|
أيها المسؤولون.. رفقا بإعلامنا المحلي؟
التجاني بولعوالي
مفكر وباحث
(Tijani Boulaouali)
الحوار المتمدن-العدد: 5436 - 2017 / 2 / 18 - 22:28
المحور:
الصحافة والاعلام
يظهر أن إعلامنا المحلي يتعرض اليوم إلى هجمة شرسة وتهميش مخطط من بعض الجهات المسؤولة، التي ما انفكت تحرم بعض المنابر الفاعلة من حق التغطية الإعلامية، ومن ثم حق المواطنين المشروع في متابعة الشأن المحلي. وهذا ما يتعارض مع قيم حقوق الإنسان الدولية من جهة، ويتنافى مع الثوابت الديمقراطية الوطنية من جهة أخرى. لذلك وجب توجيه هذا التذكير من جديد إلى الجهات المعنية والمسؤولة، حتى تعيد النظر في قراراتها الجائرة، وتدرك أنه من خلال التغطية الإعلامية يتسنى للمواطنين متابعة أشغال المجالس المنتخبة التي اختاروها بأصواتهم وأيديهم، وأن ما ترتكبه من انتهاكات وتجاوزات يعتبر انقلابا على الوعود الانتخابية التي قطعتها على نفسها، بل وإساءة مهينة للدستور المغربي الذي استفتي فيه الشعب؛ وهذا هو الأفظع! ***** قبل بضعة أعوام مضت كنا نحلم بمنبر إعلامي متواضع، يخبرنا بآخر المستجدات التي تشهدها منطقتنا، ويمنحنا فسحة للتعبير والتأمل وتبادل وجهات النظر. كانت يومها منتديات بعض الهواة ملاذنا اليتيم وقلعتنا الإعلامية الوحيدة، إذا ما تم استثناء بعض المواقع الرقمية من خارج المنطقة التي كان يشكل فضاؤنا رافدا أساسيا لها؛ خبرا وإعلانا ومتابعة. أما اليوم فيمكن الحديث عن حراك إعلامي رقمي مشهود في المنطقة (الريف) يتجلى من خلال مختلف المواقع الإخبارية والإشهارية والتوعوية والمنتديات التواصلية والتفاعلية. ولعل ذلك من شأنه أن يخدم التراكم الإعلامي والمعرفي الذي يسبق دوما الاشتغال التقييمي والنقدي قصد التمييز بين الغث والسمين، بين الجيد والردئ وبين البناء والهدام. كنت دوما ولا زلت أشدد على الإعلام التنموي، حيث من حق بل ومن واجب الإعلامي أن ينخرط في مسلسل التنمية المحلية والجهوية والوطنية رغم حيف بعض المسؤولين ومعارضتهم الفولاذية لأي إعلام مستقل يرفض الأدلجة، وينفلت من إسار الحزبية والتسييس، فالمواثيق والقوانين الدولية تحفظ حقوق الإعلامي والصحافي في عمله وتنقلاته ومشاركاته، ولا تقبل أي مساومة تستهدف نزاهة الإعلام وكرامة الإعلامي. ولعله يمكن الآن الحديث عن ملامح إعلام (إلكتروني) محلي تمثله مواقع إخبارية مقدامة، تمكنت في زمن قياسي من أن تصنع من اللا شيء أشياء متنوعة ورائعة، فحضرت منطقتنا في المشهد الثقافي الوطني والدولي، رغم التهميش التاريخي والواقعي الذي مورس عليها طوال أكثر من نصف قرن من الزمن، وفُسح المجال لشتى الطاقات والكفاءات الفكرية والفنية والإعلامية والرياضية للتعبير عن مواهبها المتميزة والقيمة، وأُشركت المرأة في الحياة العامة من خلال مساهمتها المعتبرة في المجتمع المدني والتربية والصناعة التقليدية. ولم يكن إعلامنا المحلي هذه المرة غائبا أو متهاونا، بل تفانى في أن ينقل الحدث من عين المكان، واجتهد (نسبيا) في أن يستعمل خطابا موضوعيا يفهمه المثقف وغير المثقف، المتعلم والأمي؛ فإذا كان المواطن المثقف أو المتعلم يدرك ما تقوله لغة الحروف والإشارات، فإن المواطن غير المثقف أو الأمي يخاطبه هذا الإعلام بلغة الصور والحركة التي يفهم أبجدياتها. وهكذا يساهم إعلامنا في تنمية الإنسان عن طريق إخباره وتوعيته وتحفيزه على التدبر والتفاعل وأحيانا الاحتجاج، وهذا ما لم يتنبه إليه الكثيرون ممن يختزلون التنمية فيما هو مادي! لذلك ينبغي أن نثبت هنا ونعترف بأن إعلامنا المحلي على ندرة موارده التمويلية أو انعدامها تمكن من أن يكون مشاركا فعالا في مسار التنمية بلا ميزانية أو اعتمادات مالية، في حين فشلت العديد من الجهات في أن تخدم التنمية رغم الدعم المادي واللوجيستيكي الهائل الذي تتلقاه من الوزارات والوكالات والبنوك الوطنية والدولية. لا ينبغي لرجل السلطة والمسؤول والسياسي في منطقتنا أن يتخوفوا من الإعلام المحلي، بقدر ما يجب عليهم أن يثمنوا هذه التجارب الفتية الصاعدة، ويشدوا على أيدي صانعيها من الشباب الفقير والعاطل، الذي رغم أنه لا يملك قوت يومه، فإنه يملك القلم والكلمة والحكمة التي قد تصنع المستحيل والأعاجيب، لا سيما وأن هذا المولود الإعلامي لم يأت من الخارج، ولم ينشأ من الفراغ، فهو انعكاس للبيئة التي تحضنه ولظروفها التاريخية والسوسيو- ثقافية والسياسية والاقتصادية، لذلك فإن الخطاب الذي يحمله يجب أن يُفكك ويُفهم في سياقه، لا أن يرفض ويقبر في مهده بدعوى أنه يثير الفوضى، أو يهدد السلم الاجتماعي، أو ينغص طمأنينة أصحاب السعادة والفخامة من المسؤولين والنواب والمستشارين! يتوجب إذن أن يدرك هؤلاء كلهم أنه عندما تتعارض وجهة نظرهم وتحليلات الإعلام، فهذا لا يعني بالضرورة أن هذا الإعلام أو صُنّاعُه ضدهم، بقدر ما يعني ذلك أن ثمة خللا ما في فهم الواقع أو تدبيره، لذلك لا ينبغي للمسؤول أن يعلق خيباته السياسية أو أهواءه الإيديولوجية على مشجب الإعلام، وإنما يتحتم عليه أن يبحث عن المشكلة أولا في ذاته، ومن ثم في طبيعة أدائه السياسي أو الإداري أو القيادي. من هذا المنطلق، إن الإعلام الجاد يقدم خدمة ثمينة لكل مسوؤل، لو أنه عرف كيف يستثمرها في الارتقاء بأدائه وتوجيه مساره وتصحيح هفواته ليتمكن من تجاوز شتى الاختلالات التي تشهدها جماعته أو بلديته أو مؤسسته، غير أن أغلب المسؤولين يغيب لديهم هذا البعد الإدراكي الذي تحجبه أدخنة المصالح والصفقات. هذه الخواطر الارتجالية أردت من خلالها تنبيه الرأيين العام والخاص إلى أهمية الإعلام المحلي الصاعد في منطقتنا، والدور الكبير الذي قد يؤديه في التنمية المعرفية والثقافية، لذلك لا ينبغي النظر إليه باعتباره يشكل خطرا معينا على المجتمع، وإنما على أنه يقدم خدمة جليلة من خلال توعية المواطنين وتنويرهم في زمن تراجع فيه قراءة الجرائد والكتب القهقرى، ومن خلال التدليل على مكامن الخلل والفساد والانحراف في الواقع، وهي في الحقيقة مهمة تؤدى مقابل الملايين في الدول المتقدمة. على هذا الأساس، فإن السياق أصبح يقتضي الانفتاح على هذه التجارب الإعلامية، ليس بهدف احتوائها أو أدلجتها، وإنما بهدف الرقي بها أكثر، فهي صوت المنطقة المسموع في الداخل والخارج، والمرآة التي تعكس صورة الواقع الحقيقية لدى الداني والقاصي، ولا يمكن الحفاظ على هذا الصوت من الانقطاع، وعلى هذه المرآة من الانشراخ إلا بدعم الكفاءات التي تحرق ربيع عمرها من أجل إضاءة درب الآخرين. والدعم هنا ليس صدقة تطوعية تعطى للمحتاج، وإنما حق ضروري ومؤكد يجب أن يضمن بالقانون، ليس للإعلاميين المحترفين ذوي الشواهد العليا المعتمدة، ولا للإعلاميين المبتذلين المدعومين من قبل جهات حزبية وسياسية معينة، وإنما لتلك الفئة الإعلامية الكادحة التي تعمل بجد وكد في الخفاء، وهي تتعفف عن السؤال ومد اليد، لذلك فهي الأولى بدعم الدولة والمجالس الجماعية والبلدية والجهوية والمؤسسات المالية والبنكية والقطاع الخاص.
#التجاني_بولعوالي (هاشتاغ)
Tijani_Boulaouali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
درس -داعشي- عارم يبعثر أوراق الغرب بخصوص ظاهرة الإرهاب
-
نحو مقاربة أخلاقية لظاهرة إهدار الغذاء
-
مغاربة هولندا يعززون حضورهم في البرلمان الهولندي
-
الحكومة المغربية بين غموض الأداء ومنطق الإرضاء
-
حلقة دراسية حول سبل معالجة الصور النمطية
-
السيناريو السوسيو – اقتصادي هو الحل
-
الدسترة الجزئية والمشروطة للغة الأمازيغية
-
الحركة الاحتجاجية بالمغرب ورهانات التعديل الدستوري
-
إطلاق الجائزة الأدبية في صنفي الشعر العربي الفصيح والأمازيغي
...
-
أي موقع للمهاجر المغربي في مشروع الجهوية الموسعة؟
-
سقوط آل القذافي.. واسترداد الحلم الليبي المغتال
-
خيوط لفهم معادلة الثورة المصرية وسيناريو المرحلة القادمة
-
الدرس التونسي والامتحان المصري
-
محددات العلاقات المغربية الإسبانية وتحدياتها
-
العرب ومسألة القراءة!
-
إعلان أُنفيرس حول مكانة الإسلام في أوروبا الجديدة
-
أزمة الحكومة أم حكومة الأزمة في هولندا؟
-
مغاربة هولندا وسلاح الاندماج الرياضي
-
مدونة الأسرة وصعوبة تطبيقها على الجالية المغربية
-
الجهوية الموسعة ودور الجالية المغربية بالخارج
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|