|
مجتمعنا العربي وعالم الحداثة
الطيب طهوري
الحوار المتمدن-العدد: 5443 - 2017 / 2 / 26 - 15:33
المحور:
المجتمع المدني
خواطر
في عالمنا العربي الإسلامي تشكل الإنسان نفسيا وذهنيا ومن ثمة سلوكيا قوتان ، لا ثالثة لهما ،في الغالب: أنظمة الاستبداد السياسية والاجتماعية ،والقوى الدينية..كلتا القوتين تزرعان وبشكل مستمر في هذا الإنسان الخوف.. الخوف من قوى القمع بشتى أنواعها ( قمع عصوي يتمثل في قوى الأمن والدرك والعسكر، قمع باسم القانون يتمثل في القضاء الذي هو خاضع لإرادة المتنفذين في إصدار أحكامه، حيث لا قضاء مستقل في هذا العالم العربي الإسلامي ، قمع إداري يمثله المسؤولون في مختلف المؤسسات ،والذين يعينهم المتنفذون أيضا،وهم الذين يتحكمون في لقمة عيش المواطن غالبا من خلال إبقائه في منصب عمله أو تسريحه بشتى المبررات)،وهو القمع الذي تمثله قوى الحكم الاستبدادية عموما.. الخوف الآخر والأعمق هو الخوف من عذاب الاخرة، من جهنمها، وهو ما تملأ به نفوس الناس يوميا آلاف المساجد وآلاف الدعاة وعشرات القنوات التلفزية والإذاعية..إلخ.. يرتبط كل ذلك الخوف الذي ينخر عقل الفرد العربي وعواطفه بجهل يكاد يكون مطبقا يميز هذا الفرد، حيث تختفي المطالعة عموما من انشغالاته اليومية، وحيث يحارَب الرأيُ المخالف فكرا، والتصورُ المغاير في النظرة إلى الحياة والموقفُ منها ومن قضاياها العديدة.. واقع كهذا لا يمكن أن يجعل من الإنسان إلا كائنا عاطفيا أكثر، ضعيف البنية العقلية والتفكير الحر،الموضوعي،المسؤول والعميق .. واقع كهذا لا يمكن للإنسان فيه أن يكون إلا غرائزيا أكثر،تتحكم غرائزه في تفكيره وفي سلوكه وفي علاقاته بالآخرين..و.. من هنا تتحدد علاقة العربي بالحداثة ومجتمعاتها إجمالا، حيث يرتمي في أحضان اشتهاء منتجاتها المادية المثيرة لغرائزه أكثر.. يرتمي في عالم ثقافتها الاستهلاكية أساسا..يلهث وراءها بشكل كبير..إن هو امتلك المال عمل على امتلاكها والتظاهر بها أمام الآخرين بشكل هستيري ..وإن هو عجز عن امتلاكها عمليا، نتيجة ضعف قدراته المالية تعلقت بها أحلامه إلى حد الهوس.. ولأنه لا عقل له اساسا، فهو لا يفكر في التخطيط والعمل على إنتاجها بإرادته الذاتية..يشعر دائما بالعجز عن ذلك، بل وباستحالته..لا يفكر أيضا في البحث عما وراء ذلك المنتج المادي الحداثي..لا يفكر في العقل الذي أنتجه كيف بُني؟ ما الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية التي كونته لينتج ما أنتج؟..لا يطرح الأسئلة المتعلقة بذلك المجتمع الحداثي على نفسه..كيف وصل ذلك المجتمع إلى ما وصل إليه من تنظيم اجتماعي وسياسي؟..ما علاقة ذلك بالحرية والإبداع في شتى انواعه ( فكرا وعلما وفنا)؟..لا يطرح على نفسه الأسئلة لمتعلقة به وبمجتمعه هو ذاته..لماذا هو هكذا؟ لماذا مجتمعه هكذا؟..ما علاقة ما هو فيه وما هو عليه مجتمعه بالاستبداد السياسي والاجتماعي؟..ما علاقة ذلك بدينه؟..كل تلك الأسئلة المتعلقة بعلاقته بالآخر الحداثي وبه وبمجتمعه تغيب عن باله..وإذا طرحها البعض أو طرحوا بعضها فإنهم يطرحونها بشكل خافت ، خوفا من المجتمع وقواه الاستبدادية ، وخوفا من الشارع الاجتماعي وقواه الدينية خاصة وأساسا..وفي راهن اليوم أكثر أكثر.. القوتان معا تدفعان بهذا العربي المسلم إلى النظر إلى الآخرين المختلفين المغايرين بعين الشك والريبة دائما..يتعكس خوفه على علاقته بهم فيخاف منهم أيضا على ذاته..وبمعنى آخر على ما يعتبره خصوصياته الثقافية والاجتماعية والدينية، أي على ما يسميه هويته..ومن منطلق ذلك الخوف يناصبهم العداء..وبمعنى ادق يناصب فكرهم الحداثي ذلك العداء، ويتشبث أكثر بما عنده،وبما تركه له أسلافه..ولأن ما عنده وما تركه له أسلافه لم يعد قادرا بهما على حمايته من تغلغل ثقافة الحداثة ممثلة في جانبها الاستهلاكي الغريزي أساسا،فإنه لا يجد مفرا من الهروب أكثر إلى ممارسة التدين بشكل مفرط، من جانب، والهروب إلى الآسلاف ، من جانب آخر.. هكذا يبقى الفرد العربي المسلم يعيش عالمين متصارعين في ذاته ..يؤرقانه بشكل مستمر..عالم ثقافة الاستهلاك من جهة، وعالم ما كونته عليه نفسيا وذهنيا ما يسميه هويته، من جهة أخرى،..إذا تغلبت الأولى على نفسه يغيب أكثر في عالمها..إذا تغلبت الثانية يفرط في تدينه أكثر..في الحالتين، لا تغييرا ذهنيا وعاطفيا إيجابيا يحدث في ذاته..لا وعيا بواقعه وبواقع الآخرين يكتسبه..لا شعورا بالمسؤولية يحس به..لا قدرة على التنظيم يصل إليها..لا نضال يمارسه..يعيش هكذا بالصدف وللصدف..تصير طريقة عيشه الصدفية تلك عالمه الذي يقربه من عالم الحيوانات أكثر.. لا نعجب إذن ونحن نرى العربي فردا وجماعات وتنظيمات عاجزا عن حل خلافاته بالحوار المسؤول والعقل المدبر الحكيم الذي يضع في اعتباره مراعاة المصالح المشتركة بين المختلفين وضرورة تعايشهم في إطار السلم وتقاسم مسؤولية بناء المجتمع/ مجتمعهم.. لا نعجب ونحن نراه فردا وجماعات وتنظيمات يلجأ إلى سلوك العنف في علاقته به وبالآخرين .. لا نعجب ونحن نراه خوافا من دخول عالم المغامرة في المجهول.. لا نعجب إذن ونحن نرى المجتمع العربي مجتمعا لم يخرج بعد- مهما كبرت مدنه، ومهما امتلأت شوارع تلك المدن وبيوت الناس فيها بمنتجات ثقافة الحداثة- من مجتمع العشيرة والقبيلة، ومن عقلية التعصب للرأي ومحاربة المختلف..
#الطيب_طهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين ثقافة الولاءات وثقافة الكفاءات
-
مقبرة الحجارة
-
هنا، لا أمام لي
-
من آخرته عاد أبي
-
عن الحب..عن القبائل الأمازيغ في الجزائر
-
الإسلاميون والخوف
-
رمالا تعوي ريح ُ عباد*
-
لنبني حدائق ثقافية لأطفالنا
-
العرب المسلمون يعيشون مخياليا في الماضي
-
بين تقدم الغرب وتخلفنا..الأسباب أساسا
-
تأملات فيسبوكية
-
لماذا نحن لا ننتحر..لماذا هم ينتحرون؟
-
الأقوياء المتنفذون وحدهم من يخدمهم الدين في الواقع
-
لا خروج لنا من تخلفنا إلا بانفتاحنا على الحياة وتفاعلنا مع ب
...
-
من المستفيد من دروس التربية الإسلامية في مدارسنا؟
-
لماذا لم يتحرر المسلمون من استبدادهم ؟
-
عالمنا العربي يتردى أكثر..ماذا نحن فاعلون؟
-
عطشي الأرض..وأمطار يديك النار
-
شيء من العشب..أو ..من دمي
-
واصل غناءك أيها الرمل..واصلي رقصك أيتها النار
المزيد.....
-
الخارجية الأميركية تلغي مكافأة بـ10 ملايين دولار لاعتقال الج
...
-
اعتقال خلية متطرفة تكفيرية في قضاء سربل ذهاب غرب ايران
-
تفاصيل اعتقال اثنين من النخبة الإيرانية في الخارج
-
قصة عازفة هارب سورية، رفضت مغادرة بلادها خلال الحرب رغم -الا
...
-
قوات الاحتلال تقتحم قرية برقة بنابلس وتداهم المنازل وتنفذ حم
...
-
ألمانيا: قتيلان على الأقل وعشرات الجرحى في عملية دهس بسوق عي
...
-
الأردن يأسف لقرار السويد وقف تمويل الأونروا ويدعو لإعادة الن
...
-
بعد محادثات إيجابية.. أمريكا تلغي مكافأة الـ10 ملايين دولار
...
-
السعودية ترحب بتبني الأمم المتحدة قرارا بشأن إسرائيل
-
أهالي قرية معرية في ريف درعا يتظاهرون لإخراج القوات الإسرائي
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|