبية التي تنتج من إنفجار نجم من النجوم الألكترونية تولد صدمة في تغيرات الجاذبية (كثافة كتلة هذه النجوم عالية جداً إذ ستيؤول السنتمتر المكعب الواحد منها الى مليار متر مكعب بعد إنفجاره وتمدده). فعن طريق الصدفة رصد الفلكيون في 14/9/2015 موجة ضعيفة تدل على إندماج إثنين من الثقوب السوداء حجميهما(36,25)مرة بقدر حجم شمسنا,وكان قبل هذا الإندماج يدوران حول بعضهما البعض بسرعة تقدر بحوالي نصف سرعة الضوء,حدث هذا قبل مليار وأربعمائة ألف سنة ضوئية ,ونتيجة الإلتحام ونظراً لضخامة الكتلتين الملتحمتين وكبر سرعتيهما فقد حصل إضطراب أدى الى تشوه كبير في نسيج الزمنكان إنتشر بسرعة الى أنحاء الكون ,ونظراً للبعد الشاسع مابين الأرض ومكان الحدث فإن موجة الجاذبية وصلت الأرض ضعيفة جداً لم تستطع المراصد الأرضية العادية من رصدها, لكن وجود مرصد (ليغو) في أمريكا تمكن من رصد موجات الجاذبية تلك بطريقة التداخل الليزري ,وهذا المرصد أنجز بناؤه عام1992 وتم تطويره على مراحل متتابعة كان آخرها عام 2015. لقد تمكن هذا المرصد الأسطورة من رصد موجة الجاذبية التي نحن بصدد الحديث عنها والتي نتجت من تشوه الزمنكان لما تميز به المرصد من قدرة وكفاءة عاليتين. وقد تجلى تأثير هذه الموجات على هيئة تمدد في الأرض في جهة إستلام الموجة وإنكماش في الجهة المعاكسة مقداره 0.001 قطر البروتون وهو المقدارنفسه الذي تنبأ به أنشتاين عام 1916 .كما تسببت هذه الموجات الواصلة في هز الهوائيين الموجودين في المرصد المكون من جزئين أحدهما في واشنطن والآخر في لويزيانا. ولم يتم الإعلان عن هذا الحدث العظيم إلا بعد حوالي خمسة شهور أي في 11/2/2016 إذ أعلن فريق دولي علمي في مؤسسة العلوم الوطنية في كل من واشنطن وموسكو (وهم في قمة نشوتهم وسعادتهم وفخرهم) عن إكتشاف موجة الجاذبية التي تنبأ بها أنشتاين قبل قرن من الزمان.وبذلك أصبح التحدث الى الكون ممكناً بعد هذا الإنجاز العلمي المذهل والحدث الكبير في علم الفضاء. ونحن الآن لسنا بصدد شرح الآلية التي يعمل بها المرصد ,ولا خطوات تحسينه ورفع كفاءته وزيادة حساسيته , بل نشير الى أهمية وظيفته وعمله, ولا يوجد لحد الآن مثيلاً له في العالم . لكن دولاً عدة بدأت بإنشاء مثل هذا المرصد الذي يبدو تحفة فنية معمارية علمية راقية. ولابد لنا من أن نذكربأن العاملين في مرصد(ليغو) عازمون على العمل لزيادة حساسية لرصد المزيد من الإشارات والذبذبات الكونية الأضعف . ولعل من الأمور المثيرة هو أنه سيتم إطلاق مرصد (ليزا) الى الفضاء وهو مشابه لمرصد (ليغو) لكنه يعمل بعيداً عن ضوضاء الكرة الأرضية التي كانت تحدث مثل الهزات الأرضية والزلازل وحتى حركة السيارات والقطارات وتغيرات درجات الحرارة وغيرها,إذ سيكون هذا المرصد محمولاً على مركبة فضائية تدور حول الشمس.
يُعد إكتشاف موجات الجاذبية التي تنبأ عنها أنشتاين إنجاز سيفتح الأبواب مشرعة لعصر جديد في مجال الفيزياء والرصد الفلكي, وسيجعل في متناول أيدي الفلكيين وسائل جديدة تمكنهم من مراقبة السماء عن كثب .ومن المتوقع مستقبلاً إستلام موجات الجاذبية من كل أطراف الكون ,وستمكننا من خلال المراصد المتطورة التأكد من وجود أجسام فضائية لم يتسن للفلكيين رؤيتها من قبل .كما ستتسع دراسات الكون ,وستراقب الثقوب السوداء لنتمتع بمنظر تصادمها وإندماجها الذي حدث قبل زمن سحيق, كما سنتعرف على تأريخ الكون ونشوئه ومخلفاته من خلال الإنفجار العظيم الذي حدث قبل 13.8 مليار سنة ضوئية,والتمتع بسماع صوت الكون وما سيحدث هناك. وسيتسنى لعلماء الفلك إكتشاف الكون المظلم والذي لا يمكن رؤيته من خلال المراصد والتلسكوبات الضوئية المستخدمة حالياً.
والخلاصة فإن تغير موجات الجاذبية في مكان ما في الكون وبشكل مفاجئ يؤدي الى إنتشار موجات الجاذبية في طول الكون وعرضه بسرعة الضوء مما يتسبب في تمدد وتقلص الفضاء في أثناء حركة تلكم الأمواج.
وهكذا تحققت تنبؤات أنشتاين بعد 100 عام.
#صباح_راهي_العبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟