|
طبول الحرب تقرع من جديد في تونس..
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 5446 - 2017 / 2 / 28 - 01:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الاتحاد العام التونسي للشغل بدأ قرع الطبول بصخب و عنفوان.. و كيف للسلطة الحاكمة أن تستـنجد بالسيد "عبيد البريكي" كوجه اتحادي و يساري من الوزن الثـقيل لتضفي صبغة الوحدة الوطنية على حكومتها الأخيرة لـ"يوسف الشاهد"، و لتمد خيطا من الوهم لارتباط زائف مع اليسار، ثم الآن تـقيله. نعرف السيد "عبيد البريكي" في استـقلاليته و عنفوانه النقابي و اعتداده بنفسه إضافة إلى تملكه لرؤية سياسية واضحة لما يجب أن تكون عليه تونس الحرة العادلة بحق. لا يهادن و لا يسمح لنفسه أن يكون تابعا ذليلا كما انه عنيد فيما يصل إليه من قـناعات و لولا تلك المزايا لما كان له أن يكون النقابي اليساري البارز. و إننا ننـتـظر في الأيام المقبلة القـنابل السياسية التي سيفجرها انتـقاما لما وصفه بالإقالة المهينة و لتصريحه بأنه سيفضح الحكومة. انعقد المكتب التـنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل مساء يوم السبت الموافق لـ 25 فيفري 2017، و أصدر بيانا يدعو فيه النقابيين إلى الاستعداد و الانتباه و الفطنة للتصدي للإجراءات الحكومية المزمع اتخاذها من بيع لعديد المرافق العمومية و تسريح لآلاف الموظفين العموميين.. إنها الحرب إذن. و تاريخيا أي معركة لحكومة تونسية ضد اتحاد الشغل تحسم في النهاية باندحارها.. سقطت حكومة "هادي نويرة" بل أخذته المنية اثر أزمة قلبية حادة اثر أحداث جانفي 1978 التي راح ضحيتها مئات النقابيين برصاص الجيش و الأمن. ثم سقطت حكومة "محمد مزالي" و انتهى مصيره إلى الإقالة و المتابعة و الهرب من البلاد متـنكرا و ذلك نتيجة تداعيات "انتـفاضة الخبزة" في جانفي 1984. أما الرئيس السابق "زين العابدين بن علي" فقد عمل طيلة فترة حكمه على عدم التصادم المباشر مع اتحاد الشغل حتى أسقطه سنة 2011، حيث لم يتمكن "عبد السلام جراد" الأمين العام للاتحاد ساعتها من التصدي لقرار المكتب التنفيذي بإعلان الإضراب العام في 12 جانفي في صفاقس الذي مثل هزة مدوية و إعلان سقوط "زين العابدين بن علي" نظرا لأهمية مدينة صفاقس و للجماهير العريضة غير المتوقعة التي زحفت على الشوارع، و ثانيها الإضراب العام في العاصمة تونس يوم 14 جانفي 2011 و الذي حسم الأمر لصالح اندحار نظام فاشستي بوليسي جثم على القـلوب بالإرهاب البوليسي لما يزيد عن العشرين سنة. ثم، "حركة الغنوشي" الإسلامية و التي بغباء لا مثيل له هاجمت اتحاد الشغل، و في ضنها أن ميليشياتها ستـتمكن من الانتصار على جنود الاتحاد ذوي المعدن الصلب المقبلين غير المدبرين في أي معركة. و تمكن اتحاد الشغل من دحر الحركة الاخوانية و إزاحتها عن السلطة. و من الغباء السلطوي الأعمى المتواصل أن العصابات المافيوية و التجمعيين ضنوا بكل سذاجة أن دور الاتحاد و اليسار ينتهي هنا، ليعيد لهم السلطة باعتبار الإسلاميين جسرا لعودتهم.. و رئيس الجمهورية الحالي بمجرد فوزه في الانتخابات و فوز حزبه في التشريعية، انقلب على القيادة اليسارية لحزبه. فالمفروض أن يعتلي كرسي رئاسة الحكومة السيد "الطيب البكوش" باعتباره أمينا عاما لحزب "نداء تونس" و لكن السيد "باجي قايد السبسي" المفترض انه استـقال من الحزب بعد توليه رئاسة الجمهورية أبعد هذا الوجه النقابي اليساري، ليسند رئاسة الحكومة إلى تكنوقراط هو السيد "الحبيب الصيد" و ذلك طبعا لينفذ أوامره و ما أن تمرد هذا الأخير على رئيس الجمهورية حتى حاك الرئيس لعبة حكومة الوحدة الوطنية.. نتوقف هنا. لو كانت الأمور قد جرت بالوضوح اللازم سياسيا مما يعطي قوة سياسية لأي حكومة هو أن يقودها رئيس الحزب الفائز ليتحمل مسئوليته حسب الوعود الانتخابية و البرنامج السياسي المفترض. أما ما حدث فهو تحكم رئيس الجمهورية في لعبة تعيين رؤساء الحكومات و بالتالي فهو المسئول الأول و المباشر و الرئيسي عن الجو السياسي المشحون و انعدام الوضوح و المراوغة و الفشل الحكومي. و انه ليس من الذكاء في شيء أن نستـنـتج مباشرة أن إقالة السيد "عبيد البريكي" صادرة عن رئيس الجمهورية و ليس عن رئيس الحكومة، كما أنها هي بدورها إقالة قادمة لرئيس الحكومة ذاته، لان لاعب النرد في قصر قرطاج يعلم علم اليقين أن الاتحاد لن يصمت خاصة أن مسالة الإقالة هي مسالة توجه نحو خيارات غير شعبية و التي ذكرها الاتحاد في بيانه الأخير. في ضن الرئيس أن الأزمة سيكون قادرا على حلها بحكومة جديدة تعطي نفسا جديدا على المستوى الداخلي و الخارجي بالإيهام أن الحكومة الجديدة ستحارب الفساد. كما أن الأزمة السياسية في جوهرها هي أزمة أخلاقية. فالتحالف مع حركة الغنوشي هو انقلاب على ناخبيه و ضربة مدوية للمصداقية السياسية و بلبلة للاتجاهات و إضاعة لأي بوصلة عند جزء هام من الشعب. إنها أزمة افـتـقاد المصداقية السياسية.. تـشييئ الناخب و فسخ وجوده كفكرة أي كانسان. استهتار فج و غريب بالمواطن. انه في نفس الوقت نفي ذاتي و فسخ لأي معلم واضح له كتوجه و كيان سياسي ما. إن فرعون كان إلاها يرمز إلى الشمس التي تـنير كل الأرجاء، أما قرطاج فكهف مظلم نشر ظلمته على الحياة السياسية برمتها حتى أن اغلب المواطنين فقدوا الثـقة في جميع السياسيين.. في الليل الأسود تكون جميع الأبقار سوداء مثلما قال "هيغل". أي إننا أمام كيانية سياسية استبدادية في جوهرها وجدت نفسها في ملعب غير ملعبها فـتـشرذمت الحياة السياسية برمتها.. لكن الآن وجدت أسباب كافية لوضوح حد التحدي و هذا ما يفتح أفقا جديدا.. لا يمكن لأي مراوغة أن تدوم طويلا و المثل الشعبي يقول "حبل الكذب قصير".. إنها تبدو المراوغة الأخيرة يحيكها شبح ملك ضال في خيالات خرافية ليغرق الواقع في الايقينية. شبح خلط الأوراق و إهدار الرصيد السياسي للثورة، و كانت أعظم مسرحية ساخرة تم اختـتامها بحضور تلفزي لرئيس الحكومة صحبة اغلب وزرائه كمتفرجين مبتسمين كالأطفال لكلماته الرسولية في العشاء الأخير لأعظم طبخة سياسية رديئة و بائسة و مهينة للذكاء التونسي. و هنا تصل شهب الفكر لتأتي إلى الذهن برائعة الكاتب الانكليزي "كولن ولسن" "برج العناكب"التي يتخيل فيها سيادة العناكب على الإنسان المتبقي.. العناكب.. الأوغاد، المافيا الاوليغارشية، الاستبداد، الرأسمالية المتوحشة الفاقدة للوطن و الوطنية،الامبريالية الحقيرة، عملاء الامبريالية الأوغاد، سدنة المعابد و تجار الدين و المقدس.. اوووه... أيها الإنسان المتبقي ارفع رايتك لينـقـشع سحر الشياطين الذي حول معظم البشر إلى تماثيل حجرية بسياراتها و مجمل قذاراتها العالقة بها و القاتلة للروح.. اللحظة الطهرية العظمى.. لحظة انبساط وجه الله على الأرض..
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الاحتجاج و دوافعه في تونس
-
في الذكرى 31 لتأسيس حزب العمال التونسي
-
علاقة -دستويفسكي- بالتحرر الفلسطيني
-
في الانتقام ل-شكري بالعيد-
-
رسالة الى السوريين حكومة و معارضة
-
الصفعة الروسية لايران
-
تونس بين ديدان الأرض و ثورتها
-
نظرة تونسية للجزائر اليوم
-
مساجد لعبادة الله أم الإمبريالية ؟
-
المسرح الروماني ضد الإرهاب الاسلامي
-
-بشار الأسد- و الناعقون على حلب
-
المثقف و الاستبداد
-
الفوضى السياسية في تونس
-
مارد الاستثمار في تونس
-
وقف سلسلة الانتقام في تونس
-
بوح معذبي الدكتاتورية في تونس
-
مهزلة العراق الجحيمية
-
صدمة -ترامب-
-
مأزق الراهن
-
الجسدي التائه
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|