|
تردي الخطاب السياسي يضر بالمصالح العليا للوطن
محمد إنفي
الحوار المتمدن-العدد: 5440 - 2017 / 2 / 22 - 14:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تردي الخطاب السياسي يضر بالمصالح العليا للوطن محمد إنفي تبقى مقولة "الأسلوب هو الرجل" من المقولات التي يؤكد الواقع صحتها ووجاهتها ويزكي منطوقها؛ وهو ما يعني أن أسلوب الشخص (أي لغته وخطابه وتوابعهما) يدل عليه ويعكس شخصيته؛ كما أنه يدل على مستواه الثقافي والفكري والمعرفي وحتى الأخلاقي والسلوكي، إن سموا أو انحطاطا. وإذا ما أردنا أن نأخذ، من واقعنا السياسي، مثالا أو أمثلة عن النموذج المنحط، فسوف لن نجد أفضل من عهد بنكيران الذي وصل الخطاب السياسي فيه إلى مستوى من الإسفاف والانحطاط ، يبعث على القرف والغثيان. ولا أقصد، هنا، خطاب الانكشارية والمليشيات الإليكترونية التي تُوظَّف في الهجوم على الخصوم السياسيين والتي تبيح لنفسها استعمال كل الأساليب القذرة في حقهم؛ بل أقصد "الزعماء" الذين يركبون صهوة اللغة السوقية وينهلون من قاموس الرداءة والضحالة في خطابهم السياسي. وأكاد أجزم أننا نعيش مع بنكيران وضعا من التردي في الخطاب السياسي غير مسبوق، رغم أن بلادنا عرفت العديد من السياسيين الرديئين من أمثال محمد زيان (المعرف بشطحاته البائسة ولغته السوقية) ومن شاكله من كراكيز عالم السياسة، منهم من قضى ومنهم من لا يزال على قيد الحياة. ويكفي المرء أن يشاهد شريط فيديو تركيبي، يتبادل فيه بنكيران وشباط الشتم والقذف والتجريح وكل أصناف الكلام الساقط، لكي يحكم على أصحاب هذا الكلام بسوء الأخلاق وقصر النظر وضعف التكوين ومحدودية التفكير وعدم القدرة على التحليل، وغير ذلك من مظاهر العجز والتخلف الفكري والانحطاط السلوكي. وما تماثلية وتناظرية خطاب الرجلين إلا دليلا على أنهما من طينة واحدة وأنهما يمتحان من نفس المنبع وتحكمهما نفس العقلية. وهو ما يبرر، أيضا، الانقلاب في المواقف، حين تلتقي المصالح: فـ"هبيل فاس" سوف يصبح، في نظر بنكيران، مثالا للرجولة، و"اللص الكبير" سوف يصبح، في نظر شباط، مثالا للثقة والأمانة. وبما أن الأمر يتعلق ليس بمواطنين عاديين، بل بأناس يفترض فيهم أنهم رجال دولة، فإن الأمر يكتسي خطورة مزدوجة؛ ذلك أن زعماء الأحزاب السياسية، يفترض فيهم ، من جهة، أنهم يساهمون في تأطير المواطنين (فأي تأطير يمكن أن يتلقاه المواطن من محترفي خطاب الرداءة والضحالة؟) ؛ ومن جهة أخرى، أنهم حاملون لمشروع مجتمعي ويتنافسون على تدبير شؤون البلاد والعباد، طبقا لبرنامج محدد وبناء على توجه سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي ورياضي... معين. وبمعنى آخر، فإن كل زعيم حزبي يعتبر مشروعا لرئيس حكومة؛ أي أنه يتحتم عليه أن يثبت أنه مؤهل لشغل المنصب الثاني في هرم الدولة. ويقدم شباط وبنكيران أسوأ صورة عن رجل السياسة وعن الخطاب السياسي. وليس من الصدفة في شيء أن يتسبب تهورهما في إحداث أزمات دبلوماسية، بلادنا في غنى عنها. فغياب الحكمة والتبصر وطغيان الأنا والسعي الحثيث إلى إثبات الذات بأية طريقة، يفقدهما التحكم في عواطفهما ويجعلهما يطلقان الكلام على عواهنه (أو استجابة لرغبات وحسابات ذاتية) دون الاكتراث بعواقب ذلك على مصالح البلاد الإستراتيجية. لقد سبق لشباط أن تسبب في أزمة دبلوماسية مع الجارة موريتانيا، كادت أن تعصف بكل ما تم بناؤه بأناة وصبر وتبصر على مستوى العلاقات الثنائية. ولولا التدخل العاجل للملك لتطويق الأزمة، لكان تهور شباط قد قدم خدمة مجانية لأعداء الوحدة الترابية ( بسبب إتاحة الفرصة لهم من أجل استعداء موريتانيا على بلادنا)، في ظرف سياسي حساس جدا بالنسبة لقضيتنا الوطنية ووضعنا في القارة الأفريقية. أما تهور بنكيران فقد فاق كل الحدود؛ وهو أخطر من تهور شباط؛ ذلك أنه ليس أمينا عاما لحزبه فقط؛ بل هو رئيس الحكومة المغربية (التي فشل في تشكيلها إلى حد الآن). وما تصريحه الأخير حول الزيارة الملكية لبعض الدول الأفريقية إلا دليلا أخر على أنه ليس أهلا بالموقع الذي يحتله في هرم الدولة. فقد أساء بتصريحه إلى الشعوب الأفريقية وإلى دولها حين اعتبر المجهود الدبلوماسي الملكي القائم على رؤية رابح/رابح والمندرج في إطار التعاون جنوب/ جنوب، مجرد عمل لتنفيس كربات الشعوب الأفريقية، بينما يعيش الشعب المغربي الإهانة. ودون الحديث عن زلاته السابقة والتي كادت أن تعصف بالمجهود الدبلوماسي الوطني (روسيا نموذجا)، أشير إلى أن تصريحه الأخير قد قدم هدية لا تقدر بثمن للبوليساريو ولكل أعداء الوحدة الترابية ومناهضي المصالح الوطنية المغربية. فقوله: "لا يمكن أن يذهب الملك إلى تفريج كربات بعض الشعوب الأفريقية (...) بينما الشعب المغربي يعيش الإهانة"، لا يسيء فيه فقط للشعوب الأفريقية؛ بل يسيء أيضا لسياسة الملك الأفريقية، التي لقيت ترحيبا أفريقيا (وحتى دوليا) واسعا لما تفتحه من آفاق واعدة وما تحمله من رؤى إستراتيجية واضحة. ولتقدير خطورة تصريح بنكيران، أشير إلى الاحتفاء الذي قوبل به من قبل وسائل إعلام جبهة البوليساريو الانفصالية من أجل الطعن في الوحدة الترابية والعمل على إضعاف حضور المغرب في القارة الأفريقية. وقد روجت البوليساريو بشكل واسع مقطع الفيديو الذي يوثق للخرجة الأخيرة لبنكيران؛ مما يدل على قيمة الهدية التي قدمها لدعاة الانفصال على طابق من ذهب. ولا يستقيم أن نتحدث عن شباط وبنكيران دون أن نتحدث عن الأستاذ إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؛ ذلك أن الرجل قد تعرض لكثير من الظلم من قبل المتحاملين على الاتحاد لاشتراكي وعلى كاتبه الأول شخصيا، حين يصرون على وضعه في نفس السلة مع شباط (أتحدث عن شباط وليس عن حزب الاستقلال) ومع بنكيران؛ بل منهم من يحتفي بأسلوب بنكيران، بينما يتهجم على لشكر ويتهمه بالشعبوية ويكيل له شتى أنواع التهم. وفي هذا تنكر للموضوعية والنزاهة الفكرية؛ ذلك أن تحاليل الأستاذ إدريس لشكر هي تحاليل سياسية بامتياز لكونها تمتح من أدبيات الحزب ومرجعيته؛ ولا علاقة لها لا بأسلوب شباط ولا أسلوب بنكيران. لقد حاول بنكيرن غير ما مرة استفزاز الأستاذ إدريس لشكر، إن تلميحا أو تصريحا، من أجل جره إلى أسلوبه وطريقته في الخصومة السياسة؛ إلا أن لشكر لم يسقط في الاستفزاز ولم يساير بنكيران في أسلوبه. وكيف لا وهو ابن المدرسة الاتحادية، والذي تدرج في صفوفها من الشبيبة (القطاع التلاميذي) إلى التنظيمات المحلية فالوطنية فالمكتب السياسي فالكتابة الأولى. وبالتالي، لا بد أن يتميز عن بنكيران وعن شباط، فكرا وممارسة. وقد بينت الوقائع هذا التمايز وهذا التباين. ومن باب التمايز، وبهذا أختم هذه السطور، أشير إلى أنه في الوقت الذي كان فيه بنكيران يقدم، بتصريحه الأرعن، هديته أو هداياه لدعاة الانفصال، كان الاتحاد الاشتراكي بقيادة إدريس لشكر يستضيف رؤساء الأحزاب الاشتراكية الأفريقية من أجل دعم قضايا المغرب ذات الأولوية وضمنها قضية الصحراء المغربية. وقد تمت هذه الاستضافة في إطار ندوة دولية، عقدت بمجلس النواب يومي 16 و17 فبراير الجاري، وخصصت لبحث رهانات التنمية والأمن والتعاون في دول إفريقيا الغربية.
#محمد_إنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حديث إدريس لشكر أَفْجَعَ وأَوْجَعَ/ وأَقْنَعَ !!!
-
لسان -مول البونج- ولسان مدير موقع -بديل-، أيهما الأطول؟
-
على هامش صدور كتاب -كذلك كان-: ألا يستحق هذا الكتاب أن يجد م
...
-
انتخاب المالكي رئيسا لمجلس النواب يحرك المياه الراكدة وينعش-
...
-
لكل الحاقدين والناقمين و و... على الاتحاد الاشتراكي، أقول:-م
...
-
على هامش توقف المشاورات الحكومية: -بنكيران- ليس أهلا للموقع
...
-
المدرسة المغربية للإبداع السياسي والفكري: الاتحاد الاشتراكي
...
-
التعددبة الحزبية بالمغرب بين خطيئة النشأة وشرعية الواقع
-
أليس للجحود حدود ؟؟!!!
-
ألهذا الحد يمكن للأنا أن تَعْتَلَّ وتَخْبُث؟
-
تأملات في الواقع الحزبي والسياق السياسي الحالي
-
-محمد الناجي والدرجة الصفر في التحليل-: كبوة جواد أم تجلِّي
...
-
في ديمقراطيتنا، شيء ما غير طبيعي وغير منطقي: قراءة في نتائج
...
-
على هامش استحقاق 7 أكتوبر: قراءة في نسبة المشاركة
-
الاتحاد ليس دكانا انتخابيا
-
يمهل ولا يهمل ! فاللهم لا شماتة !
-
في أفق استحقاق 7 أكتوبر: حتى لا ننسى وحتى لا نخطئ الهدف
-
العزوف والمقاطعة والرشوة الانتخابية
-
وأخيرا، بنكيران يدخل عالم المصطلحات السياسية!!
-
في رئاسة الحكومة، لن يكون هناك أسوأ من بنكيران!!!
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|