|
المبدع العربي بين التجاهل والتهميش
ماجدولين الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 1431 - 2006 / 1 / 15 - 11:12
المحور:
الصحافة والاعلام
بدأ العالم العربي باستخدام الإنترنت والتقنية الرقمية بخطى خجولة في وقت مازالت فيه هموم المواطن منصبة في البحث عن كرامته ولقمة عيشه وهويته . يخوض دفاعاً مستميتاً مفروض عليه عن هذه الحرية المسبية بأيدي استعمار خارجي أو دكتاتوريات داخلية حاولت التعتيم قدر المستطاع على أفكار المواطن العربي وإبقائه في مجال ظلمة التخلف، إيمانا من هذه القوى المستبدة بان تسرب العلم إلى مواطنيها سيفتح عيونهم على حقيقة ظلمهم واستبدادهم، لكن خيوط الشمس بدأت تتسلل الى ظلمة الواقع، وهذا أمر محتوم لابد منه . بالرغم من جميع الظروف فقد ناضل مثقفوا العالم العربي وطوروا أنفسهم، متسلحين بالعلم والمعرفة التي انتزعوها من قلب الحصار والعتمة المفروضة عليهم ، واثبتوا للعالم الغربي أنهم ليسوا أقل منهم، لا بل أكثر عبقرية وذكاء نظراً لاختلاف الظروف . من هنا من قلب هذا الواقع القاسي برز أدباء أعلام أناروا بعلمهم وأدبهم تاريخ هذه الأمة المبتلية أمثال الأديب العربي نجيب محفوظ ، الحائز على جائزة نوبل في الآداب، إضافة الى أدباء كبار أمثال حنا مينة ، وتجارب آخرين أمثال ابن جلون والطاهر وطار ومحمد شكري والروائي عبد الرحمن منيف، وغيرهم في وقت لم تكن تتوفر لديهم الإمكانيات اللازمة لإبداعهم، كما كان يملكها الغرب ولكنهم استطاعوا إثبات وجودهم ووضع بصماتهم على تاريخ الأدب العربي والعالمي ،وهذه ميزة تحسب لهم بموازاة أدباء الغرب . إن أدباء مثل أدونيس وادوارد الخراط ومحمود درويش وادوارد سعيد وغيرهم الكثير، ليسوا أقل من الكتاب والأدباء الغربيين، بل يتفوقون عليهم في الكثير الكثير، وبعضهم مرشح لجائزة نوبل منذ سنوات ولكن الظروف السياسية بما فيها من حصار سياسي مفروض على مبدعي الأمة العربية من الخارج والداخل ، يمنع هؤلاء الأدباء المتفوقين على غيرهم من كتاب الغرب باعتراف هؤلاء الكتاب من الحصول على نوبل. نحن الآن على أعتاب مرحلة أخرى نخطو باتجاهها بخطوات وئيدة متعثرة لكنها تتضمن اصراراً على المتابعة نقول متعثرة، وذلك عائد لغياب الإمكانيات الكبيرة يضاف إليها أسباب أخرى بالطبع ناجمة عن السياسات الفاشلة التي تحجم من طموح المواطن وتقتل أحلامه . فالتقنية الرقمية في الوطن العربي وبعد مدة من استخدامها، مازالت قاصرة وضعيفة، ولاتستطيع منافسة الغرب المتفوق والمتقدم عنا سنوات وسنوات، ليس لأن تفكيرهم أفضل، وليس لأنهم بشر من كوكب آخر، لكن مايميزهم هو أنهم شعوب متحررة تجاوزت منذ زمن طويل هموم البحث عن لقمة عيشها، وتفرغت لبناء الانسان وتطوير أفكاره، وترصد جميع الإمكانيات لخدمة العلم والعلماء بعيدا عن بيروقراطية الحكومات والتنازع السياسي والبحث عن المناصب . برغم هذه الظروف الشاذة فقد ثابر الأدباء والمفكرين والباحثين العرب على السعي لتطوير تلك التقنيات بما هو متوفر لديها من وسائل لم ترقى إلى مستوى الوسائل المتاحة للغرب، مع ذلك أصبح لدينا مبدعون حقيقون قادرون على العطاء تحدوهم الرغبة والإصرار، لكن عطاءهم محصور في دوائر من الشد والجذب تحد من نشاطهم وتعرقل إنتاجهم.. فمثقفونا يعانون من قيود الوظيفة ،وعدم التفرغ وفقدان الرعاية، والمحفزات إضافة لضغوط المجتمع وجهله ومحاربة العامة والخاصة لهم، وعدم تشجيعهم كما يحصل مع الروائي العربي الشاب الدكتور محمد سنا جلة الذي كانت له الريادة في عالم الرواية العربية الرقمية ، والذي رغم كل هذه الظروف المحبطة فقد كانت روايته الأولى "ظلال الواحد" تجربة لم تتوفر لها جميع الشروط ، ولكنها بالإضافة لكونها عمل رقمي ترابطي أول له، وتعتبر ريادة حقيقية في الأدب العربي، فقد تميزت بحملها هما فهي تحكي سيرة مغلفة بإبداع كاتبها ومعاناته ، لكنها لم تشتهر ولم يكتب لها النجاح بسبب ضيق الشريحة التي تستخدم التقنية الرقمية في القراءة والمطالعة، وتجاهل النقاد والكتاب العرب لها، لكن الأديب سنا جلة تمكن من سد الفجوات والثغرات التي ظهرت في روايته الأولى "ظلال الواحد" ليقوم بإصدار روايته الثانية "شات" وهي رواية واقعية رقمية قمة في الإبداع من حيث الشكل العام والتقنيات المستخدمة ، والأدوات فقد استخدم برنامج" الفلاش ماكرو ميديا" وهو من أحدث التقنيات الحديثة في عالم البرمجة ، والذي بدا الغرب باستخدامه حديثا ، وقد قرأها العديد من المثقفين من الكتاب والصحفيين الأجانب وأبدوا إعجابهم معبرين عن تفوقها تقنيا وفنيا أمام كل ما صدر من روايات رقمية في العالم الغربي، مع وجود جامعات ومؤسسات ضخمة تقف خلف الروائيين الغربيين وتدعمهم، فإن محمد سنا جلة وقف وحيداً يفتقد دعم أية جهة كانت بل على العكس فبدلاً من أن يلاقي هذا الروائي العربي الشاب الدعم والمؤازرة تعرض للهجوم والنقد ومحاولة تقزيمه ، وتهميشه من قبل العديد من النقاد والكتاب العرب!! فالمبدع العربي عدا عن أنه لايلقى الرعاية والدعم الكافي من حكومته ليطور أفكاره ويبرز عبقريته فيما يخدم العلم والتطور ، في الوقت الذي يجند الغرب لعلمائه كل الإمكانيات المادية والمعنوية، فقد ظهر أول نص غربي من نوع الرواية التفاعلية او التي تستخدم تقنية الهايبرتكست في المتن السردي بعد ان كرست له مؤسسات ضخمة كل الإمكانيات فقد رعت جامعة ييل الأمريكية الكاتب الرقمي مايكل جويس وقدمت له كل الإمكانيات والرعاية المادية والمعنوية حتى ظهر نصه( قصة /ظهيرة) الى النور كأول نص رقمي غربي يستخدم تقنية الهايبرتكست ، وقامت مختبرات الجامعة وعلمائها باختراع برنامج اسمه المسرد ليستخدمه في الكتابة الروائية ،واهتم به المجتمع الغربي واهتمت جميع وسائل الإعلام بالحديث عنه كنص إبداعي جديد ومختلف، وظهرت بعده العديد من الروايات الغربية التفاعلية والتي وقفت خلف أصحابها مؤسسات وجامعات ومختبرات ودور بحث ونقاد . والسؤال من يقف خلف محمد سناجلة، اليس يقف وحيدا بل ومحاربا مطلوبا رأسه؟ ألا يدعو هذا للسخرية والحزن والألم ؟!! أنا لا أعرف محمد سناجلة ،ولم أقابله شخصيا في يوم من الأيام ، ولكن ما ألاحظه من هجوم على كاتب يحاول أن يأخذ الرواية العربية نحو طريق أخرى، هو ما يدفعني لقول كلمة حق في زمن اصبحت فيها كلمة الحق مقتلا وعيبا. والأمر الذي حرضني على كتابة هذا المقال قراءة مقال الدكتورة فاطمة البريكي التي تغنت من خلال مقالتها بالغرب كثيرا لجهة تفوقهم الأدبي والعلمي، وأظهرت جميع الأدباء العرب في العالم الورقي والرقمي وكأنهم قاصرون عن الإداء كما وصفت المتلقي العربي بالسطحية وعدم تفهم مايقرأه . ونسيت الدكتورة البريكي أن تنظر بعين الإنصاف الى الظروف المحبطة سياسياً .رسمياً .. اجتماعياً ، وكأنها تعيش في عالم آخر ولاتنتمي الى هذه المنطقة التعيسة .. نسيت الدكتورة فاطمة البريكي ..البحث في مجموعة القيم والسلوكيات السلبية التي ترسخت في مجتمعاتنا نتيجة قرون طويلة من الظلم والظلام والقهر التي أرساها النظام السياسي العربي بموروثه الغث ..الأسود .. والقتل والصلب على الشبهة وحتى على النوايا فترسخت قيم النفاق .. والتحاسد والبغضاء .. النفاق للنظام وللمجتمع ولما يسمى بالنخب الثقافية والسياسية .. لذلك فإن المجتمع الذي يسيء للمبدع ويقزمه .. يعتبر نفسه أنه يقدم خدمة للنظام ايثاراً للسلامة نسيت السيدة الدكتورة .. أن المجتمع يرى في الإبداع والعبقرية .. مخالفةً لموروثه الغث المزيف .. فيعتقد أن الإبداع هو أمر مخالف للمقدس المزيف والمشتبه . ونسيت أن بعض الأقزام الذين يحاولون التطاول في عالم الأدب، أو أي مجال آخر يقفون في وجه الإبداع والمبدعين الحقيقيين ، محاولين تسخيفه وتقزيمه ، نتيجة عجزهم وقصر نظرهم واستلابهم الفكري للاخر الغربي. وهذه عوامل كان يجب عليها أن تأخذها في حسبانها قبل أي اعتبار ولكن ..بكل أسف ..؟؟ فقد وقعت في نفس الفخ على مايبدو دون أن تدري ...؟ والله أعلم .؟!!! وهناك شيء اخر نسيته الدكتورة البريكي، وهو أن النقاد والمفكرين الغربيين أنفسهم يعتبرون أن الرواية في الغرب في طريقها الى الأفول، وظهر مصطلح موت الرواية في الغرب ، والرواية الحقيقية موجودة الان في أماكن أخرى، في امريكا اللاتينية وافريقيا واسيا والوطن العربي ، ومنذ زمن الروائيين الغربيين الأوائل امثال وليم فوكنر وهمنجواي وفرجينيا وولف، لم يظهر جيل اخر بنفس المستوى، وتفوقت الرواية المكتوبة في خارج العالم الغربي على الرواية الغربية، ظهر الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز ، والبرازيلي جورج أمادو والياباني كينزا بوري أوي والكاميروني فردناند ايونو والجنوب افريقية نادين جودمر والعربي المصري نجيب محفوظ والعربي السوداني الطيب صالح، وغيرهم الكثير الكثير من الروائيين الذين يقودون حركة الرواية العالمية الان ، وهؤلاء جميعا من خارج العالم الغربي الذي تبدو الدكتورة البريكي مستلبة تماما تجاهه. كفانا جلدا للذات ولمبدعينا الذين يسيرون على الجمر ، ويقاتلون على كل الجبهات. اننا بحاجة ماسة لتوفير التشجيع والدعم لمبدعينا ورعايتهم وتكريس جميع الإمكانات اللازمة لهم ولا نقول بمستوى الغرب ولكن ضمن الحدود الدنيا .. فالأمة التي لاتهتم بمبدعيها هي أمة تعيسة بكافة المعايير ..! على الأقل ليثبتوا لأنفسهم ولمجتمعهم و للعالم الغربي انهم قادرون على التحدي والمنافسة بل والتفوق .
#ماجدولين_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صدور مجلة ثقافة بلا حدود الرقمية على شبكة الانترنت
-
حوار خاص لجريدة البلاد السعودية
-
ردا على مقالة الأستاذ فيصل القاسم - السمكة تفسد من رأسها
-
اعلامنا العربي اين انت؟
-
سميح شقير ابن الهم العربي
-
الإعلان عن القائمة الرابعة من المقبولين في عضوية اتحاد كتاب
...
-
من قاسيون أطل ياوطني: رسالة سائح في سوريا
-
هل تنتحر جامعة دمشق الحكومية؟
-
واقعية رقمية غير مسبوقة
-
من الانترنت الى المجلات الورقية
-
للشام عبق في القلب
-
أدركني الصباح
-
تحية لمن يساند المراة العربية
-
مشاهد على هامش الحياة اليومية
-
حوار على المسنجر
-
قاتل المرأة، قاتل يعيش بيننا وربما يكون احدنا
-
ماجدولين رفاعي تحاور هيثم بهنام بردى
-
أنا هدى يا أبي..!
-
سئمت أحاديثكم..
-
تعلم اختيار مرشحك في خمسةايام
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|