المبالغة صارت موضة الموسم . ليس هذا الأمر مقتصرا على العرب المشهورين بها بحق حتى غدوا أضحوكة الدهر ، بل امتد الأمر إلى معظم الشعوب تقريبا . فقد أضحى من المعتاد أن تسمع الجميع يسب الجميع ويشتمه بكل اللغات ، والتهمة الجاهزة هي الإمبريالية والرجعية والعدوان والتوسع والاحتلال والسيطرة على منابع النفط و… ولو عمدنا إلى ترجمة هذا الكلام إلى لغة الشارع ، أية لغة ، فهو ببساطة : ألعن " أبو " فلان الكلب ابن الكلب والعن أمه وجده وخاله وعمه ، هذا إذا بقي اللسان عفيفا ولم يصل إلى العرض والطول والارتفاع !
لقد شبعنا ، نحن العراقيين ، كلاما إنشائيا عن بلدنا الذي ستقسمه الأشباح ، ونفطنا الذي ستسيطر على منابعه العفاريت . وعن الملايين التي ستتظاهر – وبعضها تظاهر - دعما لنا في عواصم العالم ومدنه . لكن لا أحد كلف نفسه عناء السؤال منا مباشرة ، وليس عبر وسيط ، هو قاتلنا صدام ، ماذا نريد بالضبط .
لم يتجشم أحد من المتظاهرين أو الشاتمين أو رافعي رايات التحكيم العمروعاصية عناء السفر إلى حوزة عقلنا الظاهر والباطن ، والاستفسار منا بدون وسائط ، عما نريد أن نشرب أو نأكل قبل الإعدام أو الإتلاف إما على يد صدام أو على يد صدام !
لم يرهق أحد نفسه من جميع المتباكين تقريبا بطرح سؤال بسيط للغاية على نفسه ، هو : لو احتجزك أحد مع بناتك وأخواتك وأمك وزوجتك ، وراح يفجر بهن أمام ناظريك وأنت مكبل ، الواحدة تلو الأخرى ( وهو مثال واقعي عراقيا وليس تجريديا ) ثم قيض الله لك من يبطش به البطشة الكبرى لا بيده – حاشا وكلا - ولكن باليد الأزلية الأبدية الممتدة من وراء الغيب ، فهل ترفض ، مواصلا التفرج على مأساتك و سواد وجهك وانتكاسة عقالك ، بدعوى الامبريالية والصهونية والرجعية ومنابع النفط ؟ إسألوا أنفسكم وجدوا الجواب الذي عنه تبحثون .
لن ينفعنا الضجيج حتى لو صدر عن المليارات . ومصلحتنا العراقية قبل أية مصلحة ، والعراق أولا ، وليس لدينا صديق أو حليف أو عدو إلا بمقدار صداقته وتحالفه وعدائه مع المصلحة العراقية . فقد تكون الكويت التي يعاني فيها العراقيون ( خمسة وعشرون ألفا حسب جريدة الشرق الأوسط اليوم ) رغم جنسياتهم الأوروبية ورغم تصديهم للعدوان في الثاني من آب العام 1990 جنبا إلى جنب مع الكويتيين ، عدوا لنا بمقدار إيذائها لهم . وقد تكون إسرائيل صديقا لنا بمقدار فهمها لقضية الشعب العراقي الحالية ؛ وقضيتنا الحالية هي زوال صدام ، أولا وأخيرا ، وكل من يعيننا عليها صديق لنا ، بغض النظر عن طبيعته . وكل من يقف في وجوهنا في هذا المسعى عدو لنا مهما كان طول لحيته أو قصر ثوبه !
على جميع أصدقائنا وأعدائنا وأخوتنا الأعداء أن يدركوا ، أننا لن نلدغ من الجحر ذاته ثانية ، ولن يمكن لأحد أن يضحك على ذقوننا ، كرة أخرى ، بحجة الإمبريالية والصهيونية والرجعية والبطيخ !