|
لماذا كانت الداروينية صدمة للعرب وللمسلمين؟
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5441 - 2017 / 2 / 23 - 22:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا كانت الداروينية صدمة للعرب والمسلمين؟ طلعت رضوان نظرًا لتغلغل الفكرالغيبى فى عقول العرب والمسلمين، كنتيجة طبيعية لتراثهم الذى كرّس للغيبيات، وكذلك لتأثرهم بقصة الخلق كما جاءتْ فى الديانة العبرية بشعبها الثلاث (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) بما فى ذلك (قصة خلق آدم وحواء) لذلك فعندما سمعوا عن نظرية دارون فى النشوء والارتقاء والانتخاب الطبيعى، شعروا وكأنّ صخرة خبطتْ رؤوسهم، وبمجرّد أنْ استردوا وعيهم انهالوا على النظرية وصاحبها بالهجوم البشع، الذى اعتمد على لغة الخطابة بمرجعيتها الدينية، دون لغة العقل والحوارالعلمى، أوحتى الحوارالعقلانى. فى وسط هذا الزخم (العاطفى) المُـعادى للغة العلم، ظهرمفكرون مصريون احتكموا إلى عقولهم، ورفضوا الانصياع للعاطفة، وشجـّـعهم على ذلك عدم خضوعهم للثوابت التى درسوها وقرأوها فى كتب التراث العربى/ الإسلامى، وكان من بين هؤلاء المثقفين المفكرالمصرى إسماعيل مظهرالذى درس علم الأحياء (بجانب اهتماماته الفكرية) لذلك بمجرد أنْ قرأ النسخة الإنجليزية لكتاب تشارلزدارون (أصل الأنواع) بادربترجمته، وصدرتْ الترجمة فى مصرعام 1918. ولم يكتف بذلك وإنما كتب أكثرمن دراسة دافع فيها عن نظرية التطور، وطالب المعترضين والمهاجمين من الإسلاميين باستخدام لغة العلم، بدلامن الأسلوب العربى المؤسس على الهجاء أوالمديح كما هو واضح فى الشعرالعربى. كما أنّ مظهرشجـّـع غيره على الكتابة فى نفس الموضوع وأفسح لهم صفحات (مجلة العصور) التى أصدرها عام1927. كان من بين الأصوليين الإسلاميين الذين هاجموا نظرية دارون، جمال الدين الإيرانى الشهيربالأفعانى، ومن بين ما كتبه فى هذا الشأن أنّ ((فى رأس القائلين بمذهب النشوء والارتقاء، وألــّـف فيه دارون كتابـًـا، فى بيان أنّ الإنسان كان قردًا، ثم عرض له بالتنقيح والتهذيب فى صورته بالتدريج على تتالى القرون، وبتأثيرمن العوامل الطبيعية الخارجية حتى ارتقتْ إلى برزخ (أوران أوتان) ثم ارتقى من تلك الصورة إلى مراتب الإنسانية)) (مجلة الجامعة- 15 سبتمبر 1906) ولم يكتف الأفغانى بهذا الكلام غيرالعلمى، وإنما بدأ يستخدم الأسلوب التهكمى والسخرية فأضاف أنّ ((دارون بزعمه هذا يمكن أنْ يصيرالبرغوث فيلا بمرورالزمن، وأنْ ينقلب الفيل برغوثــًـا)) فهذا المسكين (دارون) غارق فى الأوهام والخرافات عندما شبـّـه الإنسان بالقرد. ولكن مجلة الجامعة التى عرضتْ أفكارالأفغانى حول نظرية دارون، ردّتْ عليه وأوضحتْ الخطأ الذى وقع فيه وفى فهمه لنظرية التطوّر، وأنّ دارون لم يكتب أنّ الإنسان أصله قرد، فهذا غيرصحيح (والصواب أنّ دارون كتب أنّ القرد والإنسان من أصل واحد (أى من خلية واحدة ولها نفس الصفات) وأنّ الأفغانى كتب عن النظرية دون أنْ يقرأ كتاب دارون أوالمصادرالأصلية التى شرحتْ بأسلوب علمى نظرية الانتخاب الطبيعى. وبينما كان هذا هوموقف الأصولى الذى تنكــّـرلجنسيته الإيرانية، ونسب نفسه لأفغانستان كنوع من التملق للمذهب السنى الذى كانت تتبناه السلطة التركية، وبالتالى تنكــّـرلمذهبه الشيعى، فإنّ الأديب والمفكراللبنانى (يعقوب صروف) رأى أنّ أعظم أعمال دارون أنه ((منح الإنسان حريته العقلية، حتى صاريدرس الطبيعة حرًا غيرمُستعبد.. وبعد أنْ صدركتاب دارون كنا بعيدين عن درس الطبيعة وتأملها بعين العقل، لأنّ عقولنا كانت مقيدة بقيود التقاليد الدينية، وكنا نحسب كتب الدين كتبـًـا طبيعية تبحث نواميس الطبيعة. وقال الإمام الغزالى فى كتابه (تهافت الفلاسفة) عن بعض الأمورالفلكية إنّ ((هذه الأمورتقوم عليها براهين هندسية وحسابية، لاتبقى معها ريبة، فمن يطلع عليها ويتحقق من أدلتها؟ وإذا قيل له إنّ هذا على خلاف مع الشرع لم يسترب فيه، وإنما يستريب فى الشرع)) (مجلة المقتطف- ج2- المجلد رقم35- أغسطس1909- ص723- نقلا عن صابرنايل- العلمانية فى مصر- عام1997- ص127) ومع ملاحظة أنّ مجلة المقتطف أنشأها يعقوب صروف مع فارس نمرسنة1876فى لبنان ، ثم نقلاها إلى القاهرة سنة1885، واستمرّتْ حتى وفاة يعقوب صروف عام1927، وكان يُـرحـّـب بل ويـُـشجـع المفكرين (من الشباب) من ذوى الاتجاهات الليبرالية والعلمانية على النشرفى المجلة، وكان من الذين نشروا فيها كثيرًا إسماعيل أدهم. وفى الرد على انتقاد الآباء اليسوعيين لنظرية دارون، أكد شبلى شميل على ضرورة الفصل بين العلم والإيمان (بالدين) فمجال ونطاق واهتمام أحدهما يختلف عن الآخر. وبعد نشرالأب جرجس فرج صفيرالمارونى كتابه (أصل الإنسان والكائنات) ونفى فيه ارتقاء القرد مقام الإنسان ((وإنما أثبت لأمر أهم مثبوتــًـا فى ناموس الرجعية، وهوإمكان الإنسان أنْ ينحط أحيانــًـا إلى درجة القرد)) (نقلا عن صابرنايل- مصدرسابق- ص128) وأرجع شبلى شميل قول الأب جرجس إلى الخطأ فى فهم أصحاب دارون، حيث أنهم لم يقولوا أنّ القرد ارتقى حتى صارإنسانــًـا، وإنما قالوا إنّ القرد والإنسان وكافة الكائنات الحية من أصل واحد، مثلهم فى ذلك مثل الشجرة، فالأغصان مختلفة، ليس الواحد منها امتداد لآخر، ولكن يجمعهما أصل واحد ، ومع ذلك فخصوم نظرية دارون لايزالون يـُـردّدون هذا القول المبتذل ، وكأنهم يتعمّـدون عدم الفهم)) (المصدرالسابق- ص128) وذكرإسماعيل مظهرأنّ دارون كان كثيرالشك فيما يمكن أنْ يكون وراء هذه الحياة (من نعيم) بشـّـرتْ به الأديان، وأسّـس حكمه على شكوكه الكثيرة فيما يراه ((من ضروب التعاسة والشقاء)) ورأى سلامة موسى أنّ أهم إنجازفى نظرية دارون أنها نقلتْ مفهوم الانتخاب الطبيعى والتطور، من الكائنات الحية إلى الدراسات العديدة عن الأخلاق والأديان ((وفق نظرية التطور، وما كنا- لولادارون- أنْ نرى (هذا التطبيق فى مجال العلوم الإنسانية) لا انبسطتْ آمال البشرفى المستقبل ، ولا التغيرفى معنى الارتقاء البشرى.. كما أصبح التطورفنــًـا نمارسه ((حتى نتمكن من خلق سلالات جديدة من القطن والقمح والفاكهة)) (سلامة موسى- دارون والتفكيرالجديد- مجلة الكاتب المصرى- أكتوبر1947) وكان تعليق صابرنايل ((وهكذا لم تكن نظرية النشوء والارتقاء ، سوى طريق لإحداث رجـّـة فكرية فى المجتمع، يمكن من خلالها مناقشة أصل الكون، وسلامة موسى وإسماعيل مظهر(وغيرهما) لم يستخدموها إلاّ بهدف زعزعة سلطان الأفكارالقديمة على العقول، مستهدفين تحريرالعقل من آثارالماضى، وعندها يصبح أصل الحياة قابلا للمعرفة، ويكون العنصرالأول فى المعرفة حقيقة هادية يمكن اختيارها. ومما لاشك فيه فإنّ كافة المفاهيم التى تفسرلنا العالم، من خلال (الغيبيات) أوالتى تجعل هدف الحياة هوالعمل لليوم الآخر، سوف تتحطم كلها مفسحة الطريق إلى فكريبحث عن موضوعه فى قلب الواقع نفسه (مصدرسابق- ص129) وفى نفس الاتجاه سارشبلى شميل فكتب أنّ المحافظين على الأحوال المقرّرة هم أصحاب الروحانيات ، ومن توكأ على عصاهم من أصحاب السلطة، فيدعون أنّ الكون لايعتمد إلاّ بما هومّقرّرفى سياساتهم ودياناتهم وشرائعهم، ويستغربون لكل قول ضد ذلك ، على أنّ كل عصريتغير، والعالم يتقدم ولايتأخر، بل إنهم- أنفسهم- يتغيرون مع كل عصر، ويؤيدون ما قرّره (من تطور) ورغم ذلك يـُـصرون على ترديد مقولاتهم عن سياساتهم ودياناتهم، وأنهم لم يـُـغيـّـروا أفكارهم. ولأنّ الفكرالتنويرى اشتد عوده وتعدّد أنصاره، لذلك كتب عبدالقادرحمزة ((كيف أصبحنا آلات جامدة لاتكاد تتحرك إلاّبالدين وللدين، وكأنما لم يخلق الله لنا عقولا، وكأنما نحن مسخرون بلا إرادة ولا تمييز.. وهذا سببه هوما ورثناه من العصورالسالفة وتقليد أسلافنا ، دون فهم لمقتضيات التطور. وأنّ نشأة الدين كانت حاجزًا منيعـًـا ضد الكثيرمن المبادىء العلمية الثابتة لا لسبب غيرانتمائها لجانب الدين، والأمثلة على ذلك كثيرة)) (المقتطف- مارس1904) وذكرحمزة العديد من التناقضات بين العلم والدين فكتب ((فمنذ بضع سنوات انتشرفى بلادنا مرض الكوليرا، وذلك المرض أثبت الطب وأثبتتْ المشاهدات إثباتــًـا لامجال للشك فيه أنه من الأمراض المعدية، وأنه ينتقل من الشخص المريض إلى غيره بطريق العدوى. وما كدنا نسمع الأطباء يـُـعلمون الأمة وينصحون الناس باجتناب الاختلاط ، حتى أخذ منا البعض الريبة، وجعل جماعة منا يتساءلون فى الحديث القائل ((لاعدوى ولاطيرة فى الإسلام)) وآخرون يعترضون بالحديث القائل ((فـِـرْ من الأجذم فرارك من الأسد)) ففريق مكذبون وفريق مصدقون ليس إلاّ تشيعـًـا لأحد الحديثيْن، دون أنْ يكون للبحث العلمى قيمة تلقاء هذا التكذيب أوالتصديق. وحسبنا أنه وُجد فى المدينة الإسلامية نفرقالوا بلزوم العلوم الدنيوية للإنسان، لزوم الماء للنبات، فصاح آخرون يـُـرددون آية ((وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون)) (الذاريات/56) فكان تعليق عبدالقادرحمزة ((نحن الآن فى القرن العشرين، قرن العلم ومع ذلك تـُـستخرج الحقائق من بطون مؤلفات عتيقة أبلاها الدهر وأبلى أفكارقائليها، وتقليد السلف فى أفعالٍ إنْ هى ناسبتْ عصورهم، فمحال أنْ تناسب العصرالذى نحن فيه.. وأريد أنْ لايؤتى بكلمة الدين أمام العلم، ليقال أنّ آية أوحديثــًـا يـُـعارض معناها شيئــًـا من العلم)) (المقتطف- مارس1904) وكتب محمد توفيق صدقى أنّ الأحاديث (الدينية) فى كل أمة هى منشأ ضلالها وخصوصًـا ما كان منها مصبوغـًـا بصبعة الدين ، فتتاهفتْ الجماهيرعليها فتصاب هذه الأمة بمرض (الأحاديث) حتى صرنا مثلا فى الانحطاط بين الأمم، وأنه لولا الأحاديث لما سمعنا أنّ النبى (رأى النيل والفرات آتيين من فوق السماوات السبع، عند أنهارالجنة بالقرب من سدرة المنتهى) وكتب عبدالحميد حمدى أنه ليس من مصلحة الدين حشره فى كل شىء وتعريضه لأنْ يتصادم من وقت لآخرمع الأنظمة. إنّ الدين لايمكن أنْ يتعرّض للتفصيلات الخاصة بحياة الناس فى بيوتهم، ولافى الطرقات ولافى نـُـظمم أكلهم وشربهم.. وباختصارفى سبيل معيشتهم (جريدة السفور- 30يوليو1916) وهكذا انعكس مفهوم التطورمن العلوم الطبيعية، خاصة بعد نظرية دارون، إلى العلوم الإنسانية، فانتقلتْ إلى الفلسفة وعلم الاجتماع..إلخ. فكان ما حدث أحد أسباب كراهية الأصوليين لنظرية دارون. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لايتعلم الجبناء من شيوخ العظماء؟
-
لماذا يروج د. سعد الدين إبراهيم للمصالحة مع الإخوان؟
-
أبناء النوبة مصريون (ثقافيا) رغم أنف العروبيين
-
هل أصيح اسم وزارة الصحة (وزارة قتل المصريين)؟
-
أليست المادة الثانية فى الدستوركارثية؟
-
كم من جرائم ترتكب باسم العروبة ؟
-
مأساة اغتيال الخليفة عثمان إبداعيًا
-
أليس التحقيق مع نيتانياهو علامة على الديمفراطية؟
-
أليست مقولة (عجزالموارد) حجة البلداء؟ أ
-
أليست مقولة (عجزالموارد) حجة البلداء؟
-
لماذا لايقدم وزراء مصر للمحاكمة ؟
-
فشل النظام والفشل الكلوى
-
الداروينية فى مصرمنذ أوائل القرن العشرين
-
هل كرسى الوزارة أهم من احترام الذات ؟
-
هل المغربى يقبل سيادة التركى ؟
-
كيف مزج شعبنا بين إيزيس/ مريم/ زينب
-
صابر نايل وكتابه عن العلمانية فى مصر
-
الأحاديث التى قننت الغزو
-
ماذا بعد هدوء العاصفة ؟
-
القضاء المصرى وصفعته القوية على وجه النظام
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|