|
السلام ترنيمة الملائكة
عزيز سمعان دعيم
الحوار المتمدن-العدد: 5447 - 2017 / 3 / 1 - 13:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رنّم جوق الملائكة ليلة الميلاد أروع ترنيمة بأسمى الألحان وأقل الكلمات. فيها ثلاث عبارات قليلة الكلمات غنيّة المضامين، يتوسطها السّلام الحقيقي، وهو الآلية الصحيحة لوضع الأمور في نصابها السليم، سلام ما بين الأعالي والنَّاس. سلام الله يهدف لتحقيق غرض الله في بشريته، غرض الله نحو الانسان الذي يقبله ويعيش وفق المخطط الإلهي، إذ تغمره السعادة والمسرّة، وهذه غاية الله لكل منا، وبالتالي يَرفع الانسان وتَرفع البشرية المتنعمة بالسلام التسبيح والحمد والتمجيد نحو الله، معترفين بحقّه وفضله ونِعمه علينا، فنعيش لمجده. فغاية الله لنا سعادتنا، وسعادتنا تمتلئ بفيض غزير في اعلاننا مجد الله، من خلال السّلام الذي صار لنا برّب السّلام. «الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لوقا2: 14). التجسّد هو رسالة الله للإنسانية التائهة المضطربة، والرسالة السماويّة موضوعها السّلام، السّلام الحقيقي المبني على عمل وقصد ووعد الرّب، هو سلام يعمل باتجاهين، الأول: سلام عامودي، أي سلام مع الله "المجد لله"، والثاني: سلام أفقي، أي سلام مع الآخر، مع الناس "بالناس المسرّة". كما أننا في هذه الآية المجيدة "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة"، نرى ونلمس السلام الحقيقي بأبعاده وأسسه الأربعة: - السلام الروحي: "المجد للّه في الأعالي"، أي علاقة سليمة مع الرّب، فيها يعلن الإنسان حاجته إلى الرّب الذي هو خلاصه وملجأه، والذي به يحيا ويتحرك ويوجد، وكل نسمة فيه هي من نِعَمه وفضله عليه، فيعيش حياته في وسائط النعمة مسبحًا وشاكرًا عظيم مراحمه وألطافه عليه. - السلام الذاتي: "المسرة"، عندما تكون العلاقة سليمة بين الإنسان والله، يُعشِش السلام داخل الانسان، فتغمره السعادة وينعم بالسلام الداخلي وهدأة البال. - السلام الاجتماعي: "بالناس المسرة"، عندما يحلّ سلام الله في الانسان، يفيض الانسان بالسلام تجاه أخيه الانسان، وتجاه عائلته ومن حوله ومجتمعه، فيمتد السلام وينتشر بنعمة اللّمسة الإلهية، ليحُلّ في كل شخص ومجتمع يفتح باب قلبه لسلام الله ومحبته، فتسوده العلاقة السليمة النابعة من مصدرها الإلهي. - السلام البيئي: "على الأرض السلام"، سلام الله الذي يملأ مؤمنيه، يؤثر فيمن حولهم من أفراد ومجتمعات، لتعُم المسرّة، بل ويتعدى ذلك ليشمل البيئة المحيطة، لتتحول لبيئة تعيش حياة سليمة بكل ما فيها من حيّ ونبات وجماد، مكللة برأس الخليقة: الإنسان. السّلام الحقيقي، يتكلل بالامتياز وهدأة البال. الامتياز: في عبارة "المجد لله في الأعالي"، نجد كلمات "المجد" و "الأعالي"، وهي مضامين فيها سمو ورفعة في أعلى المعايير، ويكون الامتياز في أبهى تألقه عندما يكون مصدره من الله ويُقدّم إلى الله. هدأة البال: كلمة "المسرّة" هي كلمة تحمل في طياتها الفرح الذي لا يُنزع، فمهما اضطربت الأمور من حولك، واهتزت الأرض، وماجت البحار، وتقلقلت الدول، وانتفض الساسة، وفَسُدت السياسات، فالمسرّة الإلهية لا تتزعزع، لأنها مستندة على صخر الدهور، فوعد الأمين صادق "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ" (يوحنا14: 27)، وهو القائل " قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (يوحنا 16: 33). ترنيمة الملائكة تتناغم بل تندمج مع ترنيمة وتسبيح التلاميذ والجماهير التي رحبّت بدخول الرّب المخلّص إلى اورشليم قائلين «مُبَارَكٌ الْمَلِكُ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! سَلاَمٌ فِي السَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي الأَعَالِي!» (لوقا19: 38)، فقد كان هذا اعلانًا عن أن السلام الذي بشر به جوق الملائكة في الميلاد، على وشك أن يتحقق في الصليب، وها هو يسوع مُصوّب وُجهَته نحو إتمام الفداء، ليعلن السلام في السماء بدمه لغفران خطايا من يؤمن به، ليحل سلامه فيه ويملأ السلام الأرض. فالسلام الحقيقي مبني على مصالحة الله القدوس للبشرية الخاطئة بالفداء الذي قدمه الرّب يسوع كفارة عن البشرية بعمله على الصليب، فكابن الله القدوس أمسك بيد الله، وكابن الانسان البار الذي لم يفعل خطية أمسك بيد الانسان، ليصالحنا بجسده على الصليب، فيعم سلامه الأرض "لكِنِ الآنَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ، صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ الْمَسِيحِ. لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا، وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ. لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُومًا فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ" (أفسس2: 13-18). مشيئة السماء أن يحُلّ السلام على الأرض، ويسمو السلام بامتيازه إلى السماء ليعطِ المجد للرّب، ويتواضع ببساطته إلى الأرض ليملأ الناس هدأة بال ومسرّة، هذه هي المشيئة الإلهية، لا للمعاناة والفقر والجهل والمرض، بل للخلاص والمسرة والفرح الحقيقي وهدأة البال.
#عزيز_سمعان_دعيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لغة الحوار أساس ثقافة السّلام
-
فاقد الشيء لا يعطيه
-
الجار الطيب ورجل السّلم المجتمعي
-
السّلم المجتمعيّ هو الهدف الأسمى للتربية
-
أي تأثير صغير له فعلٌّ كبير
-
تسليط الأضواء على أحداث الميلاد
-
عصرنا بأمس الحاجة لثقافة السّلم المجتمعيّ
-
ثقافة السّلم المجتمعي في نظر مدير مدرسة عبلّينيّ وباحث في مج
...
-
بداية جديدة لخلق دور وتوجّه جديد مقابلة السّلم المجتمعي مع م
...
-
السّلم المجتمعيّ في عينيّ متخصصة بالقانون والعمل المجتمعي
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|