بودريس درهمان
الحوار المتمدن-العدد: 5436 - 2017 / 2 / 18 - 15:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ حوالي نصف قرن من الزمن عملت السلفيات الفكرية و الأيديولوجية بكل تلوينها على العودة الى العمل بأحد ثوابت التأسيس الأولى التي تعود الى العصر الامبراطوري المرابطي و العصر الامبراطوري الموحدي و أنتجت هذه العودة التجريبية فظاعات على مستوى القيمة الحضارية للمملكة المغربية في علاقتها بباقي الدول.
المفكر المغربي المتنكر لهويته الامازيغية المغربية المرحوم محمد عابد الجابري حدد بنية العقل العربي في ثلاث ثوابت و هذه الثوابت هي كالتالي: القبيلة، الغنيمة و العقيدة.
هذا الترتيب الذي حدد به محمد عابد الجابري بنية العقل السياسي العربي هو ترتيب يحترم معيار الأولوية فالقبيلة في العقل السياسي العربي هي أولى من الغنيمة و الغنيمة هي أولى من العقيدة.
ثوابت الجابري هذه المحددة لبنية العقل السياسي العربي هي ثوابت تخص هذا العقل أي العقل السياسي العربي و لا تعني في أي شيء العقل السياسي الوطني المغربي الذي لديه ثوابت و خصائص يحددها التاريخ الخاص للدولة المغربية و للموكنات الهوياتية للامة المغربية عبر كل العصور.
السلفيون في معاكستهم لتيار الحداثة العربية التي يشكل محمد عابد الجابري أحد أقطابها قاموا بمحاولة إعادة البناء على أسس ثوابت العقل السياسي العربي المعكوس حيث اعتمدوا فقط على العقيدة و تركوا القبيلة و الغنيمة معتقدين بأن العقيدة ستأتي بالغنيمة و ستقوي الغنيمة من عضد القبيلة.
خمسون سنة على الأقل من العمل الاجرائي المباشر في كل انحاء المعمور و بميزانيات ضخمة و هائلة من أجل إعادة عملية التأسيس وفق ثابت التأسيس الذي رتبه محمد عابد الجابري المرتبة الثالثة و النتيجة نكسة حضارية و فوضى خربت الأوطان.
أما اليوم فمن المؤكد أن كل المحللين و المؤرخين قاموا بعملية التمحيص لكل عوامل التأسيس و من المؤكد أن نتيجة هذا التمحيص فرضت على المملكة المغربية العودة الى الأصل الافريقي.
الأصل الافريقي هو أصل و هو معطى مادي يشكل كنه السلالات الحاكمة في المملكة المغربية و في شمال افريقيا و اذا كانت الجمهورية الجزائرية خلال نصف القرن الأخير قد وظفت الأيديولوجيا على حساب التاريخ، فان المملكة المغربية على العكس تغلب التاريخ على الأيديولوجيا.
و لمن يريد أن يعرف و يتأكد من مآل من يوظفون الأيديولوجيا على حساب التاريخ ما عليه الا إعادة قراءة تاريخ منطقة البلقان التي رسم معالمها الراحل جوزيف بروز تيتو الذي بمجرد ما راح راحت معه ايديولوجيته.
ثابت ثوابت التأسيس الذي تم تجريبه و أنتج المأساة تعامل معه مؤسس الدولة المرابطية ابن ياسين خلال مرحلة التأسيس الامبراطوري الأولى بكل مرونة و حنكة في حين لم يتعامل معه مؤسس الدولة الموحدية ابن تومرت بنفس المرونة و الحنكة حيث بالغ فيه وكانت هذه المبالغة جزء من اللاثبات المحايث لعوامل التأسيس.
#بودريس_درهمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟