محمد التهامي بنيس
الحوار المتمدن-العدد: 5443 - 2017 / 2 / 25 - 00:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
سياسة الحقيقة والحب والجمال
منذ أن أثارني فيلسوف المناضلين وشاعرهم الأستاذ الأخ عبد الرحمن الغندور , باعتناقه ثلاثية ( الحب والجمال والحقيقة ) صرت ممتنا له بسبر أغوار هذه الثلاثية , وأنا أتساءل عن أهمية الحب في ممارسة السياسة , خاصة وقد تذكرت أنني لا مست ما يشبه هذا الموضوع حين كتبت يوم 7 – 6 – 2014 موضوع الرومانسية السياسية , وقلت انطلاقا من الحب والحقيقة ومتعة النضال : إني لم أستسغ إلى الآن السكوت عما اجترحه الإخوة في خضم النضال وما يفتعل في ذاتهم الاتحادية في صمت بعد المؤتمر الوطني التاسع . وبالحقيقة قلت : كفى . كفى كرها لهذا الحزب . لقد يتمت البيوت الاتحادية في مختلف الأقاليم وندبت المقرات حظها البائس وأوصدت الأبواب وأكلت الأرضة ما تبقى من تجهيزات وتفرقت الجماعات , فغابت متعة وجمالية النضال , وعنكب الوجوم على كل الملامح وبحت الأصوات وتكسرت الأقلام . إلا من بعض الفلتات الغيورة المحبة التي تفضل عدم الانقطاع ومواصلة أنشطتها مهما كانت متقطعة , ومهما كانت بلا طعم ولا متعة وإلى جانب هذه الإثارة , استفزتني أيضا بعض الأسئلة من طرف إخوان وأخوات وأصدقاء وصديقات ممن دعوتهم ليكفوا عن الانتقاد السطحي عن بعد , وضرورة انخراطهم في العمل السياسي ليتعرفوا على واقع الأحزاب عن قرب , فكان لسان حالهم يسأل : أي حزب من الأحزاب الحالية يمكنه أن يستوعب قضاياهم ويساير تطلعاتهم ويقدر على استقطابهم بحمولتهم الفكرية المجتمعية , ولا يعيش صراعات هامشية تبعده عن رسالة التأطير وتكوين النخب . وحيث أن السؤال يحمل حكما مسبقا على أنه ليس بين ما هو متواجد من الأحزاب . حزب تتوفر فيه المواصفات المطلوبة مجتمعيا . ولأن من كانت تتوفر فيه افتقدها في الآونة الأخيرة . قادني فضول الإثارة وفضول الاستفزاز , لتأمل المشهد السياسي انطلاقا من تجربة متواضعة عمرت 42 سنة , واعتمادا على مقارنة ما كان عليه الفعل الحزبي وما هو عليه اليوم . ودون الخوض في المواقف وتغيرها بتغير المحطات وصراعاتها الداخلية والثنائية وصراعات المخاصمة . قادني فضول الإثارة للاقتناع بأن الأحزاب السياسية التي تنتج عشاقا في مختلف البقاع . هي أحزاب حية , ولا يزال لديها أمل في ضمانة بقائها على قيد الحياة , حتى لو انتقلت فسحة الأمل – مهما كانت ضيقة – إلى مولود ينبعث من رحمها حاملا صفات المناضل المتشبث بعشق النضال وجمالية النضال وحقيقة النضال . مؤكدا عكس المنحى الواهم بأن لا وجود للحب في الفعل السياسي , وأن ما يمارسه أصحاب هذا المنحى هو سحب للرحيق من الجسد الذي صار يحيى في بيئة القحط . بينما المولود يريد أن يحيى في بيئة خلاقة تخلق منظومات جديدة لحب جديد , مبتعدا تماما عن قواعد ومواثيق الفساد وجرائم الإقصاء وجحافل التزوير , التي ترى أن الحب في السياسة مجرد وهم . مجتازا لنقطة الاستحالة ومتخطيا متاريسها , ومنطلقا من الإخلاص ( في الحب بالديمومة ) كما يقول أحد مؤسسي الحزب الاشتراكي الموحد الفرنسي ألان باديو . في فقه الحياة . فميلاد المولود البديل الديمقراطي المغربي يتم على أساس : ( علاقة حب صادق يتجدد باستمرار, لأنه إجراء حقيقي قد مر بتجربة الاختلاف , ويبقى دائم الارتباط , ولأنه قضية ديمومة وبناء متواصل وابتكار شكل آخر لهذه الديمومة وضرورة المرور إلى الالتزام لأنه الحب الحقيقي الذي ينتصر على نحو مستديم )
وانطلاقا من ثلاثية : الحقيقة والحب والجمال . ألاحظ حقيقة جلية . أن قيادات أحزابنا فشلت في إشاعة حب النضال من أجل قضية حقيقية يعشق المناضل جمالها ومتعتها فيتشبث بها كمبادئ وقيم , وكلهم وأؤكد كلهم .فاشلون في الحب ولذلك لا ينجحون في السياسة , يقصرون المسافة بينها وبين حبها , بالكره وبالإقصاء وفتح جبهات العداء . ولذلك نرى أن أحزابنا بهذا الكره , أضاعت حقيقة النضال , النضال الصادق المسخر لخدمة الجماهير الشعبية , كما أضاعت حب الوطن وحب القضية , كما أضاعت جمالية الانتصار للرأي العام والمصلحة العامة والمتعة بما يبلغه المجتمع من رقي وتقدم وحرية وديمقراطية , وكانت النتيجة أن فقد المجتمع ثقته في السياسة والسياسيين – وما الأسئلة الراهنة المطروحة على الأحزاب , إلا دليل على أن سبب النفور والعزوف . إنما يعود في الأصل ’ لافتقادها لثلاثية الحقيقة والحب والجمال . فكل أشكال ممارساتها اليوم , ليست إلا ستارا يمارس بغباء شكلية أسلوبها الديمقراطي سواء المطبق أو المطلوب تطبيقه بنوع من القمع تحت راية الديمقراطية الداخلية . زيادة على أن لا أحد من هذه الأحزاب أو النخب يوافق الآخر . وهذا ما يعطي للأسئلة شرعيتها . هل في غياب الديمقراطية الحزبية أو في شكل تواجدها كحفنة ملح تذوب في ماء عكر تنتهي إلى لا شيء . يمكن أن تتوفر الممارسة بالحقيقة والحب والجمال . وتغري باستقطاب المتعطش للمساهمة في العمل الحزبي والسياسي ؟
إنه وبدون تعب الغوص في الأنظمة الداخلية – والتي لا تطبق ولا يحتاج إليها , إلا عند احتدام صراع ما – فإن ما يلاحظه الجميع . أنها أحزاب لا تسمو إلى مستوى الجماهير التي تجاوزتها بكثير , لأنها غير قادرة على متابعة واستيعاب وعيها , ما دامت منشغلة بصراعاتها الداخلية وتعاني من صعوبة حسم خلافاتها البادية للعيان
إذن والواقع على ما هو عليه . هل نستسلم ونردد ( هذا ما أعطى الله ) ويكون جوابنا للمتسائلين الراغبين في الممارسة الصادقة داخل حزب ما . أن يتأقلم مع واقع حزب قد يوصف بالوصف العامي ( الأعمش في دار العميان , كحل العيون ) أو نقنعه بحقيقة وجودنا كمغاربة من حقنا أن يكون لنا حزب يعيش على الحب والجمال كحقيقة وليس كوهم . فالحقيقة غذاء للعقل السياسي , والجمال غذاء للممارسة السياسية الطاهرة , والحب يجمعهما في علاقة طردية . وما دام الحب هو أساس الحياة السياسية , فهو الذي يدفعها للاستمرار ويدفعنا لنكون شحنتها الإيجابية التي تقف ضد كل شحنات المصالح الشخصية التي لم تنتج سوى كره السياسة والنفور منها . فلولا حقيقة حب الشعب الفلسطيني مثلا لأرض فلسطين لما استمرت فلسطين حية وقضيتها حية . ولولا حقيقة ما نطالب به وما يسمى قضيتنا , ما اجتمعنا على مطلب وجود حزب , شعاره الحب والسياسة . حزب يبلور بين أنظمته وقوانينه ومبادئه , هذه الروح التي تجعل السياسة حقيقة وحبا وجمالا
هذا الحزب المنشود , لا يولد من عدم , فهو منبثق من الشعب ومن أجل الشعب . يقوم باستمزاج رأي الجميع , الذي مارس السياسة وجربها ونفر منها , والذي يبحث عن فضاء طاهر نقي لممارستها في كل أنحاء الوطن لأن الوطن الموحد حقيقة , نحبه وندود عنه وهو غذاء لعقلنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي , مطلوب منه أن يوفر لنا مجال الممارسة السياسية بجمالية وعشق وإخلاص وصدق . ومن هذا الاستمزاج تصاغ الأفكار وتوثق المبادئ فلا تكون مفروضة ولا منزلة , لتبقى دستورا مرنا , من المنخرط وإليه , يعدل ويتجدد وفق التطورات ومسارات الحزب المتجددة , فإن كان كذلك حظي بحب الجميع وانخراط الجميع وصدق ممارسة الجميع . أي أننا لا نريد له قوانين ومبادئ مستنسخة , بل نابعة من الاهتمامات الجماعية
هذه ليست طوباوية ألصقها بحزب لم يؤسس رسميا , بل لأني أعرف كيف يبني نفسه ؟ كيف يستشير قواعده الآنية والمستقبلية ؟ كيف يحول الكره إلى حب وهو يتجاوز محنة المتاريس بصبر وإلحاح ؟ وإذا كان ما ينقصه حاليا , هو القدرة على التواصل المستمر , فلأنه فتي يحتاج لكثير من الإمكانيات التي تمكنه من أن يكون بديلا يبث روح ثلاثية الحقيقة والحب والجمال . وبأنه لا يكره الآخر , ولا يعتبر نفسه يقوم على أنقاض أي كان , وبأنه يدخل غمار الساحة السياسية الواسعة بأسلوبه الخاص المبني على سيادة حب الوطن وشعب هذا الوطن , وحب النضال الطاهر الخالي من أية كراهية , ويقدم نفسه بديلا ديمقراطيا , جسما حقيقيا ينبع من جمال الروح السائدة بأخلاقها وأدب نضالها وإيجابية التصاقها بالجماهير الشعبية التي هو منها وإليها . إنه حزب البديل الديمقراطي , الذي ضرب موعدا مع الحقيقة والحب والجمال في ممارسة السياسة الجميلة الصافية , وحدد لها تاريخ مؤتمره التأسيسي يوم 7 ماي 2017
فاس . محمد التهامي بنيس
25 – 2 – 2017
#محمد_التهامي_بنيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟